هي أحدى اثنين في العالم حصلوا على جائزتي نوبل في مجالين مختلفين، حيث حصلت على الأولى في الفيزياء في العام 1903 بالمشاركة مع زوجها "بيير كوري" و"هنري بيكوريل"، لفضلهم وبحوثهم في ظاهرة الإشعاع، وكانت بذلك هي أول امرأة تحصل على جائزة نوبل .
وبعدها بثمان سنوات اي في عام 1911 حصلت على الجائزة الثانية في الكيمياء، اعترافًاً بفضلها في تقدم الكيمياء باكتشاف عناصر "الراديوم" و "البولونيوم" وعزل "الراديوم" ودراسة طبيعته .
تم تكريمها في العديد من البلدان والدول اعترافًا بفضلها على الإنسانية باكتشافها للإشعاع الذي يتسبب في إنقاذ حياة الكثيرين ولكنه في النهاية تسبب في مقتلها .
نيلها جائزة نوبل عام 1903 سلط الضوء على موضوع كان ولا يزال محل جدل ونقاش كبيرين، حيث أثبتت للعالم حينها وبكل جدارة إمكانية وقوف المرأة والرجل بالتوازي وجنبا إلى جنب على منصة الكبار والعظماء، نافية بذلك ضرورة وجود أحدهما وراء الآخر.
هي أشهر امرأة اقتحمت ميدان العلوم وطبعت اسمها في سجلات التاريخ تاركة بصمات من ذهب.. الباحث عن سيرتها يجد تفاصيلها جنبا إلى جنب مع علماء القرن العشرين الذين أحدثوا ثورة في مجال الطب.. وهي أول امرأة تعمل في مجال الإشعاع، وقد اكتشفت "الراديوم"، علاج السرطان الوحيد المعروف لزمن طويل، والذي خفف من معاناة المرضى وأزال عنهم التعب..
ولدت "ماري سكوودوفسكا – كوري" في نوفمبر عام 1867 بدولة بولندا، وهي أول من حصل على جائزتي نوبل في التاريخ وأول امرأة تعمل كأستاذة في جامعة باريس.
فقدت ماري والدتها وهي لا تزال في العاشرة من عمرها، وعاشت مع أختيها وأبيها وتميزت بذكائها الواضح، وكان أبوها معلمًا بأحد المعاهد، كما تعلمت القراءة والكتابة فقط بمشاهدة أختيها تتعلمان، وعلى الرغم من ضيق ذات اليد إلا أن الأب أراد لفتياته التعلم بأفضل صورة، فبعث بأختها إلى باريس لدراسة الطب وعملت هي معلمة لأطفال أسرة ثرية في الريف لمدة ثلاث سنوات لتساعد في التكاليف .
بعد انتهاء عقدها مع تلك الأسرة، بدأت تدريبها العلمي بمعمل متحف الصناعة والزراعة بالقرب من وارسو، وبعد ذلك قررت السفر إلى باريس وهي بعمر الرابعة والعشرين، ثم ذهبت مباشرةً إلى "جامعة السوربون"، وأثناء وجودها في "السوربون" كانت ماري تدرس بالنهار وتعمل بالليل حتى حصلت في 1893 على درجتها العلمية في الفيزياء، وبدأت العمل في معمل صناعي لدى "ليبمان" (Lippman)، كما استمرت أيضًا بالدراسة في السوربون وحصلت في عام 1894 على درجة علمية في الرياضيات.
وفي عام 1894 أيضًا، قابلت زوجها المستقبلي "بيير كوري" حيث كان معلمًا لمدرسة الفيزياء والكيمياء بباريس (ESPCI) وجذبهما معًا الاهتمام بالخواص المغناطيسية للمواد، وبعد ذلك بعام تقريبًا تزوجت ماري "بيير كوري".
في 1896 وبعد اكتشاف "هنري بيكوريل" للخاصية الإشعاعية لليورانيوم، اختارت ماري البحث في أشعة اليورانيوم كمجال بحث لرسالة الدكتوراه الخاصة بها، وبعد 15 عام اخترع زوجها وأخيه المقياس الكهربي (electrometer) والذي اكتشفت هي بواسطته أن أشعة اليورانيوم تجعل من الهواء حول العينة موصلاً للكهرباء، وأثبتت ماري أن الإشعاع لم يكن نتيجة لتفاعل كيميائي ولكنه نابع من الذرة بذاتها .
وفي أثناء بحثها اكتشفت وجود معدنين من اليورانيوم أحدهما أكثر إشعاعًا من اليورانيوم ذاته بأربع أضعاف والآخر بضعفين، وقامت بنشر اكتشافها في اليوم التالي أسوة بما فعله "بيكوريل"، والذي أنقذه من أن يذهب فضل اكتشاف الخاصية الإشعاعية ل "تومبسون" بدلاً منه، كما أسفر بحثها عن مواد مشعة أخرى بجانب اليورانيوم اكتشفت مدام كوري عنصر "الثوريوم" الإشعاعي أيضًا . ولكن كشفها للثوريوم جاء متأخرًا بشهرين عن "جيرهارد شميدت" الذي أعلن عن نفس الكشف في برلين، وفي يوليو 1898 أعلن الزوجان كوري في ورقة بحثية مشتركة عن وجود عنصر أسموه "بولونيوم" (polonium) تكريمًا لبلد ماري الأم بولندا ثم في ديسمبر 1898 أعلنوا عن وجود عنصر آخر أسموه الراديوم (Radium) لنشاطه الإشعاعي الشديد .
وعمل الزوجان كوري على فصل عنصر "الراديوم"، واستطاعوا في 1902 عزل جزء من عشرة من الجرام من "كلوريد الراديوم" وبحلول 1910 استطاعت ماري كوري بدون زوجها الذي توفي في حادثة طريق عام 1906 أن تعزل معدن "الراديوم" الخالص .
لقد بدأت محاضراتها بعد فترة قصيرة، من النقطة التي توقف عندها بيار, وكأنها تذكرت وصيته:«يا ماري, إذا حدث لأحدنا مكروه, فعلي الآخر ان يتابع الطريق ويستمر في العمل.» وفي تلك اللحظة كرست نفسها لتحمل المسؤولية الكبرى. فترأست دائرة الفيزياء, وكانت أول امرأة تشغل هذا المركز.
توفيت ماري كوري في 4 يوليو عام 1934 في شرق فرنسا، متأثرة بمرضها بنوع من فقر الدم (aplastic anemia) بسبب طول فترات تعرضها للإشعاع حيث لم تكن الآثار الضارة للإشعاع معروفة في ذلك الوقت .
المطّلع على إنجازات "ماري" لا بد أنه سيقول بأن قد توفرت لها حياة كريمة أعانتها على متابعة تعليمها وأبحاثها حتى حصولها على كل ذلك الشرف، لكن الواقع عكس ذلك فهي توقفت عن الدراسة في بداية حياتها وعملت مربية في أحد البيوت كي توفر المال لشقيقتها التي تكبرها حتى تتمكن من إكمال دراستها..
كانت متعطشة للعلم, وتعيش في غرفة بائسة تدرس على نور مصباح الغاز, ولا تجد لديها المال, او الوقت لتؤمن التدفئه, أو تشتري قطعه لحم تتغذى بها, بل كانت تكتفي من الطعام بقطعة خبز وقليل من الزبدة, حتي أصيبت من جراء هذا الاهمال، بسوء التغذية وفقر الدم .
في الوقت نفسه كانت "ماري" تقرأ كثيراً وتحل المسائل الرياضية التي يرسلها لها والدها باستمرار، وحتى بعد أن استقلت وعاشت لوحدها كانت تسكن في غرفة صغيرة لا تحوي سوى مقوّمات العيش الأساسية، وتقضي وقتها في الدراسة والبحث، غير مبالية باهتمامات الفتيات اللواتي في مثل عمرها .
"بيير كوري" الفيزيائي الفرنسي الذي كان يرى أن النساء شر عظيم يُلهين الرجل عن علمه وعمله، تغيرت نظرته تماما حينما التقى بماري التي شعر بأنها فهمت روحه وطبيعته..
زواج "ماري" من "بيير كوري" لم يثن من عزيمتها بل أمدها بشعلة من النشاط والحيوية، حيث ساعدها هذا الأخير ولم يبخل عليها بأسرار المعلومات الرفيعه والدقيقه التي كان يعرفها..
أستاذ الفيزياء بيار كوري كان ذكيا جدا. فقد كان في التاسعة عشرة من عمره حين أصبح أستاذا في كليه العلوم, ثم عين رئيس فرع الفيزياء والكيمياء في الكلية. تزوّجها وبدأت حياة الزوجين في شقة متواضعة, أقاما فيها, وانطلقا في ميدان العلوم والأبحاث. ولم تكن حياتها سهلة، اذ كان عليها ان تقوم بدور الزوجة، ربة البيت والعالمة . لكن تعاون الزوجين كان يخفف هذا الثقل .
لقد كان "بيير" من أجمل الهدايا التي منحت ل"ماري"، وتعاونهما كان بادرة لإنجازات عظيمة، حيث حصلا على جائزة نوبل مناصفة في الفيزياء وكُرما بإطلاق الوحدة ( كوري ) لقياس النشاط الإشعاعي وكذلك إطلاق اسم ( كوريوم ) على هذا العنصر الكيميائي .
طوال حياتها انزوت "ماري كوري" في مختبرها وحرمت نفسها من أشياء كثيرة بالغة الأهمية لتقدم دراسات دقيقة تخدم البشرية، وبالفعل فقد أثرت بأبحاثها القيمة الخزينة العلمية، لكن بالمقابل دفعت الثمن حياتها..
لها ابنتان آيرين وايف. وقد اقتفت ابنتها آيرين جوليوت كوري خطى والدتها ونالت وزوجها فريدريك جوليوت في عام 1935م جائزة نوبل في الكيمياء بعد قيامهما بتحضير أول نظير مشع من صنع الإنسان .
عانت "ماري" من مرض اللوكيميا الذي أودى بحياتها في عام 1934 إثر تعرضها الزائد للعناصر المشعة في زمن لم تكن الآثار الضارة للإشعاع قد عرفت بعد، وبالتالي لم يكن العلماء الذين يتعاملون مع تلك العناصر على دراية باحتياطات السلامة اللازمة، فلطالما حملت هذه السيدة الغير اعتيادية أنابيب اختبار تحوي نظائر مشعة في جيبها، ولطالما وضعتها في درج مكتبها دون أن تدرك أخطارها الجسيمة، كما تعرضت مذكراتها لكمية كبيرة من الإشعاع تحد من التعامل معها بأمان إلى يومنا هذا .
رغم انهماك كوري في عالم الجدية والبحث ورغم شهرتها التي بلغت عنان السماء آنذاك إلا أنها لم تنس دورها كربة بيت، وزوجة، والأكثر من هذا كأم أنجبت وربّت "أيرين جوليو" التي حازت بدورها على جائزة نوبل للكيمياء عام 1935.
عند وفاتها قال عنها إلبرت إينشتاين: "ماري كوري من بين كل مشاهير العالم هي التي لم تدنس شهرتها".
توفقت ماري, خلال أبحاثها, عندما توصل اليها العالم هنري بيكيريل, تمكن من فحص ذرات معدن نادر هو الأوران, يبث اشعاعا غامضا يعرف بالاشعاع الأوراني، وتوصل هذا العالم الى كشف الظاهرة التي أطلقت عليها ماري، فيما بعد اسم«راديو اكتيفيتي».
من أقوالها
* الطريق إلى التقدم ليس سريعاً وليس سهلا.
*إننا نخاف فقط ما نجهله، ولا يوجد ما يخيفنا على الاطلاق بعد أن نفهمه .
*لا يوجد في العالم ما قد يُخشى منه، هناك فقط ما قد لا يفهم جيداً.
*العلم بالضرورة عالمي، ونحن ننسب العلم للأمم فقط من باب الجهل التاريخي .
*أنا لا أرى أبدا ما تم إنجازه، بل أرى ما لم يتم إنجازه بعد .
بعض شهادات التقدير والجوائز التي نالتها:
*1893 درجة أستاذ علوم مرتبة أولي.
*1903 دكتوراه علوم درجة شرف ممتاز.
*1903 جائزة نوبل للفيزياء.
*1904 أول إمرأة مديرة لأبحاث الفيزياء في السوربون.
*1911 جائزة نوبل في الكيمياء ـ أول أستاذه في كلية الطب ـ منحة الحكومة الفرنسية: أربعون ألف فرانك سنوياً.
*1926 انتخبت رئيسة لجنة التعاون الفكري في جنيف.
*1926 أول مديرة للأبحاث الفيزيائية في السوربون ـ ميدالية ذهبية من أنكلترا.