الهنود الحمر تراث مسكون بعشق الطبيعة

2011-09-08

لنحفر في ذاكرتنا أبداً
عشقنا لامنا الأرض التي وهبتنا من نباتها صحةًً وعلاجاً
لنحفر في ذاكرتنا أبداً
شكرنا لبنات أعمامنا الجداول والأنهار والبحيرات لأنهن جُدْنا علينا
بالأسماك ومن خيراتهن وهبْنَنا نبات
لنح//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/a5293a06-7067-4537-9211-7ccedf4c9a26.jpeg فر في ذاكرتنا أبداً
امتناننا لإخوتنا الحيوانات، الحشرات، والطيور لأنهم اضفوا على حياتنا
صحة وجمال
لنحفر في ذاكرتنا ابداً
حبنا لجدتنا القمرالتي منها نستمد معرفة أحسن الأوقات لغرس البذور في الأرض
لنحفر في ذاكرتنا ابداً
تقديرنا لإخونا الأكبر الشمس الذي يسند الأرض ويدفؤها
لنحفر في ذاكرتنا ابداً
احترامنا لأجدادنا العواصف والرياح حين تهب من الجهات الأربع لتجدد
الطبيعة وتلبسها حلة جديدة
لنحفر في ذاكرتنا أبداً
ولاءَنا لأبناء عمومتنا النجوم لأنهم يمدوننا بالقوة والمعرفة حين نرغب

ذاكرةٌ حيةٌ نابضة


هذه المعاني كانت تعبئ اغاني الهنود الحمر واشعارهم وشعاراتهم، التي زينت المكان الذي كان مسرحاً لمفردات حياتهم التقليدية التي ميزتهم منذ ازمان موغلة بالقدم، والمكان يقع في مركز مدينة مونتريال حيث أقام الهنود الحمر اسبوعهم التراثي فزينوه بخيامهم ذات الاشكال والالوان الغريبة الخاصة، وبضائعهم اليدوية البسيطة كأدوات الصيد والزوارق الخشبية الصغيرة والسلال المصنوعة من الحشائش والاحراش، والحلي من الحصى والاحجار وجلود وعظام الحيوانات، والادوات الموسيقية من الخشب والقصب، والملابس المصنوعة من جلود وفراء الحيوانات .


من//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/f077f9ed-8444-4632-bd14-5b414df80545.jpeg ريش الطيور وقايةٌ وعلاج


ولريش الطيور حضور قوي وملفت في زينتهم وديكور سكنهم، فهو تارة غطاء يوضع حول الجبين يصل الى الخصر، ويلبس في بعض الطقوس والمناسبات، او قد يكون من ريشة واحدة او ريشتين مربوطة بشريط جلدي يوضع حول الرأس ويلبس في الأوقات الاعتيادية، وتارة  يُشَكلْ الريش اشكال تعلق على الجدران والغرض منها طرد الأرواح الشريرة، او لدفع عين الحسد، أو لجلب السعادة والحظ، وذلك حسب ألوانها وأنواع الطيور التي اخذت منها، ومن الريش ايضاً تصنع مراوح لإشعال النار.

 وللهنود الحمر ايضاً مهارات ومواهب فطرية في النحت الذي غالباً ما يكون من الخشب، وصناعة الاقنعة المرصعة بالحصى والعظام والتي تمثل القمر او الشمس أو الذرة، وكذلك الرسم الملون بألوان النبات الصارخة .
وفي ارجاء المكان تنتشر رائحة السمك الذي هو طعامهم الاساسي والمقدس، حيث يطبخ على النار المنبعثة من جذوع الأشجار المشتعلة، وفي اعتقادهم ان الذي يستحق اكل وجبة السمك هو من يقدم عملا نافعا، كقطع الخشب او حفره وتجويفه ليكون صالحاً لحفظ الأشياء او اي عمل نافع يمكن اتمامه قبل نضج السمك ..

رقصات الهنود الحمر عنيفة ومعبرة عن احداث حياتهم وقليل منهم يعرف سر تلك الرقصات، اغانيهم قصص وأساطير يزخر بها عالمهم المتوحد مع الطبيعة، وفنونهم ترجمة لمعتقداتهم البدائية المتناغمة مع محيطهم والمسخَّرة للسيطرة على مخاوفهم من الأرواح الشريرة


 هم يرقصون للشمس ، للقمر وللنجوم

//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/f1eb370e-c7d2-45db-bd73-80012d8726bc.jpeg

 كان الهنود الحمر يعبدون مظاهر الطبيعة كالرياح والبرق والرعد، كما كانوا يقدسون الكواكب والنجوم - خاصة الشمس- و يقيمون لها الاحتفالات الصاخبة ويؤدون لها الرقصات العنيفة، كي تمنحهم الحياة الطويلة والسعادة.

وكان من عادة الهنود الحمر أن يقوم عدد منهم - من المشهورون بالحكمة ورجاحة العقل - بالبقاء عدة أيام دون أكل أو شرب في بقعة منعزلة في العراء وهم يرتدون أثوابا مزركشة، ويمارسون الطقوس حسب معتقداتهم، التي تشمل التلويح بالرماح التي يعلوها الريش الملون وإشعال النيران في حزم الخشب، والتحكم في الدخان المتصاعد ليبعث رسالة إلى الفضاء.

وخلال هذه الفترة يدّعي الهنود الحمر أنهم يشاهدون "رؤى" غريبة عن المستقبل، والشخص الذي يمكنه مشاهدة العديد من هذه الرؤى يطلق عليه "رجل الشفاء". وهكذا يعمل كطبيب لشفاء المرضى أو يقوم بممارسة الطقوس عند وفاة أحد الأشخاص.

و تستمر"رقصة الشمس" ثلاثة أيام ويتبارى فيها الشباب والشيوخ، للتحديق في الشمس لأطول فترة ممكنة، كما يتخلل هذه الأيام تدريب الصغار على ركوب الحيوانات الصغيرة كالخراف، تمهيدا لتدريبهم عندما يصبحون شبابا على ركوب الخيل التي تعد وسيلة مواصلاتهم الرئيسية.

يوم جديد

احدى الرقصات التي اعتادت ممارستها بعض قبائل الهنود الحمر هي رقصة الفجر المستقاة من حوارية طائر (الديك الرومي) التي يمارسها مع كل فجر.. تلك النقنقات والاستشعارات التي تمارسها هذه الطيور استوقفت روح الهنود الحمر وتقمصوا من خلال هذه الرقصة التشكيل الجسدي للطائر والبعد الوجداني لهذا التشكيل وكيفية استقبال هذه الكائنات لاسارير الصباح... الاداء بهذه الرقصة يعتمد على الايقاع الحركي والتشكيل الجسدي لهذا الطائر وحركاته العشوائية في تلمس اقرانه والتباعد عنهم ليستنبط من هذه الحوارية ان هذه الروح التي ركدت خلال ظلمة الليل تعيد استنهاض قوامها وضبط ايقاعها مع هذا الفجر الجديد.


وللنسر الطائر ايضاً رقصته

النسر من أبرز الكائنات التي اثرت الهوية الثقافية لدى الهنود الحمر وفي رقصتهم هذه يقف الراقص الذي يكتسي بريش النسر مشكلا الجناحين والذيل في حالة الانكماش وكأنه جنين يندثر في رحم الطبيعة, وبعد ان تقوم آلة (الفلوت) الخشبية النفخية بتهيئة الاجواء للتحليق الروحي تأتي الايقاعات المتصاعدة بتركيبتها الزمنية لاستنهاض هذا الكائن من رحم الطبيعة الام للتحليق بحرية في مدار تلك الحلقة, الوقار والاتزان هو سمة الاداء في هذه الرقصة والحرية والقوة والصفاء الذهني هي الرمزية الجلية التي تحملها هذه الرقصة التي يرافقها صيحات تهليل لعظمة ورونق هذا الكائن المحلق.

 

 رقصة الغابة وتقديس الطبيعة

هذه الرقصة النسائية تحمل وراءها اسطورة تعبر عن جمالية تعايش الهنود الحمر مع الطبيعة ودورتها. و//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/b82dc6da-5f66-4f2a-8557-90d801dd6cb3.jpeg الاسطورة هي عن طفلة اصابها المرض وتوافد عليها رجال الطب او (الشامان) من كافة القبائل المجاورة لعلاجها لكن المرض ظل يلازمها ولم يبقى سوى انتظار يوم رحيل هذه الطفلة الى العالم الآخر. لكن (الروح العظيمة) وفقا للاسطورة حملت الى جد الطفلة رؤية في منامه, ومع اطلالة الفجر خرج (الجد) لتنفيذ ما املته عليه (الروح العظيمة) عبر تلك الرؤية، وهام الجد في الغابات لالتقاط عظام الطيور النافقة ومن ثم عكف على تحضير ثوب من هذه العظام وألبسة لحفيدته التي استيقظت في صباح اليوم التالي بكامل عافيتها. دلالة الاسطورة تكمن في علاقة الهنود الحمر مع الكائنات، وايمانهم بأن عظام الكائنات تحمل في داخلها قوة الروح التي سكنت الكائنات قبل موتها.

 

بحثاً عن الحرية والسلام

ال//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/f61875d3-69cd-4723-aa96-adeca0eff8c1.jpeg هنود الحمر هم السكان الاصليين لكندا، لكنهم بعد الغزو الاوربي والسيطرة على المنطقة اختاروا حريتهم فابتعدوا عن المدن وعن سلطة الحاكمين وفضلوا العيش في المناطق المحيطة بالانهار والبحيرات، ففي مقاطعة كيوبيك سكنوا الغابات المحيطة بالسواحل الشمالية لنهر سانت لورنت، وحول بحيرة سانت جون، وهم قبائل متعددة، ثمانية منها تعيش في مقاطعة كيوبيك وهم قبيلة أبيناكي، الكونكوان، أرض الشمس، أرض القمر، ميكماك، وناسكابي، ومعاني اسماءها مستمدة من الطبيعة ومن قوى السيطرة على الأرواح الشريرة، لغاتهم متنوعة والكثير منهم لم يعد يتكلمها أو يمزجها مع اللغة الإنكليزية والفرنسية، لكنهم مع ذلك جعلوا ذاكرتهم حية نابضة بعاداتهم وتقاليدهم وبالرغم من ان مناطقهم تحولت الى مناطق جذب للسواح لكنهم لا زالوا يكنون الإحترام والقدسية للبيئة والتقاليد والاعراف، وانهم لازالوا يؤمنون بانهم عن طريق حرق اعشابهم - التي يعرفون اسرارها - في مقاطع من الشجر المحفور، مصاحبة بصلاتهم الخاصة، يمكنهم من دخانها الذي يحركونه بمراوح من الريش ان ياتوك بالخير، او الشر، ان ارادوا، وبالوانهم التي يخططون بها وجوههم واقنعتهم، مصاحبة برقصاتهم ذات الحركات والايماءات الخاصة ان يعبروا عن مشاعرهم تجاه الطبيعة، اوينقلوا رسالة للشمس او القمر او الرياح، وربما الرجاء الى السماء لتلطف بهم ولا تسلط عليهم قسوتها .

الم//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/a5691fb8-b0ff-4a25-b86f-1da20ea5e987.jpeg وسيقى.. الغناء.. الرقص ثالوثهم لكشف غموض الطبيعة

استوطن الهنود المنطقة التي سميت امريكا وكندا، في اواخر العصر الجليدي قبل قرابة خمسة عشر الف عام, واوغلوا في بنائهم الحضاري الذي كشفت الدراسات المتخصصة الكثير من أسراره وغموضه، وهذه الضبابية في معرفة حيثيات حضارتهم تعزى لانعزال هذه البنية الحضارية جغرافياً عن الشق الآخر من العالم، ولالقاء موجوداتهم في البحيرات كقربان تتطلبه الطقوس 


والآن لم يبق منهم سوى تلك الافلام المعلبة على ارفف الانتاج الهوليودي الذي أهدتهم اياها حضارة (الانجلوسكسوني) ووضعتهم في خانة البدائية والهمجية... انهم (الهنود الحمر) الشعب الذي مورس في حقه أبشع جرائم (الفناء العرقي) في التاريخ الانساني,


فالهنود الحمر مازالوا يعيشون على ارض امريكا وكندا ويتكلمون لغتهم الأم بتعدد منابعها ولهجاتها, ومازالوا يعرّفون انفسهم بإنتماءاتهم القبلية, كقبيلة (السو) و(الشين) و(الجومبي) ويمارسون طقوسهم ويعتنقون معتقداتهم الروحية ويطلقون تلك الاسماء المستقاة من الطبيعة وانصهارهم معها... (النسر الجيد) , (السحابة الحمراء) , (راقص الاعشاب) ...

طبول وغناء جماعي

//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/805ce352-db3f-4e02-ab9e-e0689ecb194e.jpeg

آلتهم الموسيقية الرئيسية هي الطبل... المصنوع من احشاء الحيوانات والايقاعات البدائية في تركيبها الزمني, والعميقة بحسها المفعم بنبض البناء الجماعي للمجتمعات الهندية الحمراء، اما الغناء الجماعي الذي يتبع الصوت الرئيسي (راقص الاعشاب) فهو يمتاز بطبقات تستدعي قدرات صوتية خاصة فهي قريبة الى القرارولكن بحدية السبرانو الامر الذي يتطلب جهدا كبيرا من المؤدي... وهذه الطبقات الصوتية هي مناغاة لأصوات الحيوانات والطيور احدى اهم عوامل التركيبة الحياتية لمجتمع الهنود الحمر. ومن البديهي ان يكون الغناء والموسيقى  جزءاً اساسياً من المشهد الثقافي لاي مجتمع بشري لكن الامر يبدو مختلفا عند الهنود الحمر.. فثالوث، الغناء، الموسيقى والرقص، هو الوقود الذي تُمارَسْ من خلاله كافة طقوس الحياة اليومية... هذه الفنون بالنسبة للهنود الحمر ليست ترفا روحيا او فكريا فحسب بل هي اساس تبنى عليه علاقتهم مع البيئة المحيطة ومن خلاله يكتشفون الطبيعة ويكتسبون تفاعلهم الوثيق معها مما يمنحهم البقاء والاندماج في المنظومة الكونية. وبلغة اخرى ان الموسيقى والغناء والرقص هم مفاتيح الهنود الحمر للتعرف على المتغيرات المحيطة والمؤثرة على تركيبتهم الاجتماعية ونسج علاقة مع هذه العوامل التي تشكل عالمهم.

معلومات

* يبلغ عدد الهنود الحمر الآن 4.1 مليون نسمة، يمثّلون فقط 1.5% من إجمالي تعداد السكان في الولايات المتحدة.. وينقسمون إلى 556 قبيلة معترف بها فدراليا.. لان هنالك قبائل لم يعترف بها الأمريكان..

* يقول تقرير نشر في مجلة هاي - الأمريكية - مايو 2004 أنه من بين كل أربع قبائل تعيش قبيلة واحدة بأكملها في فقر... ويعيش أكثر من نصف مليون منهم في محميات مستقلة" وتفسر المجلة هذا الاسم الذي يطلق على أماكن تجمعهم -  أنها:

"عبارة عن مساحات من الأرض  خارج المدن أَرْغَمت حكومة الولايات المتحدة هذه القبائل على الانتقال والعيش فيها قبل أكثر من قرن من الزمان"

من اشعارهم


أضعت كلامي
الكلام الذي أخذتَه بعيداً
عندما كنتُ طفلة صغيرة
في مدرستي "شبنكادي".

 

أنا أتكلم مثلكَ أفكر مثلكَ
أبدع مثلك،
الحكاية الروائية الشعرية، عن كلمتي.

بطريقتين أتكلم
أقول بكلا الاسلوبين
طريقتكَ هي الأكثر سيطرة.

بمنتهى اللطف أمدّ يدي وأسأل،
دعني أعثر على كلامي
كي أستطيع أن أعلّمكَ عني. ..

 

إنها تتحدث عن الفردوس
وضيوف الملائكة
إنها تتحدث عن الـ "نيسكام"
والروح المقدسة.
تتحدث بمنتهى التدين
عن الأخوة في الإنسانية
وعندما يتطلب الموقف منها أن تجلس إلى جانبي،
فإنها تقف.
* * * 



 


 

عالية كريم

رئيسة تحرير "معكم"

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved