يقع جبل "المورن بربان" في جنوب غرب موريشيوس، على برزخ ناتئ في المحيط الهندي.وهو جبل مغطّى بعلّيق عالٍ وبغابات تؤوي بركاناً مُخمداً تبلغ قمته 556 متراً، وتحيط به تلال وبحيرات. تشكل قمة "المورن" هضبة صغيرة تغذيها مياه نبع دائم التدفق.
وفي زمن الرق، كان جبل "المورن" يشكل ملجأ للرقيق الهاربين، "الكستنائيين". أما اليوم، فلقد تحول إلى رمز لمقاومة القمع، والكفاح من أجل الحرية.
في القرن السابع عشر وحتى إلغاء تجارة الرقيق في عام 1835، كانت جزيرة موريشيوس نقطة انطلاق الإتجار بالرقيق، عند تقاطع الطرق بين أفريقيا والهند والأمريكتين، وكان الرقيق يأتون من مدغشقر وموزامبيق وغينيا وأفريقيا الغربية وجزر الكناري والبنغال وساحل مالابار وتيمور.
بين عامي 1767 و1797، تضاعف عدد الرقيق ثلاث مرات، فبلغ 000 49 شخصاً. وكان حوالي 80% من سكان جزيرة موريشيوس من الرقيق الكستنائيون، وكان يشار إلى الرقيق الذين يفلتون من أسيادهم ويعيشون مختبئين في الجبل وجواره بـ"الكستنائيين". وقد لجأ عدد كبير منهم إلى غابات "المورن" الكثيفة، علماً أن الجبل معزول ويصعب بلوغه. كما أن بعضاً منهم لم يعيشوا كرجال أحرار سوى بضعة أسابيع. ونجح البعض الآخر في العيش ضمن جماعات صغيرة في الجبل والكهوف الخفية.
في عام 1770، كان 5% من الرقيق من "الكستنائيين". وكانت نسبتهم تناهز 13% في عام 1820.
ويُقال، يتطلب لبلوغ قمة "المورن" اجتياز صدع عميق يبلغ مئات عدة من الأمتار. ويقال إن الرقيق كانوا يعبرون هذا الشق على لوح من الخشب في نقطة الصدع الضيقة التي يبلغ عرضها 1،6 متر.ويُقال أيضاً إن "الكستنائيين" كانوا يؤثرون الموت برمي أنفسهم في الفراغ على أن يستعيدهم أسيادهم.
بعض المحطات التاريخية
تقع جزيرة موريشيوس على مسافة 800 كلم من مدغشقر و220 كلم من جزيرة لا ريونيون شرقاً. وكانت مستعمرة هولندية (1598-1710)، ومن ثم مستعمرة فرنسية (1715-1810) وأخيراً مستعمرة إنكليزية (1810-1968). وفي عام 1968، أصبحت موريشيوس دولة مستقلة.
كان جبل "المورن" يشكل ملجأ للرقيق الهاربين.
الصباح، القمع، الحلم ... بهذه الكلمات يختار الشاعر الموريسي، إدوار مونيك، مداخله إلى النص الذي وضعه عن جبل "المورن" والذي تعني ترجمته الحرفية: الكئيب، الحزين، البائس إلى آخره... هذه الكلمة المشحونة بمشاعر الأسى هي اسم جبل مثقل بالذاكرة الأليمة، لما شهد من صراخ عبيد ذوي اللون الكستنائي وهم يحاولون الفرار من بين أيدي جلاديهم...
الصباح -إذا كان هناك صباح - نور كاذب لأنه ممنوع على أولئك الأشقياء، الموعودين بحظ بائس كما اقتضت إرادة الأغنياء...
القمع، المتواصل بغياب بليغ لما يمكن أن يسمى عيشا سعيدا أو هنيئا لدى أولئك الناس من نسوة ورجال كتبت عليهم لسبب مجهول اللعنة المجهولة...
الحلم، محرم الحلم بحرية النطق بكلمات بسيطة، مثل كلمة أنا وأنت واحد، أنا مثلك، أنا معك... كما ممنوع الحلم بالقيام بحركات تختلف عن السجود والإنحاء.
مفروض ألا تذرف دموع الفرح أبدا، أبدا! بل عليك أن تحترق دائما بنار البكاء المر - ليل نهار- لأن أحدا لا يغني وشيئا لا يستحق الغناء.
ومن ثم، عليك أن تستقيل من الدنيا بدلا من الاستمرار في تحمل وطأتها: هذا ما يمكن لكلمة "مورن" (بائس) أن تحمله من إيماءات في القاموس المرعب للأمكنة المحرَّمة، أو التي أريد لها أن تكون محرَّمة.
وحده النور الساطع يمكن أن يقهر ظلمة القدر المفروض على الفقراء. فبدل أن يبقى المكان المسمى "مورن" موئلا للعزلة يصبح امتدادا للحياة في الجزيرة، حديقة للّعب بدلا من ساحة للتعذيب حيث يرمي الضحية السكران يأسا بنفسه في الفراغ ليتحطم في الهاوية السحيقة. من هنا نشأت (حكاية) القفزة الكاذبة في المحيط، حيث يحلق العتاليت تحليقا مستحيلا، وهم أكثر قربى من أن يكونوا أنصاف موتى وثلاثة أرباع منهكين جوعا وعطشا وألما... ومنهم خرج النور العائد عبر الوقت والذي تجسد اليوم في البيت "مورن".
إنه قرار يلغي ما سبقه من قرارات العزل المأسوية بين قضبان الزمن، لتزاح الحجب عن العناصر التي تملأ الحضور العادي لجبل "مورن" فترتدي قيمة التراث. وها التاريخ يطرق مجددا. ولم لا؟ لم يعد الأمر مقتصرا على تلة واقعة في جغرافية ما، بل أصبح مكانا يعبر عن نفسه، ناطقا بحقيقته، غير عابئ بحجمها المأسوي... ويريدنا السردُ أن نتوقفَ عنده. لم يعد جبل "المورن" عنوانا للعزلة بل أصبح رمزا للتحرير...
وأخيرا، إنه حلم يلامس الواقع: "المورن بربان"، كما غيره في جزر أخرى يعود ليلتقي بالعالم حاملا هويته. لم يعد زاوية فقط مهما كان سحرها خلابا، بل بات جزءا من الإنسانية، وعدم الاعتراف به ليس خطأ فقط أنه خطيئة.
لا أحد قادرا على أن يخالف الجميع. فتجاهل "المورن بربان" في موريشيوس، يشبه تجاهل آيات المهاتما غاندي الإنسانية، ونضال مارتن لوثر كينغ، وملحمة نلسن مانديلا مكتفين بذكر هذه الأمثلة دون سواها. لأن المأساة التي عاش أتونها ألفا عبد في "المورن" حاضرة في الذاكرة كأية مأساة أخرى قريبة منا اليوم.
في النهاية، إن إدراج "المورن بربان" في قائمة التراث العالمي، يشبه صورة زهرة "تروشيتا" التي تنبت في موريشيوس، والتي تعطي هذه الجزيرة شهادة نبلها...
*وإدوار مونيك شاعر من جزيرة موريشيوس وهو الذي قال فيها قصيدته الخالدة ( المورن الحزين يفرح )