الكتاب هو سيرة ذاتية ينقلنا خلالهاالكاتب الى النشاط الفني الذي تخلل حياته الحافلة بالعطاء العلمي بوصفه واحداً من أمهر الجراحين العراقيين، والنشاط الثقافي بصفته شاهداً على مرحلة تأسيسية مهمة كان مشاركاً فيها .
بأسلوبٍ شيق وحيوي، ينقلنا الكاتب خلال مائة وثمانية وثمانين صفحة الى اجواء بغداد في النصف الأول من القرن العشرين، ويعرفنا باشخاص كانوا يسعون بكل نكران ذات، لبناء بلد متقدم مستقر، حيث كانت الرواط الإنسانية متينة، والإندفاع نحو المعرفة هو هاجس المثقف المبدع، وبروح مسكونة باللوعة والأسى على وطن يتفتت، وتراث ينهب، ودماء تسيل، يغوص في مذكراته الى اعماق الذاكرة، محاولاً استرجاع بعضاً من وقائع عاشها، قد تتعرض للنسيان، وبذا يمسك بخيوطها مستعيداً ملامح الأحداث التي كان جزءاً منها، لقد جعل كل فرد فيها بطلاً من ابطال هذه المذكرات، والوطن هو الذات المهيمنة الطاغية على كل شئ .
انه اعاد الحياة لأشخاص لايعرفهم سوى القليل من المحيطين بهم، ووضع هالة فوق رؤوس الذين بذلوا حياتهم من أجل رقع مكانة الفن والفنانين في المجتمع، الرواد الذين دأبوا على الإرتقاء بالفن العراقي وإعطائه تلك المكانة المتميزة، والذين رسخّوا الأسس العريقة التي ما تزال الأجيال تتوارثها على الرغم من قسوة الأوضاع التي تعاقبت .
يتناول الدكتور خالد القصاب في كتابه هذا نشأة فنون الرسم والنحت والحرف وتطورها، كما تَحدث فيه عن العمارة والعلاقة الوثيقة التي ربطت بين الفنانين والمعماريين، وكذلك نتعرف من خلال مذكراته هذه على المشاريع العمرانية، ودور النخبة المثقفة في الدعوة لإحياء التراث والمحافظة عليه، جاعلاً من الأحداث السياسية خلفية ملازمة لهذا التطور، وبذا فإن كتابه هذا هو صورة متكاملة لحقبة من تاريخ العراق الحديث، وترجمة دقيقة لأحداث امتدت منذ ولادته وحتى مماته عام 2003م