حكاية الشباب الفلسطيني

2013-08-24
كنت صغيرا جدا عندما بدات بالافصاح عن احلامي وأمنياتي، فكنت لا أتجاوز الخامسة من عمري عندما كنت أسارع للاجابة عن سؤال والداي أمام الأهل والأصدقاء وأخبرهم بأنني أحلم بأن أصبح طبيبا أو مهندسا عندما أكبر...وكانت عيونهم اللامعة بالفرحة والفخر مكافأة على حلم وليد، وكبرت...وشاب والداي وقد أصبحت الآن من أوائل الخريجيين. وبدأت بالبحث عن مهنة المستقبل في بلدي الحبيب..حتى أصبحت سيرتي الذاتية أشبه بملح الطعام..هي في الصندوق الوارد للبريد الالكتروني لكل المؤسسات..والشركات.. والمدارس.. والمصانع..  والمحلات التجارية...هي في طريقها لكل فاكس في المدينة... وعلى مكتب استقبال الزبائن او المراجعين في كل ركن من اركان هذا الحي وذاك...حتى أن شهاداتي...وخبراتي...وصورتي الصغيرة بملامحي البريئة المليئة بالامل والتفاؤل أصبحت هنا وهناك...لم تعد ملكا خاصا بي فقد أصبحت متوفرة في الاسواق وبين الأيادي...تركت رقم هاتفي..وهاتف المنزل..والجيران..وحتى نصف ارقام الحي متأملا سماع خبر قبولي في إحدى الوظائف...أو حتى الافصاح عن سبب رفضي...مرت الأيام والأشهر ولا ندري ما الخبر!
لم تعد لي أحلام، ولم يعد طموحي العمل في مهنتي او مجال تعليمي الذي مضيت سنين عمري فيه...لا يهمني المسمى الوظيفي او المرتبة ولا الألقاب...هل تعلمون!! لم يعد حتى يهمني الراتب! نعم لم يعد يهمني أي شيء سوا ان افهم من انا على هذه الارض الطيبة الغالية...وما أكون للوطن الحبيب! هل أصبحت غريبا عنه...ام أصابني داء جعلني في حجر صحي...ولربما لبست طاقية الاخفاء فلم يعد يراني او يسمعني أحد!!أسئلة كثيرة لم اجد لها مجيب...
يئيست...وسئمت...وأخاف فهم الحقيقة والافصاح عنها فاضيع في متاهات الحياة...لذلك..لملمت أوراقي..وحبست انفاسي..وذهبت الى ركن صغير في إحدى زوايا منزلنا القديم العتيق...لأستعيد ذكريات طفولتي واحلامي علنّي أعود اقف على أقدامي..وأسير في الدروب بذات الهمة والشجاعة..نكشت صندوق الذكريات...وأخذت شفاهي تبتسم رغم السلاسل التي تقيد حرية قلبي وفكري..ودموعي تملىء عيناي..وانا اتنقل بين ثنايا الماضي..فقد كنت هنا ألون رسوماتي..وهناك أدرس لامتحاناتي..وهناك أحتفل بنجاحاتي..وهناك أقبل يدي والداي على تميزي، وحصولي على أعلى الشهادات...وفجاة ! استيقظت على جرس انذار الحاضر..فوجدتني بلا وجود..
فققرت السفر الى البعيد بحثا عن الوطن والوجود...وفي ليلة بداية النهاية...وجدت المئات مثلي على سفينة بحر الغربة...وكلهم أنا..وأنا ككلهم..وبدأنا نضحك بأصوات مرتفعة حتى وصل أنين ضحكاتنا الى ذلك السرب من الطيور المهاجرة أيضا...وبدانا نسأل بلا أجوبة...لماذا هاجرت الطيور وهربنا؟ لماذا نمضي سنين العمر في الجد والاجتهاد في المدارس والجامعات لنضيع أجملها على أرصفة الشوارع وفي المقاهي ومراكز الانترنت دون عمل او مهنة؟ لماذا كل هذه الاعداد المتزايدة من خريجي الجامعات في حين لا يكاد يكون هناك اي شواغر او فرص عمل او امل؟ لماذا لا يتزايد الاهتمام بقطاع الشباب كما هو لهذا وذاك؟ أليس هو العمود الفقري للامة به تصح وبه تنهار؟ وغيرها من الأسئلة التي لا تزال تنتظر الاجابة...! (يتبع)
 الأخصائية النفسية :ثورة انجاص

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved