(غني اكثر ... لنصدق ان على مثل هذه الارض المجبوله بالجريمه شيئا يستحق الحياة )
في الزمن العراقي الأول كان العاشقٌ يٌسمى تموز حينما يصِلٌ الى مرحلة الهيام والولة والوجد وهي أعلى درجات الحب , وها هي فريد محمد علي تتفرد بغناءها وبصوتها الذي يمتلك سحر البنفسج والياسمين هذا الصوت المعبأ بلثغة العراق وحنينه... يعلمنا صوتها كيف نعشق الوطن و نتذوق الحياة والحب والحزن والحرية والجمال , يجعلنا نغامر برعشة الحنين بلا الم... ومثلما تموز شهر الولادة العراقي يحتضن قلوبنا المفعمة بالضوء تهبط علينا الفريدة كما لو انها نجمة متلئلئه في ليلة مقمرة تستنهض احلامنا حيث يمتد صوتها ويمتد ليصل , الى عشتار .. فتوقض عشتار من سباتها فيكتسي العراق لونا من الفرح والامل والخصب والنماء , اقول بحق لقد استطاع صوتها ان يهزم الوحش خمبابا الساكن في غابة الظلام . الفريدة القادمة من بوابة عشتار وتموز.. الساكنه في الف ليلة وليلة النائمة على الحافات المضيئة لدجلة والفرات ابنة كلكامش وارنمو واور واربلو ولكش وبابل وسومر والفرابي وابنة الرازي وجابر ابن حيان الكوفي والواسطي والحلاج ابنة مم موزين وكاوة الحداد , الفريدة وان شئتم فهي المدهشه والهادئة التي اشبهها بالقديسة التي اعادت لنا جذوة الاتصال بالتراث وعمقه وكانت بحق سفيرة الاغنية العراقية بكل الوانها الاصيلة فالدور الرئيس في عمليه الابداع تنطلق من جذوة الانسانيه فيها ,
لقد بهرتي هذه الفنانة ببساطتها , انها تنثر الجمال بين تفاصيلها الصغيرة الكامنه في ما هو يومي وحياتي وبهرتني اكثر في انها مصرة ومصممة على ان تمسك خيط الحاضر والماضي .. ففي داخل هذه الفنانه يعيش مجموعه من الفنانين وفريده هي الفنانة التي دربت وعلمت الكثير من المطربين والفنانين على البحث عن المختلف والمتميز في عالم الاغراء والسرعه والاضواء , لقد ادمنت فريدة الغناء بأعتباره محاولة اكتشاف نفسها في الاخر وباعتباره قيمة حضارية وفنية تعبر عن عواطف الناس وتطلعاتهم وخلجاتهم واشراقاتهم واحباطاتهم فوقفت في الصف الاول من مغنيات المقام العراقي ذوات التأثير الجماهيري أمثال: صديقة الملاية، وسليمة مراد، وسلطانة يوسف، وزهور حسين، ومائدة نزهت، وسحر طه.
يقول ماركيز كل عمل يحمل حقيقة ما في داخله والفنانه فريدة ترجمت احلامنا كتعويض معادل لاحتراقاتنا الانسانية ووجعنا الازلي فحين تجالسها فانك قد هيأت نفسك سلفا لان تكون في محراب الدهشه منتشيا ومغسولا بالمطر واللهفه , ايتها الفنانه والزيزفونة العراقية تتصاعد لديك العفوية والفن وتتصاعد عندي اللغة وما بين اللغة والعفوية يجلس محمد كمر بعوده وهو يمسك هذا الجسد الوتري الذي يصبح طيعا كلما كان معه حنينا فتارة يأن وتارة اخرى يعوي وتارة يسامره بحنان فيمتثل بين يديه لينسكب اللحن منه كفضاء هلامي او كخيط فضي هابط من القمر .. فريدة تسامر الليل بصوتها ومحمد تقاسيمه توغل في اقاصي الجرح فنمتزج مع اللحن والصوت حتى نصبح كلمة , صوتا, شيئا يجمعهم بنا .
رياض الفرطوسي/ أمستردام