اهوار العراق "جنات عدن"

2016-04-05
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/372d8d8a-3f0a-4044-8831-1c0791a2364a.jpeg
منذ آلآف السنين، هذه القرون المغرقة في القدم، بقيت هذه الأهوار تعيش حياتها كسلسلة ممتدة لم يمسسها أحد، لكن الآن وتحت نظام صدام حسين، أصبح سكان الاهوار ومواطنهم يتخربون بشكلٍ منظم. إن طغيان السياسة الجديدة في العراق جعلها تغلق هذه المنطقة أمام الزوار، وربما ستجفف هذه الاهوار، وعندما يكون ذلك، فإن الحياة التي تسلسلت منذ آلآف السنين ستختفي." ( وبعد مدة قصيرة من تصريح ثيسنجر هذا، جفف نظام صدام تلك الاهوار الساحرة ودَََمَّرَ سكانها قتلاً وتشريداً وضاع سحرها وهاجر من تبقى من أهلها وهاجرت طيورها أسراباً )".  
                                                       هنري ثيسنجر الرحالة البريطاني في كتابه عرب الأهوار 
                                                       في طبعته الثالثة التي صدرت عام 1995
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/25d85a63-628a-4205-8378-9c696de6a25c.jpeg
 في عام 629 م طغى الرافدان وروافدهما طغيانا هائلا لم يسبق له مثيل وخربت مشاريع السدود ومشاريع الري الرئيسية التي اهملت لضعف الدولة الساسانية في اواخر ايام حكمها في النهروان وسد العُظَيمْ القديم، وكذلك سد ديالى القديم ومناطق اخرى.  وغيّر الرافدان مجريهما في مناطق عديدة في الوسط والجنوب، فانقلبت مناطق اقصى الجنوب الى اهوار واسعة تمتد كالبحر وصارت تعرف هذه الاهوار حينها بالبطائح وقد وصفها المؤرخون والبلدانيون العرب وصفا مسهبا وادخلوها على خرائطهم . 
فهي مجموعة المسطحات المائية التي تغطي الاراضي المنخفضة الواقعة في جنوبي السهل الرسوبي العراقي، وتكون على شكل مثلث تقع مدن العمارة والناصرية والبصرة على رؤوسه . وتتسع مساحة الاراضي المغطاة بالمياه وقت الفيضان في اواخر الشتاء وخلال الربيع وتتقلص ايام الصيهود .
واطلق العرب الاوائل على هذه المناطق اسم "البطائح"، جمع بطيحة، لأن المياه تبطحت فيها، اي سالت واتسعت في الأرض وكان ينبت فيها القصب .
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/1ffbf0ac-01ef-451b-8eb7-6b7959b0325b.jpeg
لقد اثبتت التحريات بان  اجزاءً كبيرة من اهوار محافظتي الناصرية وميسان كانت ارضا يابسة تستغل بالزراعة وكان هناك بعض المستنقعات الدائمية المحصورة وخاصة في محافظة ميسان.  والدليل على ذلك هو انتشار المواقع الاثرية فيها، ففي هور الحَمّْار الذي تقدر مساحته بمليون وثمانية واربعين الف دونم ثبتت 122 موقعا اثريا بين صغير وكبير، وتاريخ بعض المواقع يعود الى عصر فجر السلالات السومرية اي بحدود 2800-2350 ق. م.  وتتوزع هذه المواقع على المناطق التالية : الجبايش، الاصلاح، العكيكة، السديناوية، كرمة بني سعيد، وهذه المواقع اما كانت مغمورة بالهور واما يحيط بها الماء وذلك حسب ارتفاعها .
  اما في محافظة ميسان فهناك 48 موقعا اثريا مكشوفا يعود تاريخ اغلبها الى العصور الفرثية والساسانية وبعضها اقدم، حيث تعود الى الالف الاول ق. م، وتنتشر هذه المواقع في هور الحويزة، والوادية، والصحين، وبريدة. . وغيرها، وهي كالأهوار في الناصرية، اما كانت مغمورة في الهور واما محاطة بمائه . وهناك تجمعات سكانية حديثة أقيمت في الهور على التلال الاثرية، حيث ترى قطع الفخار وكسر الاجر القديمة منتشرة عليها كما في منطقة الجبايش .  ويذكر العاملون في حقل النفط في الاهوار ان مكائنهم كانت اثناء عملها تستخرج كسر الفخار من اعماق مختلفة، وقد  وردت معلومات في نص سومري يؤكد قيام السومريين بشق الجداول وكذلك استصلاح بعض الاراضي من الملوحة التي ظهرت بوادرها بحدود عام 2400 ق، م واستمرت زمنا طويلا بعد ذلك كما هو معروف في وسط العراق وجنوبيه .  كل ذلك يؤكد ان مناطق الاهوار كانت ارضا يابسة عاش عليها العراقيون وزاولوا نشاطاتهم الاقتصادية والاجتماعية وبنوا حضارتهم العتيدة كما في باقي اجزاء العراق ...
 //api.maakom.link/uploads/maakom/originals/bb184305-c3c0-4317-9263-625f694ad190.jpeg
لقد تعرضت هذه الأهوار التي حافظت على سحرها وعظمة بقاءها لآلاف السنين  للتجفيف في التسعينيات من القرن الماضي وتحديدا بعد انتفاضة عام 1991 أو ما يعرف بــالانتفاضة الشعبانية، عقابا لسكان الأهوار الذين قامو بأنتفاضة ضد الدكتاتور صدام حسين. ولم يتبقَ سوى 4% من اجمالي مساحتها بعد تجفيف 96% منها
لقد بدأ تجفيف أكثر من 90% من المساحة الأصلية للأهوار منذ عام 1970  بسبب إنشاء السدود في أعالي الأنهار وعمليات التجفيف الممنهج . ونتيجة لذلك أصبح جزء من هور الحويزة على الحدود مع إيران هو كل ما تبقي من الأهوار حتى عام 2000 . كما أن المجتمعات المحلية لم تسلم هي الأخرى من الضرر الذي نتج عن تخريب بيئة الأهوار، وبالإضافة إلى ذلك، تعرضت الكثير من مساكن وسبل عيش العرب الذين يقطنون الأهوار للتدمير في تسعينيات القرن الماضي، وذلك من خلال هجمات منظمة ضد مجتمعات الأهوار المحلية، مما أجبر غالبية سكانها على مغادرة المنطقة. وحسب التقديرات، فقد فر مايزيد عن 75,000 من عرب الأهوار إلى إيران بينما استقر نحو 100,000 منهم في أماكن أخرى من العراق.
 
 كانت الأهوار العراقية تشكل في السابق أكبر الأراضي الرطبة في جنوب شرق آسيا، حيث كانت تغطي أكثر من 20,000 كيلومتر مربع . وكانت تشكل بذلك نظاماً إيكولوجياً ( بيئياً ) ذا أهمية أساسية بالنسبة للبيئة الطبيعية والحياة البشرية في المنطقة إذ توفر منطقة وقاعدة أساسيتين للعيش ...
 
كانت الأهوار تمثل - بفضل احتوائها على تنوع بيولوجي وثراء ثقافي هائل- مستوطنة دائمة للعديد من أنواع الطيور ومكاناً تقصده الطيور المهاجرة ضمن أماكن هجرتها الموسمية . كما كانت توفر منطقة سكن لأسماك الخليج، التي تعيش في المياه العذبة. وتاريخياً، كان يتم تنقية المياه من المخلفات والمواد الملوثة في نهري دجلة والفرات عبر الأهوار، مما يحول دون تدهور ساحل الخليج .
 //api.maakom.link/uploads/maakom/originals/af16704a-1b6d-443d-84f4-da19d33d1168.jpeg
 تقع منطقة الاهوار بين دائرتي عرض 50 30ْ و50 32ْ شمالاً، وبين الحدود الايرانية من الشرق، وحافة الهضبة من الغرب
وتقسم جغرافيا الى مجموعتين:
مجموعة الاهوار الواقعة شرقي نهر دجلة واهمها الحويزة وتبلغ مساحتها داخل العراق نحو 2863 كيلومتراً مربعاً.
الاهوار الواقعة غربي دجلة واهمها هور الحَمّْار الذي تبلغ مساحته نحو 2441 كيلومتراً مربعاً .
اهوار الفرات التي تمتد من الخضر الى الكفل بين فرعي الفرات ( الحلة والهندية ). وتتألف من عدد من الاهوار الصغيرة 
لقد تراوحت تقديرات المساحة الإجمالية للاهوار بين 9000 و20000 كيلومتراً مربعاً، وتبلغ مساحتها بحسب تقديرات أخرى على اساس وحداتها الادارية الصغرى والبالغة 20 ناحية ضمن المحافظات الثلاث التي تقع فيها منطقة الاهوار وهي محافظات ( ميسان – ذي قار- البصرة ) التي تعتبر مراكز التوازن المكاني والسكاني فيها 
ويعيش سكان الأهوار في جزر صغيرة طبيعية أو مصنعة في الأهوار، ويستخدمون نوعا من الزوارق يسمى بالمشحوف في تنقلهم وترحالهم .
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/bead1ca0-5a7e-47aa-9bfe-437d901690cd.jpeg  
للأهوار تأثير إيجابي على البيئة فهي تعتبر مصدر جيد لتوفير الكثير من المواد الغذائية من الأسماك والطيور والمواد الزراعية التي تعتمد على وفرة وديمومة المياه مثل الرز وقصب السكر.
ويعتقد البعض أن المنطقة هي الموقع الذي يُطلق عليه العهد القديم "جنات عدن". وتشير الدراسات والبحوث التاريخية والأثرية إلى أن هذه المنطقة هي المكان الذي ظهرت فيه ملامح السومريين وحضاراتهم وتوضح ذلك الآثار والنقوش السومرية المكتشفة.
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/34a0dcd0-a508-4576-9a27-fd78b7db7446.jpeg

يعيش اهالي الاهوار، الذين يعود نسب اغلبهم الى الحضارة السومرية، في بيوت القصب والبردي المبنية فوق المسطحات المائية، وبيوت البردي ليست طراز سكن فحسب، إنما اسلوب معايشة مع البيئة وتطورات المناخ، ويشهد مؤلف كتاب "عرب الاهوار" الذي عاصر سكان المنطقة حياتياً، والذي يطلق عليهم تسمية "المعدان"، على وجود قنوات الري لغاية عهد الخمسينات من القرن العشرين مرصوفة بالواح خشبية، الأمر الذي يقود إلى إسلوب التعامل السومري مع البيئة وتدبير شؤون المياه في حالة إرتفاع منسوبها في نهري دجلة والفرات، إذ يساعد القصب الطيور في بناء أعشاشها بخلاف الأسمنت، وهكذا تكونت محميات طبيعية، من أشجار وطيور وأسماك، تعرضت إلى الفتك والتخريب، عندما قام نظام البعث بحرق الأهوار في نهاية الثمانينات. والآن تم تأهيل نصف مساحتها تقريباً. وقد حذرت منطمات البيئة الدولية والعراقية من التأهيل العشوائي لهذه المحميات الطبيعية، مطالبة استعمال المواد الطبيعية والناتجة من بيئة الأهوار، كالقصب والبردي، مشيرة إلى ضرر استعمال الطابوق أو الاسمنت في أعمال اعادة الترميم والتأهيل لهذه البيوت التي تعُد من التراث الانساني .
 
لقد وافقت منظمة أليونسكو على إعتبار تلك البيوت الخشبية المعلقة تراثاً إنسانياً استجابة لطلب سويسرا ونيابة عن ست دول أوربية. حيث توجد هذه المواقع في: فرنسا، المانيا، ايطاليا، سلوفينيا، النمسا وسويسرا، وعددها 111 موقعاً منها 59 في سويسرا. توجد صلات وشواهد ثقافية وبيئية كثيرة بين تراث هذه المواقع الأوربية وبين منطقة الأهوار العراقية، منها اللقى الأثرية، الأواني الخشبية والخزفية، المنسوجات، المجوهرات، تربية المواشي، الزراعة في فترة يكتنفها الكثير من الغموض أمام البحث العلمي، اضافة الى الزوارق، وسيلة التنقل حينذاك، ولا تزال مستعملة في أهوار العراق وبأنواع كثيرة ومختلفة. 




 


عالية كريم

رئيسة تحرير "معكم"

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved