المانيا تاريخ مسرحي عريق

2010-05-02

توصف ألمانيا بأنّها "جنّة أوروبا للمسرح" ليس لتعدّد دور المسارح وتنوّعها فيها فحسب وإنّما أيضا لتاريخها العريق في الفن الرّابع. كما تعدّ ألمانيا مهد كبار الفنّانين والكتاب المسرحيين مثل يوهان فولفغانغ غوته وبرتهولت بريشت

 

//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/0279ffa6-7cfb-4c5a-9f97-f27b87d8cf39.jpeg

وحول المسرح وأهميّته الفنية قال المخرج المسرحي الألماني الشّهير ماكس راينهارت ذات مرّة "أؤمن بأزلية المسرح"، مضيفا "أن المسرح يُشكّل ذلك المنفذ الرّوحي لأولائك، الذين أخفوا طفولتهم في حقائب وفرّوا بها ليتمكّنوا من التمثيل على خشبة المسرح، حتّى نهاية العمر." وليس من محض الصّدفة أن يكون للمسرح في ألمانيا تلك المكانة الخاصّة، ذلك أنّها توصف بأنّها "جنّة أوروبا للمسرح".

بيد أن فنّ المسرح شهد خلال فترة الحكم النازي نكسة كبيرة، ذلك أن العديد من الممثلين والمخرجين والكتّاب المسرحيين، ومن ضمنهم ماكس راينهاردت وبرتهولت بريشت، قد اضطروا للهرب من بطش النّظام النازي. كما مثّلت إعادة توحيد ألمانيا فترة صعبة لعدد من دور المسرح وخاصّة منها في برلين، ذلك أن العديد من دور المسرح في الجزء الشرقي في برلين قد واجهت، بعد سقوط الجدار وتوحيد الألمانيتين، مشاكل مالية كبيرة إلى درجة أنّه تمّ إغلاق البعض منها. ومنذ عام 2007 أصبح لعالم المسرح في ألمانيا جائزة خاصّة تضاهي جائزة الأوسكار في هوليود، وهي جائزة فاوست. وتمنح هذه الجائزة في تسع فئات، من بينها فئة أفضل ممثّل وأفضل إخراج. كما يُعدّ لقب "مسرح السّنة" من أهمّ مقاييس النشاط المسرحي في ألمانيا، ويتمّ منح هذا اللّقب سنويا من قبل مجلّة "المسرح اليوم". يذكر في هذا السّياق أنّ مسرح "تاليا" في مدينة هامبورغ قد فاز بلقب "مسرح السّنة" لعام 2007.

ترك الأ//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/2852348a-303c-4244-b76e-0084b709cf4c.jpeg ديب والشاعر والكاتب المسرحي الألماني غوته بصماته على فن المسرح الألماني والأوروبي ويعود هذا التنوّع والثراء المسرحي في ألمانيا إلى تاريخها العريق في هذا المجال، ذلك أن الأمراء وكبار النبلاء كانوا يحرصون قديما على استضافة عروض مسرحية في قصورهم دلالة وإبرازا لمكانتهم المرموقة. ثم أصبحت الطّبقة البورجوازية المثقّفة ترى في المسرح أداة للتعريف بالذّات. وتمكّنت قطع مسرحية على غرار "فاوست" للكاتب المسرحي الألماني يوهان فولفغان غوته من تحويل "أبو الفنون" الذي يطلق عليه أيضا الفنّ الرّابع إلى محطّ اهتمامات الحياة الثقافية للشّعب الألماني. وعلى الرّغم من أن عدد دور المسرح البلدية لم تتجاو 16 في بداية القرن العشرين، إلاّ أن عدد دور المسارح الخاصّة بلغ 360.

 

يوجد في المانيا  حوالي 180 مسرحا عاما (حكوميا) و190 مسرحا خاصا تجعل من ألمانيا تجمعا هاما للمسارح. ومن أشهر المسارح مسرح تاليا في هامبورغ وبرلينر أنسامبل وكامرشبيلة في ميونيخ.

وهنالك مسارح في القصور الألمانية القديمة مازالت تؤدي وظيفتها منذ مئات السنين ولا تعد تلك القصور القديمة جزأً من التاريخ المعماري البديع لهذا البلد فحسب، بل إنها تمثل تراثا إنسانيا خالدا، حتى إن بعض هذه القصور مازال يؤدي وظيفته الثقافية كمسارح مفتوحة ومراكز للثقافة والفنون حتى اليوم.

 

//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/8983bab5-7f0d-4af7-9512-8905bf4298b4.jpeg

يعد قصر فريدنشتاين في مدينة قوطة Gotha أكبر قصر في ألمانيا يعود إلى بواكير عصر الباروكي. وما يميز هذا القصر هو أنه يضم في أروقته أقدم مسرح في العالم، يعود إلى هذا العصر، وتحديدا إلى عام1681. وعلى الرغم من تقادم العديد من القرون على بناء هذا القصر فإن خشبة مسرحه حافظت ملامحها التاريخية، التي لم تتغير كثيراً عن حالها الأول. وقد شكل هذا المسرح منعطفا هاما في تاريخ المسرح الألماني عموما، إذ أن الأب المؤسس للفن المسرحي في ألمانيا كونراد إكهوف، الذي يحمل المسرح اسمه، عمل فيه حتى 1778 قائدا لأول فرقة مسرح ألمانية، يعمل أعضاؤها كموظفين رسميين في مجال العمل المسرحي.

 

//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/7a5a0b6d-590b-4930-b38a-2711764a53fb.jpeg

و حوش قصر فريدنشتاين الذي تحول الى مسرح إكهوف يهتم  بالفنانين العاملين فيه، إذ يوفر لهم مرتبات منتظمة وحقوق معاش مضمونة. ولا يقتصر هذا الاهتمام على الموظفين فحسب، بل يتعداهم ليشمل كذلك المواطنين، من خلال منحهم تذاكر دخول مجانية، وخاصة الشخصيات المهمة. ومما يضفي متعة إضافية على مشاهدة العروض المسرحية على خشبة هذا المسرح، انه ينقل زائريه إلى أجواء القرن السابع عشر، إذ ترجع خشبة العرض في هذا المسرح إلى العام 1683. وتم الحفاظ عليها طوال هذه القرون الطويلة من خلال أعمال الصيانة الدورية. ومن المنتظر عرض بعض المسرحيات التي تعود إلى عصر الباروك في الفترة ما بين أواخر حزيران/ يونيو و أواخر آب/أغسطس من هذا العام، حيث سيرتدي الممثلون ملابس ذلك العصر ويستخدمون الآلات الموسيقية المعروفة آنذاك.

 

//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/1b0a2b70-2b66-4bac-b883-4a4b56124d60.jpeg

و سيلة مدينة الخيول و قصرها الشهيروكان الدوق جورج فيلهلم قد أكتشف حبه للأوبرا في أواخر القرن السابع عشر في مدينة البندقية الإيطالية. وحين وصل إلى الحكم بعد وفاة أخيه استقر في مدينة سيلة، التي تقع الآن في ولاية سكسونيا السفلى وأمر ببناء قصر له على طراز الروكوكو وأنشأ في قصره مسرحا مفتوحاً أمام الجميع. وبذلك فقد فتح هذا الدوق الطريق نحو تحويل الغرف الملكية إلى مسارح للجمهور. و بناء على رغبة الدوق المؤسس فقد كلفت فرقة إيطالية بتقديم المسرحية الكوميدية "الفن" على خشبة هذا المسرح. و منذ عام 1957 أعيدت الحياة إلى هذا المسرح و أصبح له - لأول مرة في تاريخه - فرقته المسرحية الخاصة.

 

//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/7eb71d4c-7585-4b09-8c20-5d9565fe1b8a.jpeg

  في مدينة بوتسدام يوجد قصر آخر يضم مسرحا يحمل اسم فريدريش الكبير بني على الطراز الباروكي. ويتسع هذا المسرح لـ 226 زائرا. أما أماكن جلوس المشاهدين المترفة والتماثيل المذهبة، فتذكر بأجواء عصر الروكوكو. وفي الوقت الحالي تقدم عدد من الفرق المسرحية عروضها طوال العام على خشبة هذا المسرح. وهذا العام ستقدم فرقة بوتسدام أوبرا "سانسوسي الرعوية "، التي تمثل الحياة في القرن الثامن عشر، من أيار/ مايو لغاية أيلول/ سبتمبر. اللافت أن فريدريش الكبير وضع بنفسه ألحان هذا العمال الموسيقي.

 

//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/e5a2cad9-8177-4c4a-b707-51b6cf196977.jpeg

أما قصر ماسباخ الفرنكوني فيضم في أروقته مسرحا تتميز مقاعده الـ 86 بقربها من خشبة العرض، مما يسهم في خلق التفاعل والتقارب بين الجمهور والممثلين. وفي فترة الاستراحة يمكن للمشاهدين أن يتجولوا في ردهات القصر ويستمتعوا بمنظر الشموع المضيئة والمدخنة المفتوحة، أو بتناول بعض المشروبات مثل الشمبانيا والشوكولاتة الساخنة. وفي صيف كل عام يُنظم في هذا القصر الصغير عروضاً ضوئية، تستقطب منذ العام 1961 آلاف المشاهدين.

 

تنوّع وثراء مسرحي متميّز

 تعد دار الأوبرا التابعة لولاية بفاريا في مدينة ميونخ من ضمن كبرى دور المسارح في ألمانياففي ألمانيا تمتلك الدولة وتموّل نحو 150 دار للمسرح، ثلثها دور تأوي تحت سقف واحد ثلاثة أنواع من المسارح: مسرح للتّمثيل وآخر الرّقص وآخر للعروض الموسيقية والغنائية. كما يوجد بالإضافة إلى ذلك نحو 280 مسرحا خاصّا بمختلف الاتجاهات والتقاليد الفنّية والحجم والانتماء الجهوي والثقافي. ويتردّد نحو 35 مليون شخص من مختلف الأعمار سنويا على نحو 110 ألف عرض مسرحي وسبعة آلاف حفل موسيقي.

ويُعدّ مسرح "تيدر" (Teader) في بلدة فرانسهايم في ولاية راينلاند بفالس أصغر مسرح على الإطلاق في ألمانيا، حيث تكاد خشبة المسرح تسع أربعة ممثلّين، أمّا قاعة المتفرّجين فتحتوي على عشرين مقعدا. في حين تعدّ دار المسرح الألماني في برلين، إلى جانب دار الأوبرا التّابعة لولاية بفاريا، من ضمن دور المسارح الكبيرة في ألمانيا، حيث تسع 1600 متفرّجا وتقدّم أكثر من 300 عرض مسرحي في السّنة. إلى ذلك، يوجد في ألمانيا نحو أربعين مهرجانا مسرحيا، بالإضافة إلى 150 دار للمسرح ودور عرض دون فرق مسرحية ثابتة وكذلك نحو مائة عرض مسرحي غير مرتبط بدور مسرحية معيّنة وعدد لا يُحصى من الفرق المسرحية الحرّة.

 

 

 

 

 

 

 

عالية كريم

رئيسة تحرير "معكم"

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved