حرامية بغداد سرقوا التاريخ في اكبر عمليات سرقة للمتاحف في العالم / توما شماني

2007-09-24

مآسي العراق كثيرة لا تعد ولا تحصى تزيد على (الف مأساة ومأساة) ومنها الجانب العلمي والثقافي والحضاري فقد سرقوا المكتبات ولم يبق كتاب تملكه دائرة المكتبات العامة، سرقوا آثاث المدارس وكراسيه سرقوا مخازن الجيش فشاعت الاسلحة بين قطاع الطرق، واشدها بلاء في الصحة سرقوا كل مما في الطاقة النووية من مواد مشعة ونشروها بينهم، وسرقوا وسرقوا ولا يزالوا يسرقون ومنها سرقة متحف حضارة وادي الرافدين العتيدة في عملية لم يجد لها التاريخ مثيلا، الا ما حدث في افغانستان ففي القرن الحادي والعشرين فجر الطالبان تمثال (بودا) تحت اناشيد النصر الالهي. اما سرقة المتحف فمأساة ستروى مع غصة يبكي عليها حمورابي وآشوربانيبال وغيرهم من الذين بنوا الحضارات. في عام في 2003 صدر في اميركا كتاب (حرامية بغداد) Thieves of Baghdad بالانكليزية ومؤلفه ماثيو بوغدانو Matthew Bogdanos رئيس المحقّقينِ في عملية سرقات المتحف، ولد بوغدانو ونشأ في نيويورك يعَملَ في مطعمِ عائلتِه اليونانيةِ، ثم ألتحق جنديا احتياطيا في مشاة البحرية الأمريكية، درس الحقوق فعين محاميا في مكتبِ المدعي العام في المدينةَ، عايش في نيويورك المحنة التي وقعت على المدينة المعروفة بيوم 9/11 التي شاهدها العالم على التلفزيونات، في ذلك اليوم الاسود عمل بجرأة اذ شق طريقه من بين الحشودَ والحطام وعُمّالِ الطوارئ لإنْقاذ عائلتِه في الشقّةِ التي تحطمت نوافذِها ومحتوياتها والتي غَمرها الرمادِ. وبعد اسابيع التحق كعقيد في مشاة البحرية، مشاركا في العملياتِ الحربية في أفغانستان وفي 2003 ارسل إلى جنوب العراق في البصرة، وعندما سرق المتحفَ وسُلِبَ عين بمهمة القيام بالتَحرّي في نهب المتحف العراقي فغادر البصرة إلى بغداد.

ينبغي ان لاننسى قبل ذلك ففي العهد الصدامي كان عدي وقصي بوسعهما فعل مالا يمكن للعقل تصوره، فقد قيل انهما استوليا على الحاجات الذهبية في المتحف، ففي عام 1989 وبأمر من المصرفِ المركزيِ تم نقل تلك الحاجات الثمينة الى أقبية المصرف المركزي، ولا يعلم احد بالضبط كم من تلك العاديات الذهبية التي استحوذ عليها عدي وقصي لكي تستخدم بعضه بنات صدام واقربائهن، وكم بيع منها في الاسواق العالمية تحت العبائة بدولارات ظمت الى البلايين التي سجلت في الخارج. وبعد ذلك وقبل فترة قليلة من معركةِ بغداد أفرغَ أبناء صدام عُدي وقُصي مخازنِ المصرفِ و مُعظم محتوياتها ووجد المحقّقون في قبو المصرفَ بعضا منها غارقة في الماءِ. وقامت المجلة الجغرافية الوطنية العالمية Geographic National بتصوير ما وجد بعدئذ. وقيل من قبل ان سراق الآثار كانوا على اتصال دائم بعدي وكان بوسعهم في اي وقت سرقة تلك الآثار ولفها ثم ارسالها في طائرات خاصة لا يستطيع احد منعها من التهريب في وضح النهار.

يشير كتاب (حرامية بغداد) الى ان السرقات كانت في ثلاث عمليات منفصلةِ على الأقل، واحدة منها كَانَت سرقة داخلية، والأخرى قام بها لصوص محترفين، والسرقة الثالثة حدثت عندما هرب الجيشِ العراقي وتَركَ الابواب مفتوحة فدخل النهابون والسلابون المحترفون وغير المحترفين. وكانت الحصيلة سرقة أكثر من 13,864 قطعة أثرية من المتحف، وهي عملية تعتبر من غير شك اكبر سرقةَ لمتحفِ في التأريخِ، وبقي المتحف لـ 36 ساعة مجردا من الحراسة, واثر ذلك وبجهود الإيطاليينِ والأمريكيينِ والعراقيينِ، مع الشرطة والكمارك حول العالم استطاعوا استعادة حوالي 5,400 قطعةِ حتى الآن، ومنها 700 تقريباً مِنْ اقطار بعيدة كالولايات المتّحدةِ وبريطانيا. وهناك ما يقدر ب 500 ألف اثر مازال موجودا في المتحف.
والاسوأ في هذه المأساة ان المتحف استخدمه الجيش العراقي مكانا لحماية نفسه والدفاع، اذ وجدت في المتحف بدلات وأسلحة عسكرية عراقية مُبعثرة في البنايات وفي فناء المتحف وكان هناك بقايا إحراق لمِئاتِ من البطاقاتِ وملفاتِ حزب البعثِ. وفوق البابِ المركزيِ في البنايةِ الرئيسيةِ، كَانَت هناك كتابة كبيرة مكتوبة (الموت إلى كُلّ الأمريكان والخنازير الصهاينة) وبعدها هرب الجنود العراقيين تاركين المتحف دون اية حراسة. وبعد يومين عاد أمناء المتحف، ليُلاحقواُ السلابة الذين قدر عَدَّدهم بـما يقرب من 400 سالب وناهب. والواقع ان موظفي المتحف قد اعلنوا عن اسفهم لان الجيش الامريكي كان على بعد عدة مئات من الامتار من المتحف ولم يتدخلوا في منع السلب والنهب بيد ان التحقيقات اثبت ان بعضا من موظفي المتحف ساهموا في السرقة لانهم يعرفون قيمتها في الاسواق العالمية.

عندما دخل الفريق الأمريكي لاول مرة في المتحف، كَانَ في المكاتبَ الإداريةَ حيث كان الدمار عارما وكاملا، فكُلّ مكتب مِنْ المكاتبِ الـ 120 في المتحف الواسع الارجاء كاَنْ قَدْ سُلِب وكُلّ قطعة من الأثاثِ تكسرتْ غير انه في صالات العرض العامّةِ كان الضرر اقل فداحةَ فمن مجموع 451 خزانة عرض تحطمت 28 خزانة وكَانتْ كلها فارغة. وقيل بان محتوياتها كَان قَدْ أُفرغها الموظّفون قبل الإحتلال إلى (مكان سري) ضمن المتحفِ، معَروف فقط من قبل خمسة من كبار المسؤولين في المتحف وقيل في مقابلة تلفزيونية بعدئذ ان الخمسة اقسموا أن لا يبوحوا بالمكان لاي احد إلا انه بعد استقرار الأمور ظهر الشك في الذين اقسموا. بيد انه سرق منها 40 قطعة مهمة اهمها كأس الوركاء المقدس وقناع الوركاء وبقايا تمثال Bassetki الاكدي الذي يعود 2300-2200 ق م وعاجيات من القرن الثامن قبل الميلاد ومنها (لبوة تُهاجمُ نوبيا) الشهيرة. يذكر بوغدانوس بان اللصوص كانوا منظمين يعرفون مايسرقون وبانتقائية.
ومن النتائج يبدوا ان 3,138 مادةَ قد فقدت، وهي من قطع الجرارِ والآنية وقطعِ أخرى. وفي و عملية تحري اخرى قام بها بوغدانو ورفيق له بالنزول إلى الأسفل من خلال سلم مخفي مُظلم نحو منطقةِ الخزنِ في القبو. فاكتشفوا إن البوابة الحديدية العملاقة مفتوحة على مصراعيها ولا توجد أية شارات لفتحها عنوة, وهو مايشير إن شخصا ما كان على معرفة بالمكان قد دخل هناك أولا. وفي القبو كانت الفوضى هائلة اذ كان هناك مايقرب من 103 من السلال والصناديقِ البلاستيكيةِ التي تحتوي آلافا من الأختام الاسطوانية والخِرَزِ والتعاويذِ والمجوهراتِ، فارغةَ ومحتوياتها مرُمِية رميا باكوام بلاعناية بِكُلّ الإتجاهات على الارض، وكان المِئات منها محطمة، و كَانتْ هناك صناديق لم تفتح لضيق الوقت لدى السارقين. كان من الواضحَ بَِانَّ هؤلاء اللصوصِ الجناة يعَرفون ما كَانوا يَبْحثونَ عنه وأين يجدوه. الا ان المحققين في موضع آخر عثروا على 30 خزانةَ تَحتوي مجاميع من أجود الأختامِ الإسطوانيةِ في العالم وعشراتِ الآلاف من العملات المعدنيةِ الذهبيةِ والفضّيةِ غير متأثّرة باي لعب ولم تمس. بيد انه ظهر ان مجموع ما فقد من المخازن كان 4795 ختم اسطواني و 5542 عملة معدنية و قناني زجاجية وخرز وتعاويذ ومجوهرات من ذلك القبو.

المسروقات كثيرة جدا ولم تحسب حسابا اكيدا لان محتويات المتحف كبيرة جدا وليست معروفة معرفة دقيقة لكنهم عثروا على أكبر عدد من المسروقات في بيت ريفي في 23 ايلولِ وكان من بينها قناع الوركاء الذي كان مدفونا في الساحة الخلفية تحت الأوساخ على عمق قدم وبعدها في تشرين الثّاني أسفر هجومان عن العثور على مدفأ النمرود النحّاسَي، التي كانت تستَخدم آنذاك لتَدْفِئة قاعة عرشَ الملكِ شلمنصر الثالث في القرن التاسعِ قبل الميلاد بالإضافة إلى ً 76 قطعةَ من مسروقات سردابِ المتحف، وفيها تمثالِ ياسيتكي مصبوب من النحاس الذي يعود للعصر الاكدي وكَانَ قَدْ غُطّى بالدهنِ وأخفى في بالوعة. ويذكر بوغدانو انهم استطاعوا ايقاف شاحنةُ كانت متّجههُ إلى إيران وفيها ما لا يقل عِنْ 465 قطعة من الآثار. شاركت الشرطة العالمية والكمارك الدوليةِ في البحث فنشروا صورِا لبَعْض الموادِ المفقودةِ، فظهر من البحث الجاد ان الكثير من الموادِ المسروقةِ هربت الى الخارج منها 1,395 قطعة عثر عليها وصودرت من قبل السلطات في نهاية عام 2003. ومايقرب من 669 قطعة صودرت من قبل السلطات في عام 2003 ايضا عندما أرسلت في أربعة صناديق بواسطة الفدكس (FedEx) وهي مؤسسة بريدية عالمية لنقل الحاويات المسجلة وكانت مُعَنونة إلى تاجر تحف تاريخية في نيويورك، فحُجِزتها َالكمارك الأمريكيةِ في مطارِ نيويورك. بيد ان كنوزِ النمرود التي كانت تتكون من 1,000 قِطَعِة ذهبيةِ منها تيجان وقلائد وورود ذهبية وأساور وأحجار كريمة تعود للقرن الثامنِ قبل الميلاد وإحدى الإكتشافاتِ الآثاريةِ العظيمةِ للسَنَوات المائة الأخيرة وكَانَت قَدْ عرضت للجمهورِ مرّة فلا يعرف امرها.

يخمن (بوغدانو) بان العمل على جرد العاديات التي سرقت قد يَستغرقُ سَنَواتَ، وكانوا في البداية قد أصدروا عفوا عن الذين لديهم آثار يستطيون ارجاعها فوضعوا اعلانات في المساجد والصُحُف والتلفزيون والشوارعِ، جاء في الإعلانات بأنَّ كل من يُرجعُ اثارا مسروقة سيسألونه سْؤُالاً واحد فقط وهو (هَلْ توَدُّ أن تشرب استكان شاي؟) وكان على كل باب واحد مِنْ جماعة (بوغدانو) في استقبال الذين يَرجعون المسروق، ثم طاف فريق (بوغدانو) في المقاهي يشربون الشاي ويلَعبون (الطاولي) لعلهم يصلون الى معلومات عن الآثار المسروقة. كانت النتائج كبيرة وفوريةَ تقريباً، جاءت حقائب تَحتوي موادا أثرية تركت بالجوار او آخرون زعموا بأنها أخذت للمحافظة عليها، بَعْض الآثار أرجعت إلى المساجدِ، وسلّمَ آخرون قسما منها لدوريات الجيش الأمريكيِ. بعد إسبوعين مِنْ المفاوضاتِ أرجعت المزهرية المقدّسة للوركاء، في حزيرانِ في صندوق سيارةِ، مع 95 قطعة اخرى. جرى الاتصال بـ (بوغدانو) وكان جَالسَاً في مقهى في (مانهاتن) في نيويورك في إجازة عندما جرى الحصول على قطعة أكدية عمرها 4,000 سنةً. تم استعادة مايقرب منً 101 قطعة من المسروقات الـ 3,138 قطعة التي سَرقتَ مِنْ المخازنِ، لكنه لا يزال هناك على الأقل 8,500 قطعة مفقودة، أهمّها لوحة اللبوة العاجية. وهناك أكثر من 2,000 قطعة استعيدت خلال مداهمات التفتيش.
يلخص (ماثيو بوغدانو) في كتابه (حرامية بغداد) انه لا يمكن التخيل بان المناطق التي خرقها السراق ودخولها مالم يكن هناك شخص ليس على معرفة مسبقة على ما في داخل المتحف, وقام المحقق بأخذ طبعات الأصابع لـ 23 من الموظفين في المتحف الذين رجعوا بعد الاحتلال والذين لهم معرفة وإذن بدخول غرف الخزن, ومنهم من لم يعد وهو جاسم محمد رئيس جهاز الأمن في المتحف. العقبة الكبرى في عملِ المحقّقين كَانتْ تلفَ سجلاتِ المتحفِ والتّمويلِ غير الكافيِ. والمخازن على سبيل المثال، إحتوت على آلافَ من الموادِ المُنَقَّبةِ وغير المسجلة أو مفردة بعد. في اجتماع للمعهد الامريكي للحفريات ذكروا ان مواضع الحفريات الاثرية ومحتويات المتحف في العراق لاتزال غير محمية ومعرضة لسرقات، وسارقي هذه الاثريات انما هم سراق محترفون متخصصون في سرقة العاديات الاثرية خاصة الغالية الاثمان. بلاء العراق الآن آت تواجد جيوش ووزارات دفاع متعددة وحكومات متعددة فذلك هو الانهيار العراقي الآن. 
 

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved