نتعرض هنا لما قاله الزهاوي في حرارة الشمس (ونورها) على حد تعبيره في (المُجْمَل مما أرى) . ونحن كما في الحلقات السابقة لا نبتغي إلاّ الوقوفَ على النزعة المتمكنة في هذا الرجل الموسوعي إلى اقتحام ميدان العلم حسب ما كان يراه، وما توفر لديه من مصادر. فإذا ما جاء تحليلٌ أو نظرةٌ مخالفةٌ لما نعرفه في عالم اليوم، فليس اننا نُقِرُّ ما رآه أو نحطَّ من قدره، فهو في الحالين يستحق الدراسة من حيث أنَّه أثرى الجانبَ المعرفيَّ السائدَ آنذاك، اذ كانت بعض النظريات الحديثة في بداياتها ولا يتكلم فيها إلا المختصون مع اختلاف الآراء .
وفي البداية أُعلِّق على اسْتعمال الزهاوي كلمة النور مع الشمس فربما نقول، على الأقل، انها تفتقر إلى الدقة . ومردُّ ذلك أنَّ هناك فرقًا بين النور والضوء .
فصحيحٌ أنَّ المعاجمَ الاجنبيةَ لا تفرق بينهما، ولكن العربيةَ تطلق الضوء على ما يأتي من مصدره الأصلي، فضوء الشمس مثلا هو ما يصدر عن الشمس، وضوء الشمعة ما يصدر عنها، أما النور فهو ما يعكسه مصدرٌ ثانٍ لا يكون مصدر ذلك الضوءِ، كما هو الحال في نور القمر. مصدر نور القمر هو الضوء الآتي من الشمس منعكساً عن القمر، لذلك جاءت الآية لتثبت بدقة هذه الحقيقة في (هو الذي جعل الشمسَ ضياءً والقمر نوراً) .
بعد هذه المقدمة ننقل نصَّ كلام الزهاوي حيث يقول (وما حرارة الشمس ونورها سوى الإلكترونات المتطايرة بكثرة هائلة منها، لكثرة ما يجري إليها من الأثير المحيط، بسبب كبر جرمها العظيم . فهذا الأثير بعد أن يجري إليها بقوة، يرتد على أعقابه من أعماقها بعد أن يفقد قسماً كبيراً منه بدخوله في تركيبها ويتطاير في شكل حرارة ونور) .
هنا نقول ما لم يقله الزهاوي فأصل الشمس انما يعود الى ذلك السَّديمِ او السحب الغازية الهائلة التي تكونت عند نشوء الكون . هذه السحب احتوت على الهيدروجين والهليوم بالإضافة إلى جزيئات الغبار وذراتٍ أُخرى كانت جزءاً من مكونات نجوم أُخرى تكونت قبل الشمس . وبسبب الاضطرابات التي عاناها هذا السديمُ جرّاء الانفجارات الكونية التي حدثت آنذاك، حدث انهيار تدريجي له، فتقلص حجمه، وانضغطت المادة في مركزه، مما قاد إلى تشكيل قرص ملتهب في ذلك المركز أدّى إلى تبخر الغبار لتتشكلَ نواةُ الشمس .
اما بشأن الطاقة الحرارية والضوئية المنبعثة عن الشمس، فانما هي نتيجة الاندماجات النووية المتسلسلة في مركزها تحت درجات حرارة تقدر بالملايين، حيث تندمج أربع نوى من الهيدروجين لِتُكَوِّنَ نواةً واحدةً من الهيليوم، والفرق بين كتلة الهيليوم المتكوِّن وكتلة الهيدروجين المُكَوِّن يُترجَم إلى طاقة حرارية وضوئية هائلة، حسب المعادلة الشهيرة لأنشتين التي تربط بين الطاقة والكتلة . هذه الطاقة الحرارية الضوئية تنقل عبر الفوتونات إلى الأرض، وهذه الفوتونات إنما هي كَمّاتٌ كهرومغناطيسية لا كتلة لها تنتقل بسرعة الضوء .
يمضي الزهاوي في تكهناته قائلاً أن الأرض سيكبر حجمها وتزداد حرارة باطنها بما تبتلعه من الأثير، وما يقع عليها من الغبار الجوي والشهب والنيازك حتى تؤول في النهاية إلى شمسٍ، وعندها سيدخل الأثير إليها بكميات أكبر، ويرتد من باطنها (حرارةً ونوراً) كما حصل للشمس . يقول ولقد بدأ باطن الأرض يصير شمساً منذ وقت طويل، فإذا عظُم أكثر مما هو عليه اليوم أي ازداد حجمه، ازدادت حرارته وانبثقت فأذابت سطحها . ثم يقول إن هذا التوقع يصدق مبدئياً على المشتري وزحل .
كما قلنا أن الزهاوي في تنظيراته لم يستند إلى أدلة قطعية وهو مسكون بفكرة الأثير مأخوذ بها، ولذا قلنا أنها تكهناتٌ من البساطة ردها . أن الباحث ليجد نظريات عديدة على مدى التاريخ حول تمدد الأرض ونموها وكيفية هذا التمدد والنمو، وعن طبيعة ما تحتويه في داخلها، وليس من البساطة البتُّ في مثل هذه الأُمور ما لم تكن هناك ادلةٌ مدعومةٌ بتجاربَ مختبريةٍ، حُلِّلت نتائجها تحليلاً علميّاً وكانت مشفوعة بالملاحظة والمراقبة المستمرة .
نكرر أن هدفنا إبراز ما لهذا الرجل من باعٍ في مجال ربما اسْتعصى على ذوي الاختصاص، ولهم فيه آراءٌ متباينة، لنعترف بتميزه مُقدِّرين .