في خبر لافت ومستهجن وزع عبر البريد الالكتروني في الثامن من آب / أغسطس الماضي بيانا صحافياً، ونشر على الموقع الالكتروني لإحدى فصائل العمل العسكري في قطاع غزة، تقول فيه: " إن مجاهدينا شاهدوا في تمام الساعة الخامسة عصر السبت 8/8/2009, على بحر دير البلح شابين وفتاه في وضع غير لائق داخل سيارة, فما كان من المجاهدين سوى أنهم تحركوا تجاههم, وتم مطاردتهم من بحر دير البلح حتى رفح واعتقالهم, ليسلموهم بعد ذلك إلى جهاز الشرطة البحرية ومن ثم لجهاز المباحث العامة في دير البلح, وبدورها قدمت قيادة الجهازين الشكر والامتنان لمجاهدينا على مجهودهم في حفظ امن المواطن واستقراره".
وفي تتمة الخبر " فقد حال تدخل المجموعة دون حدوث" جريمة زنا"!! في ظل حالة الاستقرار والهدوء التي يعيشها سكان القطاع ".
هذا التدخل السافر في حياة الناس بشكل فاضح من مجموعة غير معلومة تبدأ بالمراقبة، ومن ثم إلقاء القبض على الناس من دون أي مسوغ قانوني أو أخلاقي يفتح الباب على مصراعيه في تقييد حرياتهم العامة والخاصة، ومجرد الشبهة وجود امرأة في السيارة فانه يثير الشك لدى أي شخص ويعطيه الحق في مراقبة الناس والتدخل في خصوصياتهم.
السؤال هنا: كيف تسمح الحكومة في غزة وشرطتها لأي كان سواء كانت مجموعة مسلحة أو مجموعة من الناس بالتدخل في حياة المواطنين؟ ليس هذا فقط، فتلك المجموعة المسلحة قامت بدور الشرطة بإلقاء القبض على مواطنين كان أجدر بالشرطة إلقاء القبض عليهم وليس على من كانوا في السيارة.
هذا التعدي من جهات غير معلومة ولا تحمل أي صفة قانونية يعزز من زيادة قلق المواطنين وخشيتهم من التعدي على الحريات العامة، وقمعها وكبتها، والتدخل في خصوصيات الناس وتهديدهم في أمنهم الشخصي.
أن ما تتعرض له المرأة الفلسطينية من التعدي على الحريات العامة والخاصة، وحقها في الأمان الشخصي، ليس منعزلاً عن ما يتعرض له المجتمع الفلسطيني من انتهاكات وتعدي على الحريات العامة والخاصة، وكل ذلك يزداد بشكل مضطرد، من دون التوقف والتفكير من المجتمع الفلسطيني من جميع مكوناته الاجتماعية والثقافية والسياسية، والتصدي للتعدي على الحريات العامة، والخاصة.
الشعارات التي تنادي بالمساواة، وحقوق المرأة هي من حقوق الإنسان، هي شعارات تستخدم للاستهلاك المحلي ومن باب المزايدات من جميع الأطراف، ولن يوقف الاعتداءات والانتهاكات التي تتعرض لها المرأة، وان ذلك نابع أيضا من أن المرأة الفلسطينية شأنها شان باقي فئات المجتمع الفلسطيني التي يتم الاعتداء على حقوقهم وحرياتها الأساسية التي يتغنى بها الجميع.
التصريحات التي صدرت من بعض المسؤولين في الحكومة المقالة حول فرض الجلباب على طالبات المدارس في المرحلتين الإعدادية والثانوية من بداية العام الدراسي الحالي، ينسجم مع ما قامت به وزارة الأوقاف والشؤون الدينية من حملة لتعميم "الفضيلة ومحاربة الإساءة للآداب العامة"، والتي بدأت بتنفيذها نهاية الشهر الماضي وما رافقها من تعدي على الحريات الخاصة للمرأة الفلسطينية، وكأن الرذيلة منتشرة في المجتمع الفلسطيني في قطاع غزة.
ومع الأنباء غير المؤكدة عن تراجع الحكومة المقالة عن القرار الذي صدر عن مجلس العدل الأعلى الذي شكلته حكومة حماس، وموقع من رئيس المحكمة العليا بفرض الجلباب وغطاء الرأس على المحاميات المترافعات أمام المحاكم في قطاع غزة، دليل أخر على التخبط في إدارة شؤون الناس، وعدم وضوح الرؤية فيما يتعلق بالحريات العامة والخاصة التي تحط من حقوق المرأة وكرامتها، ومحاولة منها للسيطرة على المجتمع، وكأن الناس كلهم على رأي واحد.
وعلى رغم نفي الحكومة المقالة اتخاذها جملة من القرارات تحد من الحريات العامة والخاصة، خاصة القرار الذي اتخذ بفرض الجلباب على الطالبات في المرحلتين الإعدادية والثانوية، والادعاء أن ذلك نابع من اجتهاد بعض المدراء والمديرات في تعليم مدينة غزة ومدارسها، والذي لا يزال يثير حال من الجدل والنقاش الصامت بين المواطنين بين مؤيد ومعارض.
رغم أن المسؤولية في ما يجري من التعدي على الحريات العامة والخاصة، والمتعلقة بالمرأة يتحملها كل مكونات الشعب الفلسطيني، وعلى رأسها السلطة الفلسطينية وحركة فتح، عندما سمحت للموظفين العموميين خاصة المعلمين في المدارس الحكومية بالتمادي في الإضراب الفاشل، والاستنكاف عن العمل، ما سمح لحركة حماس في الإنفراد في المجتمع في قطاع غزة وفرض رؤيتها.
والفصائل الفلسطينية تتحمل المسؤولية أيضاً في عدم التصدي للتعدي على الحريات العامة، وتركت مؤسسات المجتمع المدني تتصدى للانتهاكات التي يتعرض لها المواطنون وحدها، واكتفت تلك الفصائل بإطلاق الشعارات الرنانة التي تطلقها من دون تحرك فعلي على الأرض وفتح باب الحوار والنقاش مع حركة حماس، والتصدي لها من فرض رؤيتها على المجتمع.
في النهاية، إن التعدي على الحريات العامة والخاصة المتعلقة بالمرأة لا يأتي من خلال الشك والشبهة والسماح لمجموعات لا تمتلك الصفة القانونية وبحجة فرض حملة الفضيلة الذي لا تتحقق أبدا بالفرض وبالمنع والقهر وإنما بالتربية والقدوة والإرادة.
الشعارات الرنانة المنادية بحقوق المرأة، يجب أن تكون شعارات حقيقية تعتبر المرأة إنسانا له إرادة أخلاقية وكرامة وشخصية مستقلة، والاعتراف بحقوقها التى أقرها الإسلام، ويجب منح المرأة الثقة الكاملة واحترامها، وإعطائها فرصة كاملة فى التعليم والعمل والمساواة في جميع الحقوق، وإنهاء حال الانقسام وتوحيد الصف الوطني بناء على ما ينص عليه الدستور الفلسطيني، حينها ستتحقق الفضيلة في المجتمع الفلسطيني .
4/9/2009
Mustafamm2001@yahoo.com