نحن أولاد الماضي . أبناؤه الذين يحاولون الانتساب له عبر فعل " كان" ليجدوا ل " يكون " و" كن" شرعيتهما في الزمن الحاضر/ المستقبل , للخروج من الماضي به, بصيرورة وجودنا . يبدو الخبر السابق بكل ما يحمله من تصديق وتكذيب فاعلا بطريقة جبارة بحياتنا المعاصرة . الماضي يحمل السر ,الجواب الأول عن السؤال الأول " من أين؟ وإلى أين؟" وما هو أكثر جذبا للإنسان من السر ؟! ألم يكن هبوطه في المدونة البشرية عائدا لرغبته في الكشف عن سر المنع أيكون صعوده بكشف ذلك السر, بهتك المنع؟.
" هلابيل" الرواية الجديدة لسمير قسيمي أو السايح أو قدور فراش أو نوى أو خلقون بن مدا أو سيباستيان دي لاكروا أو المتلقي أو من تريدون ممن يحفون بالرواية من خارجها أو في طيات صفحاتها .
تبدأ الرواية من فم قدور " إنسان الهامش "الذي يروي قصة ذلك المخطوط الذي غير حيوات الشخصيات في الرواية ومن ثم تتداخل الأصوات الراوية وصولا للراوي كمبدع للسرد وكل ذلك عبر عنعنة الرواية والأزمنة بتاريخيتها الحقيقية والمتخيلة كذلك الأمكنة ,فالجزائر تحضر كبلد تدور به الأحداث من إرهاصات الاحتلال الفرنسي مع المترجم دي لاكروا وشخصيات ذاك الزمن إلى لحظة الاستقلال وصولا إلى مشارف سنيننا هذه مع المخطوط الذي يرجع لبدايات التدوين البشري حيث كان الإنسان يخط وثائقه الأولى .
"هلابيل" ولدٌ لأبوينا في أول الزمان وِلدَ بين السماء والأرض, نكره أبوه ونسته أمه لأنه ابن الخطيئة ورواه خلقون عن الوافد بن عباد جعل الله ظهوره فينا!!؟.
ومن هنا بدأت العنعنة / الرواية , الحقيقة / المتخيلة في رواية " هلابيل " لتصل ليد المتلقي عن لسان الراوي الأخير أو أحد الرواة المتسلسلين من مَن تقع يدهم على هذا المخطوط .
يقدم سمير روايته كأي تحقيق بوليسي في جريمة غامضة , فيجمع خيوط الواقعة الروائية وبتلك الطريقة يؤمن المتعة القرائية للمتلقي ويورطه في سؤال المتخيل والواقع وهو لا يوفر تقنية فنية لإتمام الغواية القرائية محاكيا مكر المنع في بداية الزمان لينشأ الخلق في الأرض لتقوم القراءة الحقة للرواية من قبل القارئ الذي يسعى للسر الذي يخفيه السرد في تتالياته.
فسمير يحقن متخيله بكل أسباب الواقع ,فالأماكن التي دارت بها تلك الأحداث التي ذكرها في روايته موجودة سواء عن كيفية دخول الفرنسيين والمعارك التي حدثت وشخصية المترجم دي لا كروا وغيرها مزيلا صفحات روايته بهوامش عديدة تضيء تلك الإحالات الواقعية البحتة في الرواية ,فيحدث تناص فعال بين المتخيل والواقع يدفع بحدود القارئ لدرجة التماهي مع النص/ المخطوط الذي تدور الرواية عنه , من حيث أن سياقات النصوص التي نعرفها لا تختلف في فكرة تشكلها عن ما قاله الوافد بن عباد ودونه خلقون وترجمه دي لاكروا وتناقلته الأيدي وصولا لقدور التي بقليل من الصرامة تكتشف نسبه ل "دي لاكروا: بعد أن صار جزائريا حقا وباسم جزائري , هكذا يتم تخصيب التاريخي العقيم بالأدبي لإعادة إنتاجه بطريقة أقرب لفحوى وجود الإنسان .
وعندما يقدم سمير تلك الرسائل والمخطوطات التي وجدها السائح في بن يعقوب يقدمها بلغة زمنها وأسلوبه ,فتأتي شهادة متخيلة صادقة تمعن في تأبير الحدث القرائي لنصل به لدرجة الموثوقية ويضيف الجانب الآخر لحيوات شخصيات الرواية التي تتقاطع مع قضية المخطوط متخيله الوجودي فينجز بهم وجوده كفاعل خفي وينجزوا به وجودهم كفاعل مباشر, فقيام السرد كمعادل للمعاش, فحياة قدور وسجنه ونوى العاهرة لكن القديسة فيما بعد ,السائق وحبوب سليل فرقة الوافد بن عباد الذي أخرجه أبوه من ملته ,المفتش , الراوي ومن ثم لكل تلك السياقات التي تحتكر حق القول بالحقيقة في حين الحقيقة تسربت من يديها كرمل تلك الصحراء التي احتفظت بمخطوط الوافد بن عباد الذي لو ظهر للعلن لكان هناك كلاما آخر يقال.
رواية تحاور القلق الوجودي في الإنسان وتدعوه للبحث عن نفسه للتصالح مع الخطيئة لينل القدرة على التغير ومن ثم الغفران ومساءلة الثوابت التي تجثم كالأصنام فوق رؤوسنا بدءا بالزمن الثابت والمكان الرابض في حين الكرة الأرضية تدور وتدور حول شمس الحقيقة التي لم نفتح أعيننا على نهارها.
لم يكن المخطوط نعمة على من وجدوه لكنه غيرهم ؛لكن نحو ماذا؟ هذه, تعود لكل من سوف يمس الرواية بأصابعه ويتأكد أن المتخيل ليس بعض الواقع بل كله.
هلابيل رواية لسمير قسيمي صادرة عن دار العربية للعلوم ناشرون ومنشورات الاختلاف لعام 2010
الثورة / كتب
باسم سليمان
Bassem-sso@windowslive.com