كثيراً عن بني اللقيطةِ

2017-07-06
كتبتُ 

لو كنتُ من مازنٍ لم يستبحْ إبِلي  بنو اللقيطة من ذُهْلِ بنِ شيبانا
إذاً لَقام بنصري معشرٌ خُشُنٌ       عند الكريهةِ إنْ ذو ُلوثةٍ لانا
أُنَيف بن قرَيط
سعدي يوسف
العالَم الواســعُ ، متّسـِـعٌ أرحبَ فأرحبَ، مع الأيام . وبنو الإنسانِ  يبتدعون ويبدعون. الليلُ معاشٌ كالنهار
ومضطرَبُ خُطاً وإيقاعاتٍ  . الكنائسُ تُغلِق أبوابَها، لـنُدرةِ الـمُـصَـلّين، وتتحول إلى صالات فنٍّ  ومَقاصف .
والبرامج التعليمية تتفتّح أكثر فأكثر  ( حذفوا  هنا تشرشل، وأدخلوا أوسكار وايلد ) . والفتيات والفتيان يستقلون مجاناً الحافلاتِ العامة  . أمسِ عرفتُ نتيجةَ تحليلِ دمي . قالت لي الطبيبةُ : رائعٌ  ! سألتُها : والكبِد ؟ أجابت : رائع !
( في معلوماتها المدوّنة عني أنني أشرب النبيذ الأحمر ) . تأكدتُ أن النبيذ الأحمر  نافعٌ للصحة . سأذهب إلى المخزن 
الكبير لأشتري ستّ زجاجاتٍ لهنّ هديرٌ من النبيذ الفرنسيّ الفاخر . الموسيقى المستمرّة لديّ أربعاً وعشرين ساعةً تُحَصِّـنُني ضد الفجاجةِ والقبح والدمدمة والضجيج . رحلتي،  مع صـــديقتي، التي استمرّت أربعين يوماً، بين جنوبيّ فرنسا ونيويورك ، والــتي أطللتُ فيها على مَشاهدَ  ومرافيء، بينها مرفأ صيد الحيتان في نانتاكيت، هذه الرحلة التي انتهت قبل أربعة أيامٍ، جاءتني بثلاثٍ وعشرين قصيدة، جمعتُها تحت عنوان " قصائد نيويورك " ، مثل ما جمعتُ " قصائد باريس " يوماً ما . ثيابي شرعتْ تميل، أكثرَ فأكثرَ، إلى دواعي النزهة والـيُسـر ِوالتريُّضِ .
مضى، إلى غيرِ رجعةٍ، القميصُ ذو الياقة، وربطةُ العنقِ صار لها مرأى أنشوطة الشنق . الحياةُ طليقةٌ . أنا ابنُ شارعٍ .
أمسِ، فقط، أرسلتُ إلى سوسن بشير، بالقاهرة، مخطوطة ديواني الجديد  " أغنية صيّاد السمك وقصائد نيويورك "
لـيُنشـَرَ في " آفاق "  . وكنتُ كتبتُ إلى إلهـام ممدوح عـدوان راغباً في إصدار الديوان نفسـه، ضمن منشورات" دار ممدوح عدوان "،  في طبعةٍ سوريّـة متزامنة مع الطبعة المصرية .
 قررتُ أن أصدرَ  كل عامٍ  ديواناً  في الأقل ... لِــمَ لا ؟ أنا محترِفُ كتابةٍ . وليس لديّ من وقتٍ أضيّـعُه . والـمُضِــيُّ في درب الفن الطويل يحتاج إلى أكثرَ من حياة !
 أعتقدُ أن ديواني الجديدَ سيجعل عديدَ دواويني، من ألفاظِ العقود : سيكون لي أربعون ...
*
سألَــني أكثرُ من صديقٍ :
كأنك انقطعتَ عن الكتابة في الشأن العراقيّ !
واقعُ الأمرِ أنني انقطعتُ، ولم أنقطِع .
العراقُ، لديّ، ليس خبراً يومياً، أو متابعةً لوحلِ السياسة الراهنة .
إنه تكوينٌ في الروحِ، ومُكَـوِّنٌ لها .
النصّ الفنيّ، بذاته، يعني أن العراق قائمٌ وفعّالٌ .
من هنا أقول إنني لم أنقطع .
*
ويعود الصديق إلى تساؤلِــه :
لم تعُدْ تكتب مقالات سياسية !
أقول لهذا الصديقِ :
حقاً . لم أعُد أتابِعُ، صحافياً، تفاصيلَ الجريمة اليومية، التي ينفِّذُها المحتلّون ووكلاؤهم في العراق المحتلّ .
بنو اللقيطة : وزراء العار، والجواسيس، والمعمّمون الخوَنــة، ونواب مجلس بريمر، لن أتيحَ لهم فرصةَ الالتصاق، كالقراد، بقميصي الطاهر .
لن أتيحَ لهم الاستيلاء على وقتي وانتباهي، كما استولوا على أملاك الناس وأموالها، وعلى الأرض وما فيها . 
لقد ظلّت الدكتاتورية تخنق البلد، ثلاثين عاماً أو نحوها، لكنها أخفقت في خنق أنفاســي، لأنني وضعتُ تلك الدكتاتورية على رفّ الاحتقار، ولم أعتبرْها همّي الأول . 
الآن أفعل الأمرَ نفسَـــه .
الفنّ متراســـي . منه أوجِّــه أشعّتي .
الفن معبدي، ومَــلْــهاي .
لقد كتبتُ كثيراً عن بني اللقيطةِ . 
كتبتُ أكثرَ ممّا يلزم . بل جمعتُ شيئاً  من ذلك في كتاب " يوميات الأذى " .
إنهم ذاهبون مع أول هبّةٍ للريح ...
ولقد بدأ موســمُ العواصف ! 
*
الساعة الآن، هي السادسة والدقيقة الخامسة والعشرون، صباحاً .
الطيور استيقظت .
وأنا مستيقظ معها .
غيومٌ رمادٌ تتحرّك، بطيئةً، والحديقةُ تبدو لامعة الشجر من ندى الليل .
أتكاســلُ عن إعداد فنجان قهوتي .
سأبدأ صباحي بعصير التفّاح !


لندن 06.9.2007 
           





سعدي يوسف

 شاعر عراقي وكاتب ومُترجم، وُلد في ابي الخصيب، بالبصرة عام 1934. اكمل دراسته الثانوية في البصرة. ليسانس شرف في آداب العربية. عمل في التدريس والصحافة الثقافية . غادر العراق في السبعينيات وحاليا يقيم في لندن ونال جوائز في الشعر: جائزة سلطان بن علي العويس، والتي سحبت منه لاحقا، والجائزة الإيطالية العالمية، وجائزة كافافي من الجمعية الهلّينية. في العام 2005 نال جائزة فيرونيا الإيطالية لأفضل مؤلفٍ أجنبيّ. في العام 2008 حصل على جائزة المتروبولس في مونتريال في كندا . وعلى جائزة الأركانة المغربية لاحقاً

عمل كعضو هيئة تحرير "الثقافة الجديدة".

عضو الهيئة الاستشارية لمجلة نادي القلم الدولي PEN International Magazine

عضو هيئة تحرير مساهم في مجلة بانيبال للأدب العربي الحديث .

مقيم في المملكة المتحدة منذ 1999.

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved