يعتبر تعاطي المخدرات أو الإدمان عليها من أهم الأسباب التي تساعد في انتشار الأمراض والاضطرابات النفسية . فهنالك علاقة وثيقة ومتبادلة بين الإدمان على المخدرات والأمراض النفسية ، فالمخدرات تسبب ظهور كثير من الأمراض النفسية، والأمراض النفسية يمكنها أن تؤدي بصاحبها إلى تعاطي المخدرات. والاضطرابات أو الأمراض النفسية التي تسببها المخدرات كثيرة من أبرزها الاضطرابات الذهانية المصحوبة بأوهام وضلالات وهلاوس، واضطرابات المزاج خاصة اضطرابات المزاج الاكتئابي، واضطرابات القلق، واضطرابات النوم، وحالات الهذيان والخلط وحالات العته العضوي وخلل الوظيفة الجنسية الناتج عن تعاطي الكحول.
ويمكن الكشف عن ذلك عن طريق التشخيص المزدوج الذي يعنى بعلاج إدمان المخدرات المصحوب باضطرابات نفسية بمعنى أن يكون هناك اضطرابا نفسيا وغالباً ما يكون هذا الاضطراب ذهانياً مع تعاطي مواد مخدرة أو الإدمان عليها، وعادة ما تكون أعراض الاضطراب مزمنة وشديدة، لذلك تتطلب هذه الحالات علاجاً دوائياً مكثفاً وبرامج علاجية قد تختلف عن البرامج العلاجية المتعارف عليها في علاج الإدمان أو علاج الأمراض النفسية.
هذا وقد يجهل البعض هذه العلاقة بين الاضطرابات النفسية والاضطرابات الادمانية التي صنفت على أنها احد فروع الاضطرابات النفسية، وان وجود اضطراب نفسي لدى الفرد قد يؤدي إلى تعاطي احد أنواع المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية . ومن الأمثلة التي تعكس ذلك وتثبته تعاطي الكحول من قبل الاشخاص الذين يعانون من المخاوف الاجتماعية، أو قيام بعض الطلاب بتعاطي حبوب الكبتاجون عند المذاكرة لخفض اضطراب القلق خاصة فترة الامتحانات.
وقد أثبتت الكثير من الدراسات الحديثة انه عند تعاطي أي مادة من المواد المخدرة والمؤثرات العقلية فان نسبة وجود احد الاضطرابات النفسية يرتفع، فمثلا نسبة اضطراب الفصام لدى الأفراد العاديين تكون 1% ولكنها ترتفع إلى 30% عند تعاطي المواد المخدرة أو الإدمان عليها. فالاضطرابات النفسية والادمانية وجهان لعملة واحدة، وفي التشخيص الحديث الأمريكي للاضطرابات النفسية Dsm لا يمكن تشخيص الحالة بأي نوع من الاضطرابات النفسية في حالة وجود تعاطٍ للمواد المخدرة والاضطرابات النفسية.
وفي الآونة الأخيرة يلاحظ أن هناك خلط بين حالات الإدمان التي تصاب باضطرابات نفسية وبين الحالات التي تكون لديها الاضطرابات النفسية فقط.
فعلى سبيل المثال، هناك فرق بين العقاقير المضادة للاكتئاب وحبوب الفرفشة أو الأدوية التي تباع في الأسواق السوداء من قبل تجار المخدرات والتي تؤثر على الناحية المزاجية بطريقة سريعة وتجعل الإنسان يشعر بأحاسيس غير طبيعية من النشوة والهلاوس مثل أقراص L.S.D ، أما العقاقير المضادة للاكتئاب فأنها تحسن المزاج في حالات الاكتئاب فقط ويبدأ عملها بطريقة بطيئة خلال عدة أسابيع وذلك بزيادة نسبة الناقلات العصبية في المخ بطريقة طبيعية .
أما بالنسبة لمرض الفصام مثلا فإن استخدام العقاقير الممنوعة التي تؤدي إلى الإدمان لا تؤدي بالضرورة لمرض الفصام، ولكنها أحيانا تؤدي إلى ظهور أعراض شبيهه لمرض الفصام لدى بعض المتعاطين، ولذلك يظن البعض أن مرضى الفصام يعانون من المرض بسبب تعاطي بعض العقاقير .
هذا وتشير الدلائل الطبية انه إذا كان هناك استعداد مرضي للمرض فان استخدام بعض العقاقير المخدرة مثل الحشيش والبانجو من المحتمل أن تؤدى إلى ظهور نوبة فصامية . وهذه النوبة من الممكن أن تنتهي عند التوقف عن تعاطي تلك المواد ومن الممكن أيضا أن تستمر . لذلك إذا كان هناك تاريخ اسري لمرض الفصام في عائلة المريض فان عليه أن يكون حذرا.
وبهذا الخصوص يتحدث احد المرضى النفسيين عن بداية مرضه فيقول لم أعاني أبدا في فترة الشباب من عمري من أي مرض أو اضطراب نفسي أو غيره، ولكنني في فترة من الفترات رافقت مجموعة من الشباب والذين كانوا يتعاطون المخدرات ومن باب حب الفضول والاكتشاف مع هؤلاء الذين كنت اعتقد أنهم أصدقائي قمت بتجريب المخدرات حيث تناولت نوع من أنواع الحبوب التي كانوا يتبادلونها بينهم، ومن أول حبة تعاطيتها شعرت أنني أصبحت أسيرا لها ولا يمكنني الاستغناء عنها. ولكن بعد فترة من تعاطي المخدرات بدأت أشعر أن لدي هلاوس حيث كنت اسمع اصواتا غريبة وأرى أمورا غريبة أيضا كما أنني بدأت اشك في زوجتي وأبنائي وأتعامل معهم بالضرب والشتائم. وعندما عرف أهلي بالحالة السيئة التي وصلت لها وأنني أتعاطى المخدرات قاموا بنقلي إلى مركز خاص لعلاج وتأهيل المدمنين ومضيت هناك وقتا من اجل العلاج، وبعد فترة من العلاج المكثف استقرت حالتي وشعرت بتحسن وغادرت المركز عائدا إلى منزلي وأسرتي ولكنني فوجئت بأن زوجتي وأبنائي يرفضون استقبالي ونفروا مني بحجة أنني أصبحت مريضا نفسيا وأشكل خطرا على حياتهم فاضطررت إلى العودة الى المخدرات ومجموعة أصدقاء السوء الذين طردوني فيما بعد بسبب عدم توفر المال لدي لشراء المخدرات فتشردت في الشوارع وبدأت أتعرض لعامة الأفراد في الشارع ولجأت إلى السرقة لتوفير المال بأي طريقة حتى قام أحد الأفراد في المنطقة التي كنت فيها بنقلي إلى مركز العلاج. ويضيف قائلا " أشعر الآن بأن حالتي بدأت تتحسن تدريجيا وأرجو من أسرتي أن تتقبلني وتساعدني حتى لا أعود للمخدرات وأتغلب على الأعراض النفسية التي سببتها لي المخدرات"
وفي النهاية يجب على كل أسرة أن تراقب أبنائها وتتحمل مسؤولياتها في تربيتهم التربية الصحية والسليمة وحمايتهم من رفاق السوء والوقوع في تعاطي المخدرات أو الإدمان عليها، وفي حال وجود فرد من أبنائها يتعاطى المخدرات أن تتحمل المسؤولية وتمد يد العون له لعلاجه وعدم التخلي عنه خاصة في الوقت الذي تعتبر فيه العائلة ضرورية جدا بالنسبة له باعتبارها المصدر الأول لدعمه واحتضانه.