المرشدية مذهب ديني ينسب إلى الإسلام، أتباعه يتبعون الطائفة المرشدية الصغيرة والتي لا توجد إلا في سوريا، يقدر عددها بحسب المصادر المرشدية ما بين ثلاثمائة ألف إلى نصف مليون شخص .
"تعود جذور ظهور المرشديّة في النصف الأول من القرن العشرين في سوريا عن طريق سلمان المرشد، والذي يشتهر أكثر باسم سليمان المرشد في منطقة الحدود الجبليّة بين محافظتي اللاذقيّة وحماة ومن تلك المنطقة امتدّت الدعوة إلى مناطق أخرى في محافظات حمص وإدلب ودمشق وطرطوس. اما الآن فالوجود المرشدي الأقوى هو في محافظتي حمص واللاذقيّة .
كان سلمان المرشد قد لفت الأنظار إليه في 1923 عندما بشّر بقرب ظهور المهدي لـ"يملأ الأرض عدلاً،" ولم يدع الناس أن يتخذوه ربا كما يشاع، بل كان سلمان قد دعى إلى إلغاء الكثير من العادات التي تمس سيطرة مشايخ العلويين على أتباعهم.
أعدم سلمان في نهاية عام 1946 بتهمة يقول البعض أنها أدعاؤه الألوهيه إلا أن العديد من الباحثين يؤكدون على ان قرار الاتهام والإعدام لم يتطرق أبداً إلى مسألة إدعاء الإلوهية كما يشاع، بل أنه أعدم بتهمة قتل زوجته والتحريض على قتل آخرين في المواجهة التي حصلت مع الدرك في قريته بنهاية 1946 وقد لفقت له جميع هذه التهم بدوافع سياسية بحتة .
يعرض كتاب "لمحات حول المرشدية" لمؤلفه نور المضيء المرشد, الذي هو ابن سلمان المرشد , والشقيق الأصغر لساجي إمام المرشديين، الذي عايش الدعوة المرشدية ومفاصلها التاريخية عن كثب، وفيه يعرض قصة المرشدية على طريقة السيرة الذاتية لكنها ليست سيرة ذاتية فقط، بل انها سيرة يتشاكل فيها العام والخاص, ويتشاكل فيها الديني بالسياسي وبالاجتماعي، ولذا فانه الأول من نوعه، حيث يعتبر بمثابة وثيقة كتبها "زعيم مرشدي" حول المرشدية.
ووفق هذا الكتاب فالمرشدية هي :
دين وليست حزبا سياسيا، هي منهج أخلاقي طاهر بقصد اكتساب رحمة الله ومواصلة عزّته وهي ليست نظاما اجتماعيا معينا، ولا برنامجا اقتصاديا، هذا المنهج الأخلاقي والمسلك النفسي والمنطق العقلي متأتٍ من وجدانية مقتبسة من منجاة الله، فالمرشدية فعل منجاة وتعظيم للارتفاع إلى الحياة، وليست سوى ذلك، وهي تعتني بطهارة السريرة لا بقوانين الإدارة . وهي تبارك كل ما من شأنه تهيئة إكتمال الفرد، وإبراز جمال المجموع، وترفض كل ما من شأنه إعاقة كمال الفرد، وتشويه جمال المجموع، يهمنا أن يكون الفرد إنسانا عزيزا يتمتع باستضاءة فكرية وطهارة قلبية، أن يصل ويكتمل الفرد بالأصالة الإنسانية الفاضلة ومن هذه الأصالة أن ينطلق إلى الأصالات العليا، والأصالة تتمثل في خمسة أشياء:
- ضمير طاهر مستجلى من الايمان بالله والانسجام مع صفاتِهِ القدسية
- فكر وامض من التماس الحقيقة
- قلب نابض بالطموح إلى الكمال الروحي وارادة الحياة
- قدم ثابتة الصف مع قضايا الحق
- ويد ممدودة بالخير للناس أجمعين
سلمان مرشد
المتأمل لسيرة سلمان مرشد يجدها سيرة لزعيم اجتماعي وسياسي، أكثر منه زعيم ديني، ولد في مطلع القرن الماضي 1907 في قرية جوبة برغال، في جبال اللاذقية، وعاش في بيئة فلاحيه فقيرة مهمشة .. قاد عشيرته "بني غسان" التي عُرفت لاحقا باسم عشيرة سلمان مرشد "المرشديين" باتجاه التحرر الاقتصادي والاجتماعي، حيث قام بمقاومة نفوذ العائلات الإقطاعية المتنفّذة آنذاك في الساحل السوري وسهل الغاب،" نادى بالحرية والمساواة ورفض التبعية وحارب الإقطاع ودافع عن الفلاحين المستضعفين .
قام بحركة إصلاحية وعمره لم يتجاوز 18 سنة، وعمل على توحيد عشيرته (بني غسان) التي كانت تعيش بين ظهراني العَلَويين، وكانت تتواجد في اللاذقية وفي منطقة القنيطرة (زعورة والغجر) وجبل الحلو (شين، عوج، مريمين، ...)..
وحَّدَ سلمانُ طائفتَه في 12/7/1923، وحاربَ الفرنسيين، فسُجِنَ ثلاثةَ أشهر تعرَّضَ خلالَها للتعذيب. وعندما أُفرج عنه دعا إلى المساواة والعدالة بين الطوائف والأحزاب، فقامت السلطاتُ الفرنسيةُ بنفيه من اللاذقية إلى الرقة مشياً على الأقدام, ولمدة ثلاث سنوات من 1925 لغاية 1928. ثمَّ أُعيدَ من المنفى ليوضع تحتَ الإقامة الجبرية لمدة ست سنوات، لانه عارضَ بشدةٍ البعثاتِ التبشيريةَ بين المسلمين، والتي تخفي وراءها مطامعَ سياسيةً ومصالحَ شخصية. ساهمَ سلمان المرشد في إنجاح الكتلة الوطنية نظراً لما يتمتَّعُ به من شعبية كبيرة بين صفوف الفلاحين، ثمَّ عارضَ هذه الكتلة عندما رأى أنها ابتعدتْ عن مصلحة الوطن" "
" انتخب سلمان مرشد لمجلس النواب في اللاذقية ابتداء من سنة 1933, وترشح للانتخابات النيابية في دمشق 1937 حيث أسفرت المشاورات عن تأليف قائمتين : قائمة وحدوية تدعو إلى ضم الساحل إلى البلاد, وكانت تجمع سلمان مع بعض زعماء الجبل وكثير من زعماء اللاذقية، وكانت تضم عن قضاء صهيون سليمان مرشد وعمر البيطار. والقائمة الثانية هي القائمة الانفصالية, وهي التي تدعوا إلى استقلال الساحل عن سائر البلاد، وكانت تتألف من بعض المتعاونين مع الفرنسيين من الزعماء ويرأسها إبراهيم الكنج ", ونجحت القائمة الوحدوية في عام 1937, وتأكيدا لفوز القائمة أعلن المشاركون فيها الاستقلال وانضمام الساحل وجباله كليا إلى سوريا، وقد أصدر نواب قائمة محافظة اللاذقية وثيقة تعهد، هذا نصها الحرفي :
" نحن المجتمعون الموقعون إمضاءآتنا بذيله، نعاهد الله والشرف والكرامة والعرض أن نمشي على الأسس الصحيحة، والذي ينكث فيها، إن كان مسيحيا فهو بريء من المسيح، وإن كان سنيا أو علويا فهو بريء من محمد ( ص) ومن ولاية علي بن أبي طالب"
احتفظ سلمان مرشد بمقعده البرلماني في الدورة التالية في انتخابات 1943، وبعد تنامي نفوذه " قامت العائلات الإقطاعية في اللاذقية بإثارة أهل الجوبة ضد جماعة سلمان وسلّحتهم وأمرتهم بإحراق بيته وحارته، لكن أنصار سلمان انتصروا على أهل الجوبة، رغم ما كانوا فيه من حصار اقتصادي وضيق مالي. ... واستعانت "حكومة الإقطاع" بقوات فرنسية ضدهم فقامت القوات الفرنسية يرافقها ضباط بريطانيون باحتلال الجوبة"، "أما سلمان فما إن سمع في دمشق بصعود هذه القوات الأجنبية إلى الجوبة حتى سارع إلى رئيس الجمهورية، وطلب منه رسميا إنزال القوات من الجبل وقد تم سحبها بالفعل.
ويلخص ساجي المرشد ابن سلمان في كتابه، أسباب العداوات تجاه سلمان مرشد في ما يلي:
" لما ظهرت قوة زعامة سلمان بالانتخابات، أي حولت الزعامة إلى الجبل بعدما كانت في المدينة، خشي زعماء المدينة على مصالحهم وأرادوا تحجيم سلمان ليبقى لهم الأمر كما كان من قبل، وهم القوة السياسية آنذاك، وقد تآلبوا عليه لمحاربته وخشوا أن تمتد زعامته على بقية الفلاحين لذلك عملوا على خطة إعمال النزاع مع الجيران ليكون بينهم وبين عشيرته عداوة، وعلى تحريك الفتنة بداخل العشيرة، ساعدهم على تنفيذ هذه الخطة المشايخ الذين نقموا على سلمان، وتغييره لبعض العادات مما يضر بمصالحهم، وخافوا أن تصل إلى طوائفهم، وكذلك عداوة بعض الزعماء الذين حسدوه وظنوا أنهم بالالتجاء إلى الزعامات التقليدية
في المدينة يحافظون على نفوذهم بين عشائرهم." "
ورغم خلافاته مع زعماء الحركة الوطنية تناسى سلمان الخلافات لأسباب وطنية فعندما تطورت الأحداث بالبلاد، وبدأ القتال بين الثوار والقوات الفرنسية في دمشق وضُربت المدينة بقنابل المدفعية، في 21 أيار عام 1945 قدَّم سلمان للبرلمان تصريحا تلاه النائب فخري البارودي جاء فيه:
" إني أضع نفسي وعشائري وأموالي تحت تصرف الأمة والحكومة وأعلن أنه إذا كان هناك خلاف بيني وبين الحكومة فأنا وطني قبل كل شيء، وعلى استعداد للقيام بكل ما يتطلبه الوطن وبكل ما توجبه سيادة البلاد واستقلالها، وقد حدث تصفيق حار أثناء قراءة الإعلان كما أخبرنا من حضر الجلسة ونقلت الصحف هذا الخبر في اليوم التالي .
لقد حافظ َ سلمان المرشد على حضور سياسي لافت في مطلع الأربعينات، ففي ربيع سنة 1945 "طلبت الحكومة من سلمان أن يذهب إلى الساحل وذلك لإقناع الضباط والجنود المتطوعين في الجيش الفرنسي بالالتحاق بالجيش العربي السوري الوطني "رغم أنه لم يكن بينهم أحد من المرشديين .
وأما التهمة التي انتهت بإعدامه فهي قتل زوجته أم فاتح ، وهي تهمة لا ينفيها المرشديون، حيث يورد الكتاب :
" أوضح ساجي المرشد - قدوة المرشديين - إلى كاتب عربي كيف ولماذا قتل سلمان زوجته هلالة أم فاتح بقوله:
أن المعلومة التي تقول ان سلمان قتل زوجته أم فاتح لأنها هي التي أمرت بالكمين الذي تم وفقه القاء القبض عليه، خاطئة، فأم فاتح لم تأمر بالكمين، ولكنه هو الذي قرر الاستسلام، وقتلها لكي لا تقع في أيدي رجال الدرك، وحول اللحظات الأخيرة من حياة سلمان مرشد قبل تنفيذ حكم الإعدام " توجه سلمان بهدوء إلى المشنقة، أراد الشيخ علي أديب أن يوجه بعض الكلمات الدينية إلى سلمان كالعادة عند الإعدام, فأشار سلمان إليه بيده ألا يتكلم مطلقا وصاح بصوته القوي اسكتْ, وصعد إلى المشنقة, ولم يسمح لأحد أن يلمسه أو يغطي وجهه"
" و أما أولاد سلمان وزوجاته الثلاث فقد كان مصيرهم السجن والنفي إلى الجزيرة، ومن وجوه العشيرة سجن حوالي عشرون رجلا مددا متفاوتة بين مؤبد وخمس سنوات، وقضى أكثر المحكومين بقاء في السجن حوالي عشرة أعوام. ونفي منهم ما يزيد عن أربعين رجلا ً إلى مناطق متفرقة إلى الجزيرة والفرات مثل أبنائه، وقد تم الاستيلاء على بيت سلمان ونهب حارته، واستولى الدرك على كل بيوت حارة سلمان في الجوبة، وبدون أي صفة قانونية أو حتى أي ورقة رسمية تخولهم أن يستولوا عليها، وقد وكّلت نساء سلمان محاميا لأجل ذلك" مما يؤكد الطابع الانتقامي لمحاكمة سلمان المرشد؟!
عقب إعدام سلمان مرشد بفترة قصيرة, أعلن ابنه غير البكر مجيب, قيام دعوة المرشدية، وكان عمره 21 سنة " فمجيب قام بالدعوة لنفسه، وقد فاجأ الجميع بدعوته، وقد عارضه اخاه فاتح وجميع إخوته في بادئ الأمر, وأنا نفسي- يقصد نور المضيء- لم أبايعه إلا بعد مضي تسعة أشهر من قيام الدعوة، وقد آمنت به بعد أن سمعت ورأيت منه ما جعلني أصدق وأومن بدعوته، وآمن به فاتح بعدي بشهور, ومن العائلة من لم يؤمن إلا بعد مقتله بسنين، وأهم ما أحب أن ألفت النظر إليه هو أنه لم يطلق علينا مرشديين إلا بعد دعوة مجيب، وأن كل الأحداث السياسية والصراعات الاجتماعية التي وقعت قبل دعوة مجيب لا تلقي الضوء على الحركة المرشدية، ولا تجلو حقيقتها، لأننا بما نحن عليه الآن من واقع قائم، إنما هو متأت عن المعرفة الجديدة السامية عن الله وحكمته بالخلق .
وللمرشديين عيد وحيد هو: عيد الفرح بالله, الموافق ليوم إطلاق مجيب للدعوة, ويصادف في الخامس والسادس والسابع والعشرين من شهر آب كل عام
ولد مجيب عام 1930 وقتل على يد عبد الحق شحادة آمر الشرطة العسكرية في عهد أديب الشيشكلي عام 1952
"و من وصايا مجيب :
- نصحنا مجيب بالابتعاد عن الفحشاء والخنى : الفحشاء هو الزنى , والخنى كلام العهر
و نصحنا بالتقليل من إشباع شهوات الجسد
و نصحنا ألا نغضب إلا على باطل, أو انتصارا للحق
و نصحنا أن لا نروي حكايات نسيناها, كي لا يقودنا لساننا إلى الكذب
و نصحنا بالابتعاد عن الرياء و المخادعة
و نصحنا ألا نحقد على أحد
و نصحنا أن لا نقرب الزناة و لا نسايرهم فهذا يجعلنا نحبذ الزنا
و نصحنا أن لا نستشير بعمل الخير أحدا إذا علمنا أنه خير
و نصحنا ألا نلوم أنفسنا إذا ثرنا على الباطل, و قمنا بتعنيف المبطل
و نصحنا أن لا نكدّر المستمعين إلينا, و أن نقصر من الحديث إذا لمحنا علائم الكدر ظهرت على وجه من نحادثه
و نصحنا ألا نتظاهر بعظمة أخلاقية لا نمتلكها
و نصحنا أن لا نبكي أنفسنا, بل نشكي مصائبنا إلى الله, و هو العليم الخبير
و نصحنا ألا نتحزب إلا للحق
و نصحنا ألا نحسد أحدا، فمعرفة الله هي كنز البقاء الذي يحسد صاحبه عليه
و نصحنا ألا نذلّ أنفسنا إلا للحق, فمذلة النفس أمام الحق عزّة لها
و نصحنا ألا نتباهى, فما من أحد بأعز من أحد, إلا بقدر ما يعز الله
و نصحنا أن لا ننوي فعل أمر نستحي أن نجهره أمام الناس
و نصحنا ألا نخاف قط, فدنيا الآخرة خير للمؤمن من دنيانا هذه""14"
- "و أخبر أتباعه- أي مجيب- أن أخوه ساجي الإمام, وأنه هو الذي سيعلّم المعرفة الجديدة بعده، تلك المعرفة التي جاء بها مجيب, وهو قبل أيام رحيله عن دنيانا"
بعد مقتل مجيب المرشد عام 1952 أصبح ساجي سلمان المرشد المرجع الأول للمرشدية, وقد توفي في تشرين الأول من عام 1998, ولم يوصي بالإمامة لأحد من بعده لذلك لا توجد عند المرشدية مرجعية دينية بعده.
وتمتد هذه المرحلة من موت مجيب, ومباشرة ساجي الدعوة، حتى بداية سنة 1963, وتعرف هذه الفترة في الأدبيات المرشدية بفترة العذاب .
وتبدأ هذه المرحلة بمطالبة بعض أفراد عائلة المرشد بالثأر لمجيب وسلمان المرشد، وهذا ما لم يتبناه ساجي ولم يشجعهم عليه، كذلك لم يمنعهم منه، فوفقا لساجي :
" إن مجيب كإمام للناس، لم يقم بالثأر من أعدائه الأوائل الذين تسببوا بمقتل أمه والذين حاكموا أباه، ونفذوا حكم الإعدام به ظلما وعدوانا، كما أنه لم يطلب الثأر له، عندما كان يتحدث عن مقتله أثناء دعوته، بل طلب منا أن نعقد الفرحة لمقتله،""و في هذه المرحلة قامت الحكومات السورية المتعاقبة بمحاربة المرشدين ومطاردتهم بما يسمى بحملة مرشتي, وعن بداية شرارتها يذكر الكتاب:
" بدأت المخابرات تلاحق المرشديين في حمص بحجة أنهم قاوموا رجال الحكومة عندما حاولت إزالة مقام على اسم الخضر, و كان فعلا قد حاول بعض البسطاء من المرشدين ممانعة رجال الحكومة من إزالة المقام، ولكن مخابرات السراج - الرجل المتنفِّذ آنذاك- اعتبرتها أمرا من ساجي للوقوف ضد الحكومة، مع أن المحافظ أمر بعدم هدم المقام بعد احتجاج هؤلاء المرشديين، لربّما كي لا يثير حفيظة الطوائف الدينية الأخرى أيضا، لأنهم جميعا يحترمون هذا الاسم . وقد جابه المرشديون هذا التعنت السراجي بأن أظهروا احتجاجهم على سجن بعض المرشديين، فتوافدوا من بعض القرى حول حمص يطوفون بالأسواق داعين رجال السراج إلى سجنهم هم أيضا، حتى امتلأت بهم سجون حمص، وكذلك تم اعتقال ساجي في سجن الشكّية مع المقربين له من زعماء المرشدية إبان حكومة الانفصال، وتداعيات خروجه من السجن هي :" عندما أعلن المعلم ساجي الإضراب عن الطعام حتى الموت أو نخرج من السجن، و سمع المرشديون بهذا الإضراب, فما بقي رجل أو امرأة أو حتى طفل ابن عشرة أعوام إلا و اشترك بالإضراب، وكانوا يرسلون البرقيات معلنين إضرابهم إلى كل الجهات المسئولة، وامتنع الجميع فعلا عن تناول الطعام، وفي اليوم الرابع من الإضراب جاءت سيارات الشرطة مساءاً إلى السجن، ونقلت المعلم ورفاقه إلى بيت أم خليل في القصاع"
شعاع قبل الفجر
مرت سنون على الحقبة السورية في فترة الإنتداب الفرنسي وما بعده والمكتبات، إن في سوريا أو خارجها، مكتظة بكتب تكاد تكون متشابهة حول تلك الحقبة. والآن، صدر كتاب جديد، وقد سمحت السلطات الرسمية بتداوله في سوريا، ويجمع بين دفتيه مذكرات سياسي من مدينة حلب (شمال سوريا) لتخرج لأول مرة على ما اعتاد المؤرخون تكراره . وجمع هذه المذكرات باحث سوري متخصص بعد رحيل كاتبها.
بقدر ما كان ذاك الريف السوري هادئا بين أشجار السنديان، وحيث كان الإنتداب الفرنسي يسعى لزرع الجهل وزرع الفتنة والتوتر واستغلال بعض رجال الدين ومنحهم الأراضي والمكتسبات، فقد كانت أفكار الكثير من رجال الدين العلويين " متنورة " وتدعو لتحرر الشعوب من دول الإنتداب مثل بريطانيا وفرنسا، وقد رفضوا التخلي عن مبادئهم وفي مقدمتهم الشيخ صالح العلي- مع الإشارة إلى أن لم يتم إلقاء الضوء كثيرا على هؤلاء عبر التاريخ. في تلك الفترة، انشق عن الطائفة العلوية شخص يسمى " سلمان المرشد" والذي بعد إعدامه من قبل الحكومة نشأت طائفة "المرشدية" نسبة إلى اسمه. والآن تخرج مذكرات جديدة بسورية لتقلب الأقوال بأن " سلمان المرشد تعاون مع الإنتداب الفرنسي" وتؤكد عكس ذلك وتضيف بأن الرجل كان وطنيا وعمل على بث أفكار جديدة لتحرير المجتمع من بعض القيود .
اسم الكتاب الجديد " شعاع قبل الفجر : مذكرات أحمد نهاد السياف " من تحقيق وتقديم الباحث والكاتب السوري محمد جمال باروت، وجاء الكتاب في 296 صفحة، وهو إصدار خاص للعام 2005، وهو الآن من أكثر الكتب مبيعا في دمشق وبيروت.
يقدم الكتاب سردا مفصلا حول علاقة كاتب المذكرات أحمد السياف مع زعيم الثورة السورية في الشمال ابراهيم هنانو، ومن ثم يأتي القسم الأكثر أهمية وهو" المرشدية" في سوريا وحكاية سلمان المرشد مع الإنتداب الفرنسي ليقلب المعلومات التي استمرت منذ ذلك الحين إلى هذا الوقت كأن يكشف أن إعدام المرشد لم يكن له أي صلة بقضية "الخيانة العظمى" التي اتهمته حكومة سعد الله الجابري بها، وكان إقطاعيو اللاذقية قد قاموا بتلبيسه إياها.
كاتب المذكرات ،أحمد السياف (1909 ـ 1992)، يقدمه الباحث جمال باروت "كأحد رجال الحركة الوطنية ومرحلة ما بعد الاستقلال ومن تلاميذ الزعيم ابراهيم هنانو (1869 ـ 1935) ومن ممثلي الجيل الثاني للوطنيين / الاستقلاليين".
ما هي "المرشدية" ؟
يقدم الكتاب تعريفا بهذه الجماعة على أنها ظهرت في عشيرة "بني غسان" العلوية واستقلت دينياً عن العلويين بعد أن تحولت إلى دين ومذهب روحي" يستند الى "الغيبة" ، ويؤكد أتباع هذا المذهب أن سليمان المرشد لم يدع الناس لأن يتخذوه الاهاً ولكنه إمام بشّر بقيام المهدي المنتظر.
أعدم سليمان المرشد في عام 1946 وأصبح ابنه مجيب المرشد هو "القائم الموعود" ولكنه قتل في عام 1952 بأمر من أديب الشيشكلي، وأصبح بعده ساجي المرشد هو الإمام إلى أن توفي في 1998 دون وصية. ووقف أتباع "المرشدية " إلى جانب الرئيس الراحل حافظ الأسد في وجه بعض محاولات التمرد عليه.
ومما جاء على لسان الكاتب:
دفعني هذا إلى الغوص في كل التفاصيل فعدت إلى اكثر من 82 مرجعاً فرنسياً وعربياً وكذلك نقدياً إلى مجريات الصحافة والجريدة الرسمية، وقررت القيام بعملية تحقيق كل كلمة تقريباً من نوع الحدث أو اسم العلم أو الواقعة أو المكان الذي يرد في المذكرات . ولذلك وصفت هذه المذكرات بالشهادة- الصدمة التي تحطم الرواية شبه الرسمية والرسمية كلياًُ، فعلى كل حال لم تستطع الحكومة أن تعدم المرشد بتهمة الخيانة العظمى التي اسندتها إليه حيث لم تستطع المحاكمة الاستثنائية إثبات ذلك ولاسيما أن شهادة احمد السياف وشهادة العقيد محمد علي عزمت قائد حملة الدرك ضد المرشد نفسه إضافةً إلى شهادة المير عبد الله التامر قائمقام منطقة "الحفة" التي ينتمي إليها المرشد، قد نفت هذه التهمة خلافاً لضغط الحكومة بل تم إعدامه بقضية جنائيةٍ تتعلق فعلياً بكمين الحكومة. وضخت الدعاية في كل مكان ادعاء المرشد بالربوبية ولكن هذه القضية لم تسند له كاتهام ولا في نص الحكم وكان استخدامها من قبيل التحريض عليه وأحيل بتهمة " الخيانة العظمى " أما المرشد نفسه فقد أجاب في بداية المحاكمة أن لايهمه من كل التهم الموجهة إليه سوى الخيانة العظمى وانه عدو الاستقلال، وفي النهاية بعد إصدار الحكم تسأله المحكمة إن كان يطلب الرأفة فقال " لا أطلب الرأفة ما دامت الحكومة برأتني من تهمة الخيانة العظمى بل اطلب الموت" وطلب في وصيته أن "يلف جسده بالعلم الوطني المفدى" ، وتعرض المرشديون للتنكيل الفظيع بعد ذلك من قبل معظم الحكومات المتتالية، مع ملاحظة ان المرشدية كدعوة دينية انطلقت بعد إعادم سلمان في اواخر 1946 وتعتبر نفسها مستقلة عن العلويين .