قال الشاعر أحمد شوقي :
قم للمعلم وفّه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا
أعلمتَ أشرف أو أجَلّ من الذي يبني وينشئ أنفساً وعقولا
والمعلم الناجح والمتميز هو من يخرج عن الإطار التقليدي لدوره في نقل المعرفة، ويتّبع آليات وأساليب حديثة وفعّالة في عملية التدريس، ويشرك الطلبة بشكل فعّال فيها ليكونوا إيجابيين في ذلك. إنه المعلم الذي يمتلك فلسفة وقدرات عالية وكفاءة لتصميم بيئة تعلم إيجابية تشمل كافة مستويات الطلبة، والاهتمام بالفروقات الفردية بينهم، ومراعاة اهتماماتهم وأفكارهم. فالمعلم المتميز هو من يقدم المعرفة والمهارات ويتابع تطور الطلبة ويوجههم لتحقيق الأهداف المطلوبة ليصبحوا أفراداً ذو شخصية منتجة وقيادية ومبدعه .
ويتحقق ذلك عندما يسعى المعلم لتطوير معارفه ومهاراته في طرق وأساليب التعلم والتعليم الحديثة والمتطورة وتطبيق ذلك مع الطلبة لمساعدتهم على النمو العقلي والنفسي والعاطفي والاجتماعي وغيرها، لأنه يؤمن بأن التطور العقلي يؤثر على قدرة الطالب على التعلم والنجاح في الحياة، خاصة في المراحل الابتدائية التي تمثل مرحلة الطفولة المهمة لنموه وصحته لاحقاً . فسي الذي يرتكز على بناء درجة عالية من الثقة بين الطالب وبيئته الخارجية والتي تنعكس بشكل تلقائي على ثقته بنفسه واعتماده على ذاته، ومشاركته وإشراكه، وإشباع حاجاته النفسية التي تمثل متطلباته الضرورية والتي من خلالها يستطيع التواصل بإيجابية وفعالية مع الحياة والشعور بالاتزان الداخلي والرضا عن الذات.
وهنا يمكن القول بأن البناء النفسي السليم للطالب يعتمد في مجمله على حمايته من المواقف التي تزرع في ذاته التوتر والخوف والقلق، وفي المقابل تشجيعه على التعبير عن نفسه، واكتساب المعلومات والمهارات من خلال توفير المثيرات المناسبة التي تساعده في زيادة حصيلته المعرفية، وتنمية المهارات المختلفة من خلال إشراكه في الأنشطة والفعاليات المتنوعة خلال العملية التعليمية. فمرحلة التعليم الأساسية هي أيضاً مرحلة نمو وتطور مهمة للطلبة .
وفي مدارس الأوائل تجد كل شيء مختلفاً، حتى أن تجربتنا معها في المبادرة الشبابية "خبراؤنا لإرشاد أبنائنا" أيضاً كانت مختلفة. هذه المبادرة الشبابية التي اجتمع فيها مئات الخبراء والمختصون في مجال العلوم النفسية والتربوية والاجتماعيه من مختلف دول العالم على هدف واحد وهو النهوض بشباب المجتمع وتنمية مهاراتهم الشخصية والحياتية، قامت مؤخراً بتنفيذ مسابقة "المعلمة المتميزة للعام 2022" بالشراكة مع ممثلية جمهورية سلوفينيا في مدارس الأوائل للإناث كتجربة فريدة ومميزة لبناء القاعدة الأساسية لسلسلة الأنشطة المجتمعية والتربوية لدعم المسيرة التعليمية في المجتمع الفلسطيني.
وكان الجميل في هذه التجربة أن النسبة الأعلى من المعلمات هُن من فئة الشباب الطموح والمجتهد، فهذه هي المرأة والفتاة الفلسطينية دائماً استثنائية في حبها للعمل والعطاء اللامحدود الممزوج بحب الوطن والانتماء والاخلاص .
إن كل معلمة كانت جزءاً من هذا النشاط أضافت لرسالتنا واهتمامنا بفئة الأطفال والمراهقين بقدر ما أضفنا لها وأكثر. فقد كانت المعلمة هي الأم والصديقة لطلابها، كانت القدوة والنموذج الايجابي الذي يحتاجه كل طفل ومراهق ليبدأ بفهم ذاته، وتطوير معارفه ومهاراته، لتكوين أفكاره وفهم مشاعره ورسم طريق المستقبل.
كانت كل معلمة مزيجاً مميزاً من أساليب التعليم المعاصرة، وأساليب التنشئة الاجتماعيه الهامة، والصفات الشخصية الإيجابية التي تعكس فكراً واعياً ونموذجاً راقياً لغرس القيم والمبادىء في الطلبة الذين اجتمعو على حب المعلمة والتأثر الإيجابي بها .
لقد كان تأثير المعلمات وقدرتهن على التغيير نحو الأفضل واضحاً كالنور في الظلمة، فكل معلمة تفردت بأساليبها الخاصه، وأنشطتها المتنوعة لتعليم مفاهيم الدرس بكفاءة، ومنح الطلبة فرصة ومساحة آمنه للتعبير عن الرأي، وأن يكونوا شركاء فاعلين في العملية التعليمية، ولم يقف دورها عند العطاء الأكاديمي، فكانت المربية والداعمة والأم، قادرة على تفهم مراحل نموهم، واحتياجاتها ومتطلباتها، والتعامل مع ذلك بكل مهنية واهتمام .
فالمعلمة إسراء استطاعت بكل محبة دمج الطلبة في أنشطة مجتمعية استطاعت من خلالها غرس القيم والمبادىء التي يحتاجها الطلبة للنمو والتطور الصحي والنفسي السليم .
أما المعلمة ردينة فقد استطاعت تحويل صفها الصغير إلى مسرح أحلامٍ كبير، ومن خلال تطبيقها للدراما مع الطلبة استطاعت تحفيز تفكيرهم الإبداعي، واكتشاف المواهب المميزة .
وقد كان للتمثيل دور بارز أيضا حيث أبدعت المعلمة إسلام في بناء شخصية مثقفة تحمل رسالة الوطن الجريح، ونجحت في تجسيد قضية شعب جبار لا تنتهي في مشهد أبكى كل من شاهد وسمع.
ولأن الوطن أغلى ما نملك، كانت المعلمة مديحة مثال المرأة الفلسطينية الشامخة والصامدة التي أحبها جميع الأطفال، وتشربوا في كلمتها حب الأرض وتراب الوطن، علمت أجيالاً متميزة في كل ما تملكه من فكر وعلم وشخصية.
وكذلك المعلمة سمية هذه الام الحنونه والمعطاءة التي يشعر معها الطلبة بالأمن والأمان لمشاركة قصصهم وأحداث يومهم، والتي كانت بدورها تدفع بهم نحو السلوك الإيجابي والتعلم النشط .
أما المعلمة القديرة زينب كانت القدوة الإيجابية لأبنائها وطالباتها في طموحها واجتهادها وأفكارها الإبداعية في مجال العلوم، فكانت القادرة على تحويل جمود العلوم لدى البعض إلى مساحة حرة للتفكير والإبداع والإنجاز.
ولأن الجمود لا يقف عند العلوم فقط، نجد بعض الطلبة أيضاً يترددون في حبهم للغة الانجليزية، ولكنه كان يكن في صفوف المعلمة سهير التي يليق بها لقب المعلمة الخرافية لمهاراتها العالية في دمج الطالبات في مهارات متعددة على المستوى الأكاديمي وغيره، فكانت حصصها أرضاً خصبة للتعلم ومحطة للاستمتاع بجمال اللغة الانجليزية.
أما المعلمة سائدة فيمكنها وصفها بخليط التميز والإبداع اللامنتهي، تلك المعلمة التي اهتمت ببناء شخصية الاطفال في صفوفها، تعليمهم وإكسابهم العديد من المهارات والمعارف، اضافة الى تنمية تفكيرهم الابداعي ومنحهم الفرصة ليكونوا مشاركين وفعالين ليشعروا بوجودهم وأهميتهم واهمية ما يقدمونه للتعلم .
نعم، لقد كانت هذه التجربة فريدة من نوعها لأن كل معلمة مشاركة كانت تتميز بجانب لا يقل أهمية عن الجانب الدي تتميز فيه الأخرى، فما كان لنا إلا أن نطلق عليهن لقباً يليق بمستوى صفاتهن الشخصية والمهنية والرسالة السامية التي يحملنها في مسيرة العملية التعليمية، إنهن "نجوم مضيئة في سماء التميز". فكل من المعلمات نسرين التميمي، فاطمة قاسم، إسراء فخيدة، رشا قصراوي، أريج الأشقر، مي حجازي، آلاء رفعت، ليلى ظاهر، شادية سيف، دعاء يوسف. إنهن بالفعل نجوم مضيئة بأساليبهن المميزة والهادفة في التعلم النشط، والأنشطة المتنوعة في التعليم والتدريب وبناء شخصية الطلبة وتنمية مهاراتهم، فكل معلمة تترك أثراً إيجابياً لا يزول مع الوقت في أذهان ومشاعر الطلبة، إنهن بصمة نجاح وإبداع في مهنية التعليم التي هي أساس كل المهن، ورسالة سماوية سامية، فقد كاد المعلم أن يكون رسولا .