دأبت الحكمة الاجتماعية الممتدة عبر الأجيال لتشجيع كسر ضلوع البنات باعتبارها مثل رأس الهيدرا التي يصارعها هرقل في أفلام الرسوم المتحركة، تنمو من حيث انقطعت بلا خسارة حقيقية، حتى بعد أن أثبت العلم والطب أن موضوع كسر الضلوع ليس في الحقيقة بتلك السهولة .
من شرق العالم العربي لغربه، تعكس الأمثال الشعبية والكثير من العبارات الدارجة قبولاً مجتمعياً مقلقاً للعنف ضد النساء والفتيات . فمن كسر الضلوع لـ"ضرب الحبيب"، للتبريرات الجاهزة لمختلف أنواع العنف والتي تدور حول الخوف من "الفضيحة" أو دور "الست الأصيلة" أو الخوف من اللوم الذي تتعرض له الكثير من الناجيات من العنف، نرسل رسائل لا تنقطع للنساء أن عليهن التحمل والاستمرار في علاقات مؤذية أو السكوت عن تجاوزات لا يستهان بها في الشارع أو أماكن العمل أو البيوت .
يغفل قائلو تلك العبارات -رجالاً ونساءً على حد سواء- الخطر الذي يترتب على الصمت عن العنف، فمن بين كل 10 ضحايا لجرائم القتل من النساء، 4 يقتلهن شريك الحياة ويرتفع الرقم ليقترب من النصف بحساب جرائم القتل ضد النساء التي يرتكبها أفراد آخرون من العائلة . ففي عام 2012، نصف ضحايا جرائم القتل من النساء في العالم قتلهن أقرب الأقرباء من أسرهن أو شركاء حياتهن . عندما يقوم المجتمع بلوم وتخويف الناجيات بدلاً من دعمهن، تقرر امرأة ما السكوت لتنتهي حياتها على يد هؤلاء ممن يتوجب عليهم حمايتها .
قد يهمك أيضاً.. حقائق صادمة قد لا تعرفها.. هذه كلفة حالات الاغتصاب
كما يغفل رواد مدرسة "كسر الضلوع" أن مرتكبي بعض أنواع العنف لا يتوقفون بعد المرة الأولى، أو الثانية، أو الثالثة حتى . المغتصب الذي لا يجد عقاباً علي فعلته، قد يغتصب مرة ثانية وثالثة وعاشرة . والمتحرش الذي لا يجد رادعاً لفعلته، لا يجد ضيراً في تكرارها .
يغفل مفهوم نمو الضلوع من جديد أيضاً أن المرأة لم تكن يوماً المتضرر الوحيد من العنف القائم ضدها . هناك خسارة للجميع، وخسارة فادحة . أثبت التاريخ لنا مراراَ أن تجاهل حقوق البعض يؤذي الجميع . يتربى الأطفال في جو يسمح بتعنيف الفتيات والنساء، فيكبر الأولاد ليصيروا رجالاً أكثر استعداداً لتعنيف النساء في مجتمعاتهم، وتكبر الفتيات ليصبحن نساءً أكثر تقبلاً للعنف الذي قد يقع عليهن من أزواجهن أو من الغرباء. تتحمل النساء التحرش، ويصمتن أحياناً على ما هو أسوأ، فيصبحن أكثر عرضةً للأمراض النفسية والعضوية وأقل قدرةً علي المساهمة الاقتصادية والاجتماعية في بلادهن . نصمت جميعاً عن العنف فنسمح لمرتكبيه بالتمادي لنتحمل تكاليفاً طبية وقضائية وتكاليفاَ ناتجة عن نقص إنتاجية النساء المعنفات، وتتزايد تلك التكلفة لتمثل 1-2% من الناتج الإجمالي المحلي للدول طبقاً لأكثر التقديرات تحفظاً مما يصل لملايين الدولارات سنوياَ وهي التكلفة التي يتحملها كل المواطنين، رجالاً ونساءً، من مرتكبي العنف والمتعرضات له على حد سواء. كسر ضلوع النساء في الحقيقة يكسر ظهور الجميع !
عندما يتفشي العنف للدرجة التي تسمح لأن يصل لخطر القتل أحياناً، أو الإتجار في البشر والذي تثبت الإحصائيات المعروفة أن 70% من ضحاياه من النساء والفتيات، أو زواج الأطفال الذي بلغت نسبته المعروفة في عالمنا العربي طبقاً للبيانات المتوفرة 14%، أو الختان الذي لازالت تعاني منه 700 مليون امرأة على مستوي العالم يتركز معظمهن في أفريقيا والشرق الأوسط، لا يمكن أن نقبل أن 6 من كل 10 ناجيات من العنف يخترن الصمت عن طلب أي نوع من أنواع الدعم أو الحماية حتي ولو على سبيل "الفضفضة" مع الأهل والأصدقاء .
كذلك.. ضربة قاضية من سيدة مغربية لرجل تحرّش بها في سوق شعبي
السماح لهذه الظاهرة أن تستمر هو تجاهل لحقيقة أن المرأة شخص، إنسان كامل الأهلية وله كامل الحق في الحياة الكريمة والتي لا تتضمن بأي حال من الأحوال إحتمال الصفعات أو تقبل لمسات الغرباء، لا لسبب إلا لأن لها تركيباً تشريحياً يختلف عن الرجل . فينسي البعض أحياناً أن المساواة ليست رفاهية زائدة يمكن تأجيلها لما بعد الاستقرار الاقتصادي أو السياسي، أو لما بعد انتهاء النزاعات، بل هي حق لا جدال فيه، والحقوق لا تنتظر ولا تخضع للمساومة ولا تتجزّأ .
وبينما يقع على عاتق الحكومات إصلاح القوانين وتفعيلها لردع مرتكبي العنف وتحقيق العدالة للناجيات بالإضافة لتوفير سبل الدعم والحماية ورفع الوعي، ويقع على عاتق المنظمات الدولية ومنها هيئة الأمم المتحدة للمرأة ومنظمات المجتمع المدني دعم الحكومات لتحقيق تلك الأهداف، يتبقي جزء كبير من المسئولية في أيدى الرجال والنساء في كل بقعة من عالمنا العربي .
لا تصدروا الأحكام على الناجيات من العنف، لا تكرروا التبريرات الدارجة لإحباطهن، ساعدوهن في الإبلاغ عن العنف وفي تلقي الرعاية الطبية والنفسية التي يحتجنها، وتوقفوا عن ترديد عبارات التهديد والتخويف من "الفضيحة"، فالفضيحة الحقيقية هي اضطرار أي انسان لأن يحيا منقوص الكرامة بمباركة الجميع .