في البرّ الغربيّ ، مع حَسَن فتحي أيضاً ...

2017-06-22
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/278179b4-9543-4472-bc03-8ac3b16308e7.jpeg

ارتطامي بمعمار حسن قتحي ، أي ببقاياه ، كان قبل أربعة عشر عاماً ، أو نحوها ، حين عبرتُ ، بمُعَدِّية الحكومة ، النهرَ الخالدَ ، إلى البرّ الغربيّ .
ميراث حسن فتحي ، ليس على قائمة الرحلات السياحيّة .
ميراث حسن فتحي ، مجهولٌ أو يكاد .
حسن فتحي ليس رمسيس الثاني . إنه أعظمُ وأجَلُّ .
رمسيس الثاني  غير محتاج إلى صيانة ، إذ تكفيه صلادةُ الحَجر . لكن رِقّة عمارة حسن فتحي ، ومادتَها الحسّاسة ،محتاجتان إلى صيانةٍ ، صيانةٍ من نوع خاصّ جداً ، قد أسَمِّيه صيانة الحنان .
أقول : هذا العامَ ، وفي شهر فبراير ( شباط ) ،   2017 ، عبرتُ بمعدِّية الحكومة أيضاً ، النهرَ الخالدَ ، إلى البرّ الغربيّ ، حيث حسن فتحي .
أنجزَ الرجلُ العظيمُ حلمَه بقرية مصريّة جميلة ، حين شرعَ سكَنةُ المغاورِ  في جبال البر الغربيّ يهبطون من مغاورهم ليسكنوا منبسَط الأرض .
حلمُ الرجلِ  كان من الطين والتِّبْن:
ساحة صغيرة .
قصر ثقافة .
مسرحُ نصف دائريّ .
رواقٌ تنفتح عليه دُورٌ ودكاكينُ .
مسجدٌ .
*
كان مؤسَفاً أن يظل المسرح مغلَقاً منذ 2009 
وكذلك المسجد ،وقصر الثقافة .
حين دخلتُ الأقصرَ ، شاهدتُ مبنى حديثاً بلا هويّة ، يحمل لافتة " قصر الثقافة " ، بينما يظل حلمُ حسن فتحي مغلَقاً !
*
مئذنةُ  مسجد حسن فتحي ، مناقشة جادّة لمبدأ " الأيْر " المتَبَع في المئذنة المألوفة  .
مئذنة حسن فتحي ، مربّعةٌ ، هي أقرب إلى " خِيرالدا " ما . إنها خيرالدا الغَيْطِ ، خيرالدا الريف المصريّ العميق . المئذنة هنا هي مأوى الحمام والطير .
منها تنطلق الأجنحة إلى السماء الصافية أبداً .
منها ، أيضاً ، يتعالى الأذان ، والتهجُّدُ ، وتمجيدُ الخالق .
*
المسجدُ مغلَقٌ .
لِمَ أُغلِقَ ؟
للبيت رَبٌّ يحميه .
*
الحقُّ أنني أحسستُ بإحباطٍ لا حدَّ له .
لِمَ أُغْلِقَ كلُّ شاخصٍ يدلُّ على عبقرية مصر في العمارة الفقيرة ، عمارة حسن فتحي ؟
لِمَ كلُّ تلك الأقفال الصدئة على قصر الثقافة والمسرح والمسجد وبيوت الرواق ؟
الأنّ مهندسي السمنت والحديد هم القوّامون على كل شيءٍ؟
وحضارة الطين والتبْنِ ؟
أين نذهب بها ؟
إنها حضارتُنا . هويّتُنا ... 
إنْ أغلَقْنا عليها ، أغلقْنا على أنفسِنا في جحيم العولمة .

الأقصُر 19.02.2017


 

سعدي يوسف

 شاعر عراقي وكاتب ومُترجم، وُلد في ابي الخصيب، بالبصرة عام 1934. اكمل دراسته الثانوية في البصرة. ليسانس شرف في آداب العربية. عمل في التدريس والصحافة الثقافية . غادر العراق في السبعينيات وحاليا يقيم في لندن ونال جوائز في الشعر: جائزة سلطان بن علي العويس، والتي سحبت منه لاحقا، والجائزة الإيطالية العالمية، وجائزة كافافي من الجمعية الهلّينية. في العام 2005 نال جائزة فيرونيا الإيطالية لأفضل مؤلفٍ أجنبيّ. في العام 2008 حصل على جائزة المتروبولس في مونتريال في كندا . وعلى جائزة الأركانة المغربية لاحقاً

عمل كعضو هيئة تحرير "الثقافة الجديدة".

عضو الهيئة الاستشارية لمجلة نادي القلم الدولي PEN International Magazine

عضو هيئة تحرير مساهم في مجلة بانيبال للأدب العربي الحديث .

مقيم في المملكة المتحدة منذ 1999.

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved