في تموز/ يوليو من عام 1894 عثرت المنظفة في السفارة الألمانية في باريس، ماري باستيان، على وثيقة هامة مرمية في سلة مهملات الملحق العسكري، الذي كان قد حصل بطرق غامضة من الأركان العامة في باريس على وثيقة سرية للغاية، تتضمن معلومات عن مخططات فرنسية لغزو مدغشقر وتطوير أسلحة فرنسية جديدة. لكن لسوء حظ الألمان كانت المنظفة جاسوسة لحساب جهاز المخابرات الفرنسي، فأسرعت الى تسليم الوثيقة الى رئيسها.
حينها دب الذعر في صفوف الأركان العامة وبدأ البحث عن الخائن في صفوفهم، وسرعان ما وقع الشك على الضابط اليهودي الوحيد، ألفرد درايفوس، وبالتالي على شخص بريء. وهكذا بقي الخائن الفعلي، فرديناند والسين إيسترهازي حراً طليقاً سنوات عديدة من دون أن يكشف أحد أمره. لكن المؤلف لويس بيجلي يفتح في كتابه من جديد ملف هذه القضية الشهيرة عن محاكمة ألفريد درايفوس.
السجن في جزيرة الشيطان
يعد أي بيجلي من الكتاب المؤهلين للقيام بذلك على أفضل وجه، فقد درس القانون في جامعة هارفارد، وأشرف عشرات السنين على أحد أشهر مكاتب المحاماة في نيويورك. عن هذا يقول بيجلي: "كان درايفوس الضحية المثالية، فقد كان يهودياً، ولا يعتبر فرنسياً حقاً في نظر هيئة الأركان العامة الفرنسية، التي كانت تتألف بالكامل تقريباً من معادي السامية، ولهذا السبب لم يكن بمقدور درايفوس في نظر هذه الهيئة تلويث سمعة الجيش الفرنسي بالشكل، الذي كان يمكن ان يحدث في حال اكتشاف أن الخائن
وهكذا واستناداً الى أدلة وبراهين مزورة حكم على درايفوس بالسجن المؤبد فيما يسمى بـ "جزيرة الشياطين"، التي كانت في السابق مستعمرة فرنسية قبالة سواحل غينيا. وفي تلك الجزيرة الصخرية، التي لا تتجاوز مساحتها كيلومتراً مربعاً ونصف وشحيحة المياه، كان درايفوس معزولاً تماماً عن العالم الخارجي. وحال وصوله إلى الجزيرة النائية أُصيب السجين الوحيد بمرض الملاريا ووقع ضحية تعذيب جحافل النمل وعنكبوت البحر وحشرات أخرى. ويصف الكاتب لويس بيجلي تلك العقوبة بالقول: "كانت أوضاع السجن رهيبة. السجن الإنفرادي هو عقوبة فظيعة، إنها إحدى أفدح العقوبات. تلك العقوبة التي تحملها درايفوس خمس سنوات. وكان محكوماً عليه بالصمت، ومحظوراً على الحراس أن يتحدثوا معه.
سرد باثارة سياسية
ويكتسب السرد إثارة سياسية آنية من خلال إجراء مقارنة مع أبو غريب وغوانتانامو، وكما يقول لويس بيجلي إن التشابه بين جزيرة الشيطان وغوانتانامو أكبر مما قد يتجلى من النظرة الأولى. ويضيف لويس بيجلي بالقول: "إن التشابه الواضح للعيان هو أن معتقلي غوانتانامو يعاملون معاملة شبيهة بمعاملة درايفوس. أما الشبه الثاني إن المعتقلين مسجونون بطريقة غير قانونية، فإدارة بوش تجاهلت الالتزامات الدولية وتجاهلت قبل كل شيء القوانين الأمريكية، التي تحرم التعذيب".
ومن خلال أمثلة جلية يوضح كتاب لويس بيجلي العواقب الوخيمة لمشاعر حب الانتقام والكراهية النابعة عن أحكام مسبقة في مجتمعات تعتبر ديمقراطية، فالآليات هي نفسها على الدوام. وتتمثل هذه الآليات في كون التصورات العنصرية التقليدية تؤدي الى تحميل أبرياء الذنب وجعلهم كبش فداء، وعلى صعيد العدالة تؤدي الى "التحيز العرقي" والتلاعب بالأدلة. وتكثر الحالات التي يزج فيها أبرياء خلف القضبان . لقد كتب لويس بيجلي كتاباً يوقظ الأحاسيس حول موضوع راهن الى أبعد الحدود.