جنكيز خان اعصار صعق التاريخ

2008-04-24

جنكيز خان ليس الوحيد ممن صعقوا التاريخ بسيوفهم ونبالهم، بالشراسة والوحشية فالتاريخ ملئ بهؤلاء لان مهنة الحرب كانت المهنة الاولى التي امتهنها الانسان مذ كان في الكهوف يدافع عن نفسه من الحيوانات الضوارس ويركض خلف الوحوش الضواري لاصطيادها موفرا الطعام الذي يحصل علية لسد جوعه وجوع عائلته.

ابتدات الانانية عندما قتل (قابيل) اخيه (هابيل) وعندما تطور الانسان في صنع السيوف البتارة والدروع والنبال والسهام دبت في نفسة المطامع فبدأ يقتل جاره الضعيف ويستولي على املاكه وزوجاته وبناته, وفي الحروب كانت المرأة دائما جزءاً من اسلاب الحروب. في تلك العصور لا يعيش فيها غير المحارب الشرس المعتدي وتلك سنة التاريخ عندما لايملك المقاتلون العتاة غير زعيم يملك قوة في العزيمة والطموح القاتل كـ (جنكيز خان) وهو ليس الوحيد في التاريخ في السبي والقتل واستباحة النساء حيث كن الغنيمة الاولى في التاريخ. كانت منغوليا ارض المقاتلين العتاة كما كان يحدث في الجزيرة العربية قديما العشيرة الكبيرة تستظعف القبيلة الصغيرة وتفرض عليها الاتاوات. كانت منغوليا التي عاش فيها المحاربون الاشداء القساة موطن (تيموجين بن يسوكاي بهادر) حيث ولد عام (1155)، كان والده رئيسًا لقبيلة (قيات)، وقد عُرف بالشدة والبأس شأنه شأن الرجال المغول؛ فكانت تخشاه القبائل الأخرى، وقد سمّى ابنه (تيموجين) تيمنًا بمولده يوم انتصاره على إحدى القبائل التي كان يتنازع معها، وتمكنه من القضاء على زعيمهم الذي كان يحمل اسم (تيموجين). ولم تطُل الحياة بأبيه؛ فقد مات عام (1167)، تاركًا حملا ثقيلا ومسؤولية جسيمة على (تيموجين) الابن الأكبر الذي كان غضا لم يتجاوز الثالثة عشرة من عمره، وما كان ليقوى على حمل تبعات قبيلة كبيرة مثل قبيلة (قيات)، فانفض عنه حلفاء أبيه، وانصرف عنه الأنصار والأتباع، واستغلت قبيلته صغر عمره فرفضت الدخول في طاعته، على الرغم من كونه الوريث الشرعي لرئاسة قبيلته، والتفَّت حول زعيم آخر، وفقدت أسرته الجاه والسلطان، وهامت العائلة في الأرض تعيش حياة قاسية، وتذوق مرارة الجوع والفقر والحرمان.

الا ان أم (تيموجين) الصلبة تولت امر جمع الأسرة المستضعفة ولم شعثها، فكانت تحث أبناءها الأربعة على الصبر والكفاح، وتفتح لهم باب الأمل، وتبث فيهم العزم والإصرار، حتى صاروا شبابًا أقوياء، خاصة (تيموجين) الذي ظهرت عليه أمارات القيادة، والنزوع إلى الرئاسة، والذي ساعده تمتعه ببنيان قوي جعله مصارعا اولا بين أقرانه. (تيموجين) بشجاعته المغولية التي ورثها استطاع المحافظة على مراعي أسرته فتحسنت أحوالهم، واستطاع بالقوة لم بعض القبائل حوله، ففرض عليهم القيادة والزعامة، كما إجبر المنشقين من الأتباع والأقارب العودة إلى قبيلتهم، فراح يصارع الرافضين للانضواء تحت قيادته، ثم حسم الامر بفرض الولاء له من قبيلته (قيات) وهو لم يبلغ العشرين من العمر بعد. وواصل (تيموجين) خطته في اجبار جيرانه بالولاء له. وفي النهاية فرض قوته على إقاليم عديدة من منغوليا، امتدت حتى صحراء جوبي، ومضارب عدد كبير من قبائل التتار، وكانت مرحلته الاخيرة عندما انقلب على حلفاء الأمس فجعلهم أعداءا خاصة رئيس قبيلة الكراييت، وكانت الغلبة لـ (تيموجين) باندحار (أونك خان) مما ركز نفوذه باحتكامه إلى السيف، وكان الظفر في صالح (تيموجين) عام (1203)، فاستولى على عاصمته (قره قورم) وجعلها قاعدة ملكه، وأصبح (تيموجين) بعد انتصاره أقوى شخصية مغولية، فنودي به (خاقانا)، واطلق على نفسه لقب (جنكيز خان) أي إمبراطور العالم. وخلال ثلاث سنوات وطد سلطانه، والسيطرة على المناطق التي يسكنها المغول، حتى تمكن من توحيد منغوليا بأكملها تحت سلطانه، وادخل تحت حكمه (الأويغوريون).

بعد أن استتب له الأمر اتجه إلى إصلاح الشئون الداخلية، اذ كانت له مزايا عالية في الحكم، فأنشأ مجلسًا للحكم عرف بـ (قوريلتاي) عام (1206) ضمنه دستورا (قانون الياسا) لتنظيم الحياة، بعد أن رأى أن الآداب والأعراف والتقاليد المغولية لا تفي بمتطلبات الدولة الجديدة، ولم تكن مدونة، فأعاد النظر في بعضها، وقبل بعضها الآخر، ورد ما رآه غير ملائم، وتناول الدستور أمورًا متعددة لتنظيم الحياة بالدولة الناشئة، وألزم أجهزة الدولة بتطبيق بنودها والعمل بموجبها، وشدد على معاقبة المخطئين فكانت فترة تثبيت له فكانت احلامه انشاء امبراطورية. طموح )جنكيز خان( العالي دفعة الى التصادم بإمبراطورية الصين العظيمة التي كانت تحت حكم أسرة (سونك)، وكانت الصين تحرض القبائل التركمانية والمغولية على التقاتل كي ينشغلوا بينهم فتأمن شرورهم، فقرر )جنكيز خان( ايقاف التحريضات الصينية في شئون القبائل المغولية، وكان يطمح بكنوز الصين فاشتبك معها لأول مرة عام (1211)، واستطاع دحر القوات الصينية واحتل البلاد الواقعة داخل سور الصين العظيم، فعين عليها حكامًا. ثم اعاد غزو الصين ثانية بعد أن حشد لذلك جموعًا هائلة عام (1213)، لكنه لم يحرز نصرًا حاسمًا، ثم جرت محاولة للصلح بين الطرفين، لكنها لم تفلح، فعاود جنكيز خان القتال، واستدار بجيشه الذي كان عائدًا إلى بلاده، واشتبك مع جحافل الصين التي لم تكن قد استعدت للقتال، وانتصر عليها في معركة فاصلة، سقطت على إثرها العاصمة بكين عام (1215) وكان سقوطها حدثا تاريخيا عظيما فأظهرت ما كان يتمتع به جنكيز خان من حنكة ومواهب سياسية وعسكرية خاصة في ميادين الحرب والقتال والكر والفر مما ايقظ الممالك الإسلامية في المنطقة. كان جنكيز خان يجلّ العلماء ويحترمهم ويلحقهم بحاشيته، وكان له مستشارون من الأمم التي اجتاحها من ذوي الخبرة، كان لهؤلاء أثر لا يُنكَر في تنظيم الدولة والنهوض بها والارتقاء بنواحيها الإدارية والحضارية. بعد أن فرغ جنكيز خان من حربه مع الصين اتجه ببصره إلى الغرب، وعزم على القضاء على أعدائه من قبائل النايمان والماركييت، كان (كوجلك خان بن تايانك) زعيم( النايمان) قد استطاع بالتعاون مع (السلطان محمد خوارزم شاه) سلطان الدولة الخوارزمية من اقتسام الدولة القراخطائية عام (1210)، وأقام دولة امتدت من بلاد التبت حتى حدود الدولة الخوارزمية، لكنه لم ينعم بما أقام وأنشأ، فأرسل إليه جنكيز خان جيشًا كبيرًا، يقوده أحد رجاله الأكفاء، تمكن من القضاء على (كوجلك) وجيشه عام (1218)، ثم أرسل ابنه (جوجي) لتعقب زعيم قبيلة المركيت، فتمكن من القضاء عليه وعلى أتباعه.


لم يكن جنكيز خان بعد أن اتسع سلطانه اذ كان يسعى للصدام مع (السلطان محمد بن خوارزم شاه) وكان يود إقامة علاقة طيبة، وإبرام معاهدات تجارية معه، فأرسل إليه ثلاثة من التجار المسلمين لهذا الغرض، فوافق السلطان محمد على ذلك، وتوجه عقب ذلك وفد تجاري كبير من المغول يبلغ نحو 450 تاجرًا، كانوا كلهم من المسلمين، يحملون أصنافًا مختلفة من البضائع، واتجهوا إلى مدينة (أترار)، الا ان حاكم المدينة (ينال خان) اتهمهم بالتجسس وهم يرتدون لباس التجار، وبعث إلى السلطان يخبره بذلك، فطلب مراقبتهم ليرى شأنهم، الا ان (ينال خان) قتلهم، وصادر اموالهم، بعض المؤرخين يقولون أن (السلطان محمد) امر بقتلهم. غضب (جنكيز خان)، واحتج على هذا العمل الطائش، وأرسل إلى السلطان محمد يطلب منه تسليم (ينال خان) ليعاقبه على جريمته، لكن السلطان رفض الطلب، ولم يكتفِ بذلك بل قتل الوفد الذي حمل الرسالة، قاطعًا كل أمل في التفاهم مع المغول، وكان ذلك في سنة (1218). استعد جنكيز خان لحملة كبيرة على الدولة الخوارزمية، وتحرك بجيش جرَّار إلى ما وراء النهر، فلما بلغها قسَم جيوشه عليها، فسيطرة على المدن الكبرى مثل (أترار) و (بخارى) و (سمرقند)، ولم يجد مقاومة او دفاعا ثم أحرق (جنكيز خان) بخارى بكاملها، واستباح الجامع الكبير، وقتل الآلاف من سكانها وواصل الزحف بجيوشه متعقبًا السلطان محمد الذي زلزل الخوف قلبه، وفقد القدرة على المقاومة والصمود، فظل ينتقل من بلد إلى آخر، حتى لجأ إلى إحدى الجزر الصغيرة، في بحر قزوين، حيث اشتد به المرض، وقضى نحبه عام (1220). تحمل (جلال الدين بن خوارزم شاه) لواء المقاومة فنجح وألحق الهزيمة بالمغول في معركة (براون) عام (1221) لكن سرعان ما نشب خلاف بين قادة جيوش جلال الدين، فانهار حلم الدفاع، وتهاوى جلال الدين أمام جحافل المغول، وتوالت الهزائم فاضطر جلال الدين الانسحاب والفرار إلى الهند. وعندما اطمأن (جنكيز خان) إلى ما حقق عاد إلى منغوليا لإخماد ثورة قامت ضده هناك، وتمكن من إخمادها. اقام (جنكيز خان) امبراطورية مترامية الأطراف مرهوبة الجانب، ووافاه القدر في مدينة (تس جو) في 1227، ودُفن في منغوليا، وخلفه على الإمبراطورية ابنه (أوكتاي). بلغت الامبراطورية المنغولية في عهد (جنكيز خان)، الصين وروسيا وفارس والشرق الأوسط وشرق أوروبا. خلف (جنكيز خان) أبناء حكموا إمبراطوريـةً امتدَّت من أوكرانيا إلى كوريا. وأسّس أحفاده سلالات ملكية في الصين، وبلاد فارس وروسيا، ومن سلالات أحفاده ملوك حكموا في آسيا الوسطى لقرون عدة وخلف (تيمورلنك) و (هولاكو) الذين كسروا اطواق ابواب بغداد واستباحوها.


توما شماني - تورونتو عضو اتحاد المؤرخين العرب

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved