الذبابة

2009-05-21
يُدعى مرضي التوّحد ,هذا ما فهمته؟!

صعوبة في التواصل مع الآخرين. لكنّي إلى الآن وقد أصبح عمري عشر سنوات لم أجد حاجة لأزيد تواصلي مع الآخرين_ ضمنا أسرتي_ فأنا أضم أمي وأبتسم لها عندما تُقبل ألا يكفي هذا!! كذلك أبي وأخي الصغير رغم أنه زائد التواصل فهو لا يكف عن التكلم ,وتقليد الأصوات, والأسئلة, والطلبات, ومشاكستي.

لم//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/f5168350-3b5c-4607-901b-bce5bef11739.jpeg اذا لا يفهموا أني أقدَر على الصمت من الكلام؟. بالتأكيد. أني لم أشرح لهم ذلك, وحتى الطبيبة المعالجة لم تفهم صمتي على أنه تواصل من نوع آخر, مع أني بين رفاقي عندما أذهب إلى الجمعية المختصة بشؤون أمثالي لا نجد أنا و رفاقي ما يستغرب في حالتنا .

أقضي معظم وقتي في غرفتي , أحب الرسم, الألوان تشبهني, فهي لا تريد أن تكون أكثر مما هي . وأنا أرسم أشياء جميلة كما تقول لي أمي فهي مدرّسة رسم وربما ورثت هذه الموهبة منها؛ ولكن ما يُدعى مرض التوحد, أنا الأول في العائلة ولم يسبقني أحد عليه وقد يحدث أن أورّث هذه الهبة في زمن التكلم الذي لا ينتهي!! إلى أحد أولادي وقد يكون لأحفادي.

تضع أمي سندويشة العصرونية على الطاولة, وتنبهني ألا أتأخر عليها كي لا تبرد, وعادة أتلقفها وأتابع الرسم وهذه المرة لست أدري لماذا تأخرت قليلا عليها؟! فوجدت ذبابة قد غطت على الورقة التي تلف بها السندويشة, كششتها وبدأتُ بالأكل وأنا أراقب الذبابة تطير في فضاء الغرفة, فتغافلني وتحاول أن تقترب من السندويشة فأكشها من جديد وهكذا.

ولئنْ بدأت تزعجني ,قررت أن أقتلها, تركتُ نثرة من السندويشة على الطاولة,انتظرت أن تغط وما إن غطت حتى صفعتها بيدي فابتعدت بسرعة كبيرة من تحت يدي وهي تهوي على الطاولة فسُمع لها صوت يشبه الصفقة التي يجبروننا أن نفعلها عندما تبدأ الأغنية التي لا أحبها في الجمعية التي تخص أمثالي .
كررت الذبابة محاولتها وأنا كررت محاولاتي, لا هي نجحت بأن تنال غذاءها ولا أنا ظفرت بها وأعجبتي مهارتها في الهرب بسرعة.
وهكذا فكرتُ: لربما لو توقفتُ عن ضربها تعلمني طريقتها في الهرب فهي متوحدة مثلي ولا يوجد غيرها من الذباب في الغرفة وهكذا أستطيع الهرب منهم إلى وحدتي التي ما برحوا يحاولون إبعادي عنها. مددتُ يدي التي عليها بعض الطعام وانتظرت ولم تمضِ فترة طويلة حتى غطتْ على إصبعي وبدأت تتناول طعامها إلى أن شبعت وغطتْ على النافذة وفكرت أنه ليس بسندويشة واحدة تستطيع أن تكسب ثقة ذبابة فتكررت السندوتشات حتى بدأت تسمح لي بأن ألمسها وتطور ذلك حتى بدأت أمسد لها جوانحها, وتتركني أراقبها بالعدسة المكبرة, حتى أنه بدأت تأتي ما إن أمد يدي بدون أن يكون هناك من طعام .واكتشفت أن لا شيء لديها لتقوله مثلي! فتخليت عن سؤالها واكتفيت بصداقة صمتها وهكذا إلى أن وجدتني أمي ذات يوم وهي على إصبعي تأكل بعض الطعام ممسدا لها ظهرها , فغضبت أمي وحاولت أن تقتلها ولكنها خبيرة بالهرب من تلك الصفعات وطارت وحطت أعلى النافذة أخذتني أمي إلى المغسلة وغسلت يدي بالماء والصابون وأعطتني محاضرة مملوءة بالحب والحنان عن وساخة الذبابة وما تحمله من أمراض ,فاكتفيت بصمتي ؟!
وأعادتني أمي إلى الغرفة وذهبت لتشتري مبيدا حشريا , خفتُ على الذبابة وكان عليّ أن أخبرها لتهرب فالمبيد الحشري ليس كالصفعة فهو ذو رائحة سيئة وينتشر بالهواء فيصيبها بالدوار وتسقط على الأرض وتموت. زنت الذبابة قرب أذني وطارت باتجاه المدخل نحو المغسلة وغطت أسفل فوهة الحنفية وغطست بقطرة الماء المتجمعة فسقطت القطرة إلى فوهة المغسلة واختفت الذبابة.
عندما عادت أمي وقفت لأخبرها أنه ليس من حاجة للمبيد الحشري فقد ماتت الذبابة . أسرعت أمي نحوي وهي تبكي تحمد الله وتشكره على شفائي أما أنا فنزلت دموعي لسبب آخر؟!.

2005

باسم سليمان
من

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2025 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2025 Copyright, All Rights Reserved