شدَّتني حربه المتواصلة وهو يتقدم نحوي، كأنه يتقدم في معركة يخوضها جيش جرار...
ربما ما عشناه في الوطن العربي جعلنا نعيش في نزاعات مستمرة حتى ونحن نحاول ان نفتش عن الحبّ. أقول ربما!..
تقبّلت الأمر برحابة صدر وقد نذرت الروح له ومشيت في درب الرهبنة الطويل حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا..
فتحت الأبواب على مصاريعها لأدرك أي سرّ يُريد هذا؟؟! وأيّ سر يحمله في نفسه وهو ابن بلد بار ونحن في وطن واحد، أيظن نفسه في المخيمات؟!.. ام يظن ان اليهود خلفه يستميتون؟!...
تبعثرت الأحلام وشعرت باليأس مرات عديدة وأنا أرى العتمة التي يعيش فيها لكنها عتمة مفروضة عليه، كما هي مفروضة على أبناء شعب عاشوا في الأنفاق ومنهم من مات فيها، ربما صراع الحياة أحياناً يشبه قصة حبّ نعيشها، إما نعيشها حزناً وألماً، وإما ان نعيشها بفرح لا ينتهي وهذا شبه مستحيل...
كنت أسحبه نحو النور ويسحبني نحو عتمة مظلمة، كنت أشعر أحياناً أنني في ظلمة لا أرى فيها شيئاً حتى بالبصيرة!.. كنت أتغابى في أمور كثيرة فأترك بعضاً من قطرات الحبّ التي تدغدغ أفئدتنا أحياناً بحبّ محفوظ بأمن الله..
رأيت الهلال الأسود خلف رأسه وهي علامة تُرعبني في رؤية أذهلتني، ربما هو الجنون!... وربما هي بصيرة!... أحياناً نرى فيها ما يُسعدنا وما يُحزننا...
أرادها ثورة لا تنتهي وتمنّى لو كان المحارب في قلبي الصغير لكنه ثوري مغرور جعلني أخوض الحرب معه مكرهة، فكان صمتي أحياناً بلاغة ووعياً وأحياناً صمتاً عاجزاً مكبوتاً وأنا أراه يلتحف بالرياء كي يصل لنهاية الثورة بما تُلجلج به نفسه إكراماً له!.. تركته يخوض بأوهامه...
حبّ مجنون ام رحلة حبّ أخوضها مكرهة وأستعين بمنظار أرى فيه أديم النفوس الضائعة وإن بدت لي بمكنونها الرمادي حاولت ان لا أخوض لعبة الكلمات جاهدت نفسي إكراماً لطهارة حبّ أنعم به الله ربنا علينا وهو الذي أحبّنا فأحببناه فأحببنا بعضنا بعضاً بمحبة تجعلنا نغتسل من أدران أنفسنا ولكن تركته يخوض ويلعب كما يشاء...
تساءلت: هل يدعي الحبّ زيفاً؟!.. أم أنني اقتربت من شيخوخة جعلتني لا أدرك سريرة بعض النفوس فعلاً؟!...
كنت أصمت بوعي أحياناً كي أستفز مشاعره الخبيثة كي تُظهر أدعياء الحبّ الملتحفين بالرياء مَنْ يرمون المحصّنات بسيئ القول والفعل، ربما زيف مشاعرهم وربما ليسوا رجالاً بما يكفي ليكونوا مُتزنين محافظين على أمهم حواء، فالصمت يظنه البعض عجزاً إنما هو صمت بليغ واع أنيق فيكون عجزهم بكلمات تتوالى وردود أفعال تزحف نحوك كالثعبان السام الذي يتلوى كالهلال الأسود.
ربما رأيت ذلك الهلال الأسود خلف رأسه وأنا مُبصرة في نومي ذاك الرأس المشيب الأبيض لينقض على يدي، فيلدغني لدغة شعرت بقسوتها وأنا أصرخ من وجع حين فتحت عيني لأرى ضوء النهار قد انبلج من رؤية في عتمة دامسة...
كان زهر الأمل يتألق بين تحايا كلماتي فأشعر ببريق الحياة، رغم فقداني لحبّ حقيقي يحملني نحو بريق النجوم لكن رعود كلماته التي لم تخل من شتائم أحياناً والتي كانت تدلني على ان المؤمن ليس سفيهاً ولا غليظاً في قول!...
كم من مرة زحف اليأس إليّ وغصات القلب الغافلة عما هو مخفي في نفوس غريبة!...
كلّمني مرات ومرات وهو يحاول ان يسحب مفردات تجعله يفتخر بها كي يزرع علم الانتصار على أرض أنثى ليست بأنثاه، لكن في كل مرة كنت أجد نافذة ضوء أرى فيها بعض الأمل...
لا أدري كيف استدار ورأيت الهلال الأسود خلف رأسه، فتذكرت الثعبان... ارتجف جسدي وتسرب الخوف لروحي لكن قلت في نفسي لربما هو الوهم ما رأيته.
إن حبّاً لا يولّد روحاً وفكراً وذوقاً مرافقاً للحظات صدق علينا ان لا نكترث به، فكلماته المزيفة لم تكن لتنشغل بها نفس عاقلة مطمئنة إنما حاولت ان أتأمل روحاً مثقلة بالسموم والنزاعات، فكانت حرباً وهمية أصابتني بالحزن والتشنج... فما الحبّ في النفوس إلاّ دخان عابر يمضي كما السحاب في مروج تلوّن الحياة بألوان الأكاذيب، وما القلب الصادق النابض إلاّ روح تشعشع في وديان أحداقنا فننعم بالمسرة..
من أدمع الندم!.. من صوت الضمير!.. من ليل يُحاكي فجور الصباح!.. من عتمة تزيح الستار عن ضوء عتمة يخترق طهارة النور!.. اجتازني النسيان بعد أن قرأت رسائله من قدح وذم واستهتار بكلمات عصيّة على قلم بين يدي مَنْ هم ليسوا برجال إنما أطفال في ساحات اللغة يلعبون بحروف بذيئة لا تخرج من قلوب طهورة، فكيف لا يكون صمتي زهداً في حياة أصابتني بالسكتة الكلامية، فكانت حربه خاسرة بعد ان ساقني لساحة النزال وقد خرجت منها بجراح روح أشعلتُ فيها بخوراً لتمتلئ برداً وسلاماً....
بقلم ضحى عبدالرؤوف المل