نعم سارِعْ، وافْتَحْ قَلبَكَ، وَهَيِّئْ نَفْسَكَ،
واجْعلْ منك، كُلَّكَ، اۤذانًا تستَمِعُ،
فإنَّ تَبِعاتِ الاسْتِماعِ مضمونةٌ،
وما أحوَجَنا الى ثقافةِ الاستماع.
لكنْ
كُنْ مُتَّئِدًا، واسْتَعِدَّ اۤخِذًا حِذْرَكَ لكي تَتَكَلّمَ،
فإنَّكَ لا تَضْمَنُ تَبِعاتِ الكلام.
إنَّ أفضلَ ما يَتَمَتَّعُ بهِ الانسانُ من خِصالٍ،
هو أن يَستمعَ للاۤخرينَ بما فيه الكفايةُ، لِاسْتيعابِ ما يقولون،
فلَربَّما كان في الاسْتماعِ إليْهم،
تنفيسٌ لِكَرْبٍ مكبوتٍ في الصُّدورِ،
فإنْ تَطَلَّبَ الأمرُ عونًا،
وكنتَ له أهْلًا ثم فعلتَ،
أدْخَلْتَ إليْهِمُ السرور.
فَلْنَسْعَ ما اسْتَطَعْنا لنيلِ إحدى الحَميدَتَيْنِ أو كِلتَيْهِما:
حَميدةِ التَّرويحِ وحَميدةِ التَّفريح.
فإن كان الحالُ على غيرِهذا،
ففي الاسْتماعِ فُرْصَةُ أن نتعلَّمَ من الآخرينَ،
او نُدْرِكَ مواطنَ الخَلَلِ في كلامِهم،
فنختصرَالوقتَ لتقويمِهم وإرشادِهم.
أمّا الكلامُ فعليكَ بالتَّؤُدَةِ،
فلا تُطْلقْ لِسانَكَ دونَ أن تعرِفَ ما الَّذي سَتَتَكَلَّمُ فيه،
وأيَّ أُذْنٍ سَتَعيه.
فلم يَكُنِ الصِّدّيقُ أبو بكرٍ مُبالِغًا
حينما دخلَ عليه الفاروقُ عُمَرُ
فراۤهُ يَجْبِذُ لِسانَهُ،
فقال له عُمَرُ: مَهْ غَفَرَ اللهُ لك،
فردَّ عليه أبو بكرٍ: هذا أوْرَدَني الْمَوارِدَ؛
قالها على سبيلِ الخِشْيَةِ،
ومَن مثلُ الصِّدّيقِ يخْشى الله؟
كما لم يقلْ عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ قولَتَهُ اعْتِباطًا حينَ قال:
واللهِ الذي لا الهَ الا هو،
ما على الارضِ أحَقُّ بطولِ سَجْنٍ من اللسانِ،
كنايةً عن التسرُّعِ في الكلام.
انها الحكمةُ يا أُخَيَّ،
فاسْجُنْ لسانَكَ ولا تُطلقِ الكلامَ على عَواهِنِهِ
حتى تَتَأكَّدَ من صِحَّتِهِ وسَدادِهِ،
في زمانِهِ ومكانِهِ،
وعندها اصْدَعْ بالحقِّ ولا تُبالِ
فَلَرُبَّ كلمةٍ صادقةٍ تقولُها
تكونُ أمْضى من السهامِ في فِعْلِها،
فتُسْكِتَ بها المُتَفَيْهِقينَ من القومِ - وهم كُثْرٌ- والمُتَشَدّقين .