واحسرتاه ، كيف أكون عديم اللون وبلا أثر
كيف يمكنك أن تتصورني كما أنا ؟

(جلال الدين الرومى)

فى ظل غياب تقليد مستمر للفنون المرئية، فإن بحث الرسام الإيراني عن لغة بصرية معاصرة يؤدي حتما إلى البحث عن الماضي الخاص بالمرء . ونتيجة لذلك ، تحل الخبرة الذاتية محل التراث الفني.

تمثل سلسلة الحنين الى الوطن - آخر مجموعة لرضا دوست - خطوات لبحث الفنان عن لغة مرئية معبرة عن الذات ، والبحث حتى يومنا هذا يشير إلى الأزمة الرئيسية للوحة الإيرانية المعاصرة.

دوست، فنان إيرانى من أصفهان ، تربى وتعلم وسط المجتمع الفنى الإيراني. لقد درس واتقن فن المنمنمات الكلاسيكي الفارسي بجانب عمله مع خلال أوساط إيرانية فنية تركز على الأساليب الفنية المعاصرة. وأدى رسمه من خلال هاتين المدرستين المتناقضتين إلى إنتاج مجموعة الحنين الى الوطن. وهو اختيار واع للغة الفنية المعاصرة على اللغة الكلاسيكية .

في مجموعة الحنين الى الوطن ، بدأ رضا دوست بصور سوداوية كئيبة، صور مرسومة بسواد متناثر، وهذا اللون يعتبر رمزا للإيرانيين، و الذى هو نقطة الانطلاق لدوست. إن هذا السواد المهمين هو بالضبط ما يحاول دوست الهرب منه.

إنه الليل
نعم الليل
(ن. يوشيج)

ولكن عند محاولته الهرب من النغمة المسيطرة، اكتشف الزرقة انطلاقا من الواقع. الزرقة الفارسية هذا اللون القديم الغامض الذى يغطى سيراميك أصفهان، رمز النقاء والتحرر. حين يلجأ الرسام في زاوية من لوحاته إلى أن يتنفس الصعداء.

يا حب
يا حب
اللون الأزرق بوجهك غير مرئي
(أ‌. شاملوه)

أولئك الذين تابعوا أعمال دوست عن كثب ، أدركوا عملية الإحباط الطويلة التي أصابته ليسمح بالظهور التدريجي لبعض الظلال والألوان - وعلى مراحل لاحقة - الظهور الكامل في درجات مكثفة للون إلى أن أخذ سيطرته الكاملة . وجنون كهذا للفنان شكل هروبى، يعكس صراع الفنان بين الماضي والحاضر كترميزات أسلوبية.
الحنين الى الوطن هو مجموعة من المحاولات لتوازن هذه العملية دون الاستسلام كليا لأى منها. وبالرغم من أن الفنان يطمح الى أن يصل إلى أسلوب يمثل ذاته، فهو مخلص لموضوعه. وهناك شىء لديه يقوله ، شىء وراء السرد ، و أبعد من مجرد بيان اجتماعي : مشهد مظلم و مروع للطبيعة ، مما يذكرنا بماضى الفنان .

إن التمثيل البصري الحقيقي كما يصوره دوست لواقع الحال للطبيعة الايرانية يظهر كلحظات خفية من بين الفن المعاصر ككابوس جمعي لواقع الحال. المشهد مروع ، ولكنه مع ذلك شاعري.

حديقة بلا أوراق ،
من الذي قال إنها ليست برائعة؟
إنها تروي قصصا من شجر الفواكة الواصل للسماء،
الآن مدفون في نعش الغبار أدناه.
(م. اخافان)

ولقد تم رسم الحنين الى الوطن بكاملها خلال إقامة الفنان خارج الوطن من 1996 حتى الوقت الحالى. وعلى الرغم من ذلك ينبغى للمرء ألا يعتقد أن المجموعة مجرد وصف لأحاسيس الفنان كونه بعيدا عن الوطن.

عند النظر الى أعمال دوست ، لا مناص من التذكير من أين ياتي . فالفضاء التاريخي، لا يمكن وصفه كموقع جغرافي أو تسلسل زمني للأحداث، وإنما كمجموعة من الخبرات البشرية الجماعية مصاغة على اللوحة.

انا من كاشان ، ولكن
مدينتى ليست مدينة كاشان
مدينتي ضائعة
لقد بنيت بيتا مع الحب والغبار
على الجانب الآخر من الليل.
(س. سبهرى)

الممرات الضيقة ، وأشجار جرداء ، ونوافذ مفتوحة لبعض المناظر الطبيعية، مثل الظل - أشكال تواجه الجدران والأبواب ، ومنازل ، اعوجاج بالسقوف ، زنزانات ، ذكور يحتضنون الأسلحة ، وبكاء المشيعين في قاعات مظلمة ، أجزاء من الجسم البشري معلقة على الجدران، رجال يرقدون على ظهورهم، النوافذ المقوسة فى منزل قديم ، شواهد القبور ، وأبواب تفتح على أبواب أخرى ، الجميع مترابط ، يأخذنا الى رحلة حيث يسود السواد.

أتحدث عن الحد الاقصى من الليل
أتحدث عن الحد الأقصى من الظلام
والحد الاقصى لليلة
(ف.فاروخزاد)

إن محاولة رضا دوست لعدم تجميل المنظر المفزع "الحقيقة " عن طريق إعطاء صوت للصور الخافتة الخفية قد تؤدي الى إعادة بناء جمالياته الخاصة : الجمالية من الظلال.

"في الحياة هناك بعض المصائب ، مثل القرحة ، تقضم في الروح في عزلة وتمحوها. سأحاول إلقاء كل ما أتذكر، أيا كان بقي في ذاكرتي عن العلاقات التى تربط بين الأحداث التي وقعت. ربما يمكنني أن اتخذ قرارا عاما حول هذا الموضوع. لا، أريد فقط أن أكون على يقين ، أو أيضا أن أصدقه بنفسى. إنى أكتب فقط لظلي المطروح على الحائط أمام الضوء... يجب أن أقدم نفسى له."

البومة العمياء (س هدايت)

إن الحنين إلى الوطن هو لاشىء سوى مواجهة ظلال خاصة بشخص ما فى لوحة.