المبدع الراحل خالد الجادر (1924 - 1988)، ليس فناناً تشكيلياً رائداً فحسب، وانما هو انسان بمعنى الكلمة، وثائر حمل هموم الآخرين وتلك حقائق نلمسها في السطور الآتية .
ولد الجادر في مدينة بغداد عام 1924  ، وتوفي في الغربة، لكنه دفن في مقبرة العائلة ببغداد .

خ

لقد شغف بحب الرسم منذ طفولته، فتعلم منذ صغره اقتناء دفاتر الرسم ليصور مواضيع مختلفة، بل حتى كتبه لم تسلم من تخطيطاته ورسوماته، واستمر على هذا الحال حتى أنهى دراسته الإبتدائية والمتوسطة ومن ثم تخرج في الإعدادية المركزية في بغداد .
وكان إضافة إلى حبه للرسم نشيطاً وذا تطلعات أدبية وثورية مبكرة، فقد شارك في تظاهرات الفتوة والجوالة من أجل سوريا وفلسطين في 30 آذار 1939، وترأس في صباه جمعية (الضاد القومية)، التي تألفت سنة 1935، بالرغم من صغر سنه، وفي العام التالي، عمل بمجلة خطية بعنوان (النبع)، التي أصدرها الأديب أحمد حسين المهداوي في متوسطة الشرقية للبنين، وكانت ترسل منها نسخة إلى وزارة المعارف، وفيها بدأ رسوماته بالحبر الصيني والقصبة والرسم على الورق المعشر . 
مهدت هوايته الطريق أمامه لدخول معهد الفنون الجميلة وفهم من خلال دراسته فيه أن الرسم فن قائم على التقليد والمحاكاة . وتحقيقا لرغبة والدته دخل كلية الحقوق ولجأ إلى الحيلة كي يكمل طريق الرسم . فكان في الصباح حين يخرج يحمل بيده حقيبة كبيرة أشبه بحقائب المحامين ليوهم بها والدته، فتظن أنه ذاهب لأحدى المحاكم، في حين أنه كان يذهب للمدرسة التي عين بها معلماً للرسم  .
إنه دائم المشاركة في معارض بغداد،  وخاصة معارض جمعية أصدقاء الفن السنوية والمعرض السنوي للرسم والنحت التي كانت تقام برعاية الوصي وعدد من الوزراء ووكيل رئيس الديوان الملكي وغيرهم من المسؤولين . وقد دأب على المشاركة في المعارض وخاصة تلك المقامة في الكليات وقد حاز على المركز الأول في معظمها، كما شارك في المعرض الفني الأول الذي أقيم في القاهرة عام 1947 وفي معارض أُخرى في عواصم عربية وأوروبية عديدة، غير أن العام  1947 كان حافلاً  بالنسبة له، فبالإضافة إلى المعارض التي شارك فيها  خلال العام المذكور، تخرج في كلية الحقوق في بغداد وعين مدرساً للرسم في ثانوية الأعظمية، إلى جانب ممارسته أعمال المحاماة حتى النصف الأول من عام 1948، كما تقرر ضمه إلى عضوية البعثة العلمية للتخصص في موضوع الرسم في باريس، وعن ذلك يقول : “في باريس كنت متأثراً ببعض أساتذتي وبعض فناني المدرسة الإنطباعية الحديثة وكان هذا التأثر مختلطاً بإعجابي وإكباري لما أنتجه الرسامون العظام . وبدأت بعد عودتي إلى بغداد أبحث عن نفسي، وظل هذا هاجسي الدائم”، مشيراً إلى أنه تأثر في بداية دراسته في معهد الفنون الجميلة بأستاذه فائق حسن .
حصل على شهادة الدكتوراه عام 1954، عن اطروحته الموسومة “المخطوطات العراقية المصورة في حقبة القرون الوسطى، والمحفوظة في المكتبة الوطنية بباريس”، وقد أشار إلى أن أقدم هذه المخطوطات تعود إلى تاريخ 1199م  وتحمل رقم 2964 في المكتبة الوطنية بباريس - القسم العربي . وقد تطرق إلى الغزو المغولي في نهاية دراسته، فوجد أن أفضل مجموعات المخطوطات المصورة التي تعود لهذه المرحلة، محفوظة في المكتبة الوطنية في باريس، والبقية موزعة في متاحف فيينا واسطنبول ولندن والقاهرة ولينيغراد .
وقد بحث في رسالته مشكلة تحريم الأشكال المصورة في التشريع الإسلامي ومشكلة تحرج رسم الأشخاص الذي كان ذا تأثير كبير على تطور فن رسم الأشكال والأشخاص ونمو الفن الزخرفي، واستمرار ذلك حتى التاريخ المعاصر . وقد أورد بعض الأدلة التي تشير إلى عدم وجود تحريم للتصوير في التشريع الإسلامي، مشيراً إلى اكتشاف محراب من العصر العباسي في بغداد وهو مشغول من الحجر وعلى جوانبه منحوتات بارزة تمثل محاربين يحمل كل منهم سيفاً، ويعد هذا برهاناً جديداً إلى جانب البراهين العديدة التي جاء بها علماء ومتخصصون من الذين انكبوا على دراسة مشكلة تحرج التصوير في الإسلام .
وعن أسباب دراسته لهذه الحقبة من تاريخ الفن العراقي، قال الجادر في مقابلة صحفية :
“أقدمت على دراسة هذه الحقبة من تاريخ الفن في العراق بدافع من كونها حقبة لم يدرسها عراقي من قبل، ولأنها تتعلق بإنتاج فني يعتبر، من وجهة نظر أكثر مؤرخي الفن، في طليعة فنون تصوير الكتاب في العصور الإسلامية الوسطى .  إضافة إلى هذا، هنالك أسباب أخر هي أن مكتبات العراق ومتاحفه ومجاميعه الشخصية لا تملك صورة واحدة من مدرسة نشأت وكبرت واستقامت، مكونة أساسها ومعالمها بالرغم من وجود آراء وبحوث تفرق وتميز بين مدرستين مدعية بأن مدرسة الموصل وأعالي سورية تختلف عن مدرسة بغداد في بعض الصفات والخطوط” .
وبعد عودته إلى الوطن،عين مدرساً في كلية الملكة عالية، ثم أقام في عام 1954 معرضاً مستقلاً لدار المعلمين العالية، بناءً على طلب من عميد كلية الآداب والعلوم . وقد ضم أول معرض شخصي له مائة وستاً وعشرين عملاً فنياً، عرضت على قاعة معهد الفنون الجميلة في بغداد عام 1955، ومعظم هذه المجموعات من مشاهداته في فرنسا حيث أقام لخمس سنوات تقريباً، وكان بينها لوحات تصور عالم الريف والطبيعة ومواقع تاريخية وأثرية ومواضيع مختلفة أخر، منها عازف القيثارة والرداء الأصفر والغجرية والقارئة وغيرها من المواضيع التي كانت تعكس نضوجه الفكري والفني . وقد بدا واضحاً أن الإنسان فيه لم يبارح همومه الإنسانية والوطنية بالمقدار الذي يتمازج ويرتبط فكره السياسي والإجتماعي مع همومه الجمالية والفنية .
عن موقفه من عصره ومجتمعه، قال الجادر ذات مرة :
“إنني أحد شواهد العصر، أراقب ما موجود حولي من طبيعة وبيئة وشواهد، كما إنني كثير السفر وتستهويني المشاهد الريفية والآثار وقد نقلت الآثار المعروفة بشكل تعبيري وأتأمل الخط واللون والإنشاء التصويري فأحرص على إدخال الفكر إلى المشهد أيضاً، وإن لوحاتي لا تنتمي إلى المدرسة الإنطباعية وإنما هي نظرة  تعبيرية . إنها مدرسة خاصة بي فلي أسلوبي، صحيح إني كنت في حقبة ما متأثراً ببعض الفنانين لكني الآن لي طابعي الخاص .
وهنا لابد من الإشارة باعتزاز إلى إنني متأثر بالفنان الأستاذ فائق حسن فهو أعظم من أثر في حياتي فنياً” .
إشارات :

أفادت مجلة (اقرأ) التي تصدر في الرباط، بأنه رسم ما يقرب من خمسمائة لوحة أثناء أقامته في المغرب، وخلال سنوات ثلاث . وعن معرضه الأخير في الرباط ، قال : “ استقطبَ المعرض جمهوراً غفيراً يلفت الإنتباه ، وقد قالت سيدة مغربية أن “الإعجاب لا يمكن أن نعبر عنه بالكلمات أحياناً”، فيما قالت مجموعة من طالبات السنة الخامسة للصف التشكيلي “ لقد راقنا معرضك بلوحاته الفنية الرائعة التي أثارت إعجابنا” .
ويتساءل المحامي كاظم المعلة “ أي فرق بين موناليزا  يرسمها خالد الجادر وبين الموناليزا الحقيقية” ؟
في الثاني من  كانون الأول 1988، توقف قلب الجادر في المملكة العربية السعودية،  ليغمض عينيه بعيداً عن وطنه، وبعد ثلاثة أيام كان جسده الطاهر، يرقد في مدفن العائلة  .


1989