من مذكرات الكاتب التركي 'عزيز نيسين'
يسكن العم حسن بجورانا، وهو يعمل في مجال تنسيق وعناية الحدائق في 'بحرية كاظم باشا'، تعرف بـ ' ديفانهين' . كان الأهتمام بزراعة الخضروات و تنسيق الحدائق من صلب عمله، كنت اراقبه بفضول الاطفال وهو يعمل في حديقة الدار, حاولت تقليد العم 'حسن' في طريقة حرث الحديقة بالشادوف، مما جعله يضطر ليبعد الشادوف بعيداً عني, وكان يضعه فوق عمود طويل مثبتاً على الأرض. ولكن عندما لم يكن أحد يراقبني، كنت أهز العمود حتى يسقط الشادوف وأبدأ بحفر الحديقة.
كان مالك الدار يربي دجاجاً في قفص كبير, يضعه في مؤخرة الحديقة. حركة الدجاج المستمرة والدؤوبة في ذلك النطاق الضيق جعلتني أشعر بالحزن لتلك الحالة.
لذا كنت أفتح لها باب القفص وأطلق سراحها. و لكن بمجرد أن يخرج الدجاج، يجري الديك في اتجاهي وينقر وجهي. كان ريشه أحمر وهيئته مهيبة وجميلة جداً وكان ضخماً وجميلاً ولكن لا يعرف شيئاً عن المودة أو الصداقة. كان ينفش ريش الصدر حول عنقه السميك فتتغير ألوانه تحت ضوء الشمس. عندما يهاجمني كنت أركض بسرعة إلى داخل القفص الضيق وأغلق الباب خلفي. و بالرغم من أنه لا يستطيع أن يهاجمني وأنا داخل القفص، كان يقفز المرة تلو الاخرى عند باب القفص المغلق، حتماً هذا الديك هو بمثابة أول عدو عرفته.
ثابرت على اطعام الديك من شرائح الخبز التي كانت تعطيني إياها العمة 'أيف' عندما أمرجح طفلها الرضيع لكي ينام. المدهش في الأمر أن هذا الديك بعد أن يهاجمني و يطاردني إلى داخل القفص تاركاً جروحاً فوق وجهي مما جاد به منقاره ومخالبه, كان يأكل من شرائح خبز العمة 'أيف' التي أطعمه منها بدون أن يبدي اي نوع من امتنان أو صداقة. وبرغم كل هذه المعاناة مع هذا الديك الجاحد, لم يجرؤ أحداً على أن يتركه يخرج من سجن هذا القفص الضيق غيري. ولم يجرؤ أحداً أيضاً أن يطعمه من شرائح الخبز سواي, وكان هذا مصدر اعتزاز وفخر لي.
في إحدى المرات شن علي هجوماً متوحشاً. فبدأ يقضمني ويخربشني بمخالبه بشكلٍ غير معقول ولا مفهوم, وينم على خيانته و نكرانه للجميل لدرجة أني وقعت على الأرض من هول هذا الهجوم في محاولتي اليائسة للهروب من وحشية هذا الديك المرعب.
أسرع 'محمد افندي' إبن المالك لينقذني من براثن هذا الديك الهمجي. كان وجهي ملطخاً بالدماء والغبار، ورغم كل ذلك كنت أذهب إلى دورة المياة لأبكي بعد أن سمعت قرارهم بشأن مصير هذا الديك, فقد قرروا أن يذبحوا صديقي اللدود. حاولوا أن يقبضوا على الديك الذي كاد بدوره أن يهرب منهم وينفذ بجلده وريشه. كان الديك يتعذب في حديقة الدار وأنا أيضاً اتعذب داخل الدار.
ذهبت إلى 'العم حسن' واستعطفته ورجوته ووعدت 'محمد افندي' :
'لن أذهب إلى الحقل ثانيةً'
'لن أفتح قفص الدجاج ثانيةً '.
'إن كنت كاذب ، أتمنى أن أعاقب إما بالقرآن أو بالحرمان '.
عندما رأوا الدموع في عيناي، لم يقوموا بذبح الديك.
إلا أنني و في يوم ما تسللت إلى الحديقة ثانيةً ، وبدأت أهز العمود حتى يسقط الشادوف، إلا أن الشادوف بدلاً من أن يسقط على الأرض سقط فوقي, وضربني بحافته فوق جبيني مما جعل الدم ينساب من جبيني بغزارة ليغطي كل جسمي. ذهبت إلى داخل الدار، حيث كان كل المتواجدين في المنزل آنذاك من النساء. عندما رأوني ملطخاً بالدماء هكذا بدأ صراخهن. و هذا الصراخ اصابني بالذعر، فبدأت أصرخ أنا أيضاً معهن حتى وضعن ملحاً وبعض من بقايا التبغ في مكان الجرح الذي ينزف وضمدنه.
لأنني لم أخرج إلى الحديقة بعد ذلك الحادث مرة اخرى ، قالوا لي:' أنظر كيف تبدو وجيهاً و نظيفاً منذ أن ربطنا رأسك'.
ولكن حقيقةً الأمر هو أنني لم أذهب للخارج ليس لأني أصبت برأسي إلا أني كنت أخشى أن يذبحوا هذا الديك الذي يشاكسني.