جواسيس عرفتْهم دوريس لسنج

2017-06-01
 دوريس لَسِنج Doris Lessing 
1919-2013
حازت على جائزة نوبل فى الأدب، العامَ 2007.
بعد رحيلِها، تردّدّ فى الصحافة البريطانيّة، أن أجهزة الأمن، وجواسيسَها، ظلّوا يراقبون السيّدةَ، مدةَ عشرين عاماً، بلا مللٍ، أو كللٍ !
السبب :
أيّامَ روديسيا ( زمبابوى الآن )، حيث مقامُها هناك، كانت عضواً فى الحزب الشيوعيّ.
على أيّ حالٍ، تركت دوريس لسنج روديسيا، وأقامت فى لندن، حيث كتبتْ وأبدعتْ.
فى أواسط الخمسينيّات، وبعد أحداث بودابست، تركت دوريس لسنج، الحزبَ الشيوعيّ البريطانيّ، لكن أجهزة الأمن لم تكفّ عن مراقبتِها، حتى رحيلِها فى العام 2013 !
*
من المستظرَفِ أن يتابعَ امرؤٌ، قارئ، مثلى، الوطأة  الثقيلة للجاسوسيّة، لدى الكاتبة.
نحن، كلانا، طريدا أجهزة الأمن، فى أرض الله غيرِ الواسعة !
*
تقول دوريس لسنج عن روديسيا :
كان ذلك، والحربُ العالمية الثانية فى منتصفِها. كان هناك عشرون شخصاً يديرون عشرَ منظماتٍ ذوات اتجاهٍ يساريّ.
البلدة، مع أنها عاصمةٌ، ما زالت فى وضعٍ “ يعرفُ فيه كلُّ شخصٍ، كلَّ شخصٍ “.
عديدُ البِيض عشرة آلاف. أمّا السود فلا يُعرَف عديدُهم إلا تخميناً.
هناك مكتب بريد مركزيّ، فى مبنى أنيقٍ حقّاً.
وأحدُ العاملين فى فرْزِ البريدِ كان يحضر اجتماعات نادى اليسار.
هذا الرجل شرحَ لنا نظام الرقابة الذى يمارسه البوليس السرّيّ.
كل البريد الوارد إلى تلك المنظمات اليسارية العشر، يوضَع فى صندوق مركزيّ عليه علامة 
( رقيب )، ثم يتولّى قراءته، مواطنون موثوقٌ بهم، آنَ أوقات فراغهم .
طيلةَ الحرب ظلّ هذا الترتيب قائماً . ورفيقنا فى مكتب البريد ( الآن عدة رجال )، وإنْ لم يبدُ هذا جيداً، ظلَّ يُعْلِمُنا بما هو ممنوعٌ، أو مَن هو ممنوعٌ، فى القائمة السوداء.
فإنْ تأخّرَ بريدُنا، أكثر ممّا يلزم، بسبب عطلة الرقباء، أو كسلِهم، لجأَ رفيقُنا إلى حثّ المسؤولين على التعجيل.
*
الجاسوس الثانى الذى التقته دوريس لسنج، كان مكلّفاً بالتنصّتِ على هواتفِ الشيوعيّين.
هذا الرجل ذهب إلى سكرتير منظمة الحزب الشيوعيّ، يسأله المشورةَ .
قال له سكرتير المنظمة : ابقَ فى موضعكَ !
وفى أسطنبول، تروى لسنج عن شيوعيّ بريطانيّ اتصلَ به رئيس دائرة تجسّس بريطانيّة لتجنيده فى دائرته. قال الشيوعيّ : لكنى شيوعيّ .
أجابه الآخر : وماذا فى ذلك ؟ أنت تخدم وطنك، ونحن فى حالة حرب .
فكّر الرجل، ثم استجاب . هكذا ارتبط بالدائرة ليتجسّس على البحرية البريطانية .
ثم التقى بعد فترة برجل بريطانيّ فى اسطنبول، وانعقدت بينهما صداقة . قال هذا الرجل: أنا مكلَّفٌ بالتجسّسِ عليك !
بعد أن عرفتْ الدائرة بصداقتهما، طردتْهما كليهما...
*
لستُ أدرى، إنْ كان هذا الهاجس المبكرُ، حول الجواسيس، نبوءةً !
دوريس لسنج، حتى بعد عشرين عاماً من تركِها الحزبَ الشيوعيّ البريطانيّ، ظلّتْ متبوعةً بالكلاب، 
وإن نالت جائزة نوبل فى الأدب .

هويّتُها عند أولئك: تلك السيدة ذات النوبل!

لندن 13.12.2015




سعدي يوسف

 شاعر عراقي وكاتب ومُترجم، وُلد في ابي الخصيب، بالبصرة عام 1934. اكمل دراسته الثانوية في البصرة. ليسانس شرف في آداب العربية. عمل في التدريس والصحافة الثقافية . غادر العراق في السبعينيات وحاليا يقيم في لندن ونال جوائز في الشعر: جائزة سلطان بن علي العويس، والتي سحبت منه لاحقا، والجائزة الإيطالية العالمية، وجائزة كافافي من الجمعية الهلّينية. في العام 2005 نال جائزة فيرونيا الإيطالية لأفضل مؤلفٍ أجنبيّ. في العام 2008 حصل على جائزة المتروبولس في مونتريال في كندا . وعلى جائزة الأركانة المغربية لاحقاً

عمل كعضو هيئة تحرير "الثقافة الجديدة".

عضو الهيئة الاستشارية لمجلة نادي القلم الدولي PEN International Magazine

عضو هيئة تحرير مساهم في مجلة بانيبال للأدب العربي الحديث .

مقيم في المملكة المتحدة منذ 1999.

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved