مدينة الموصل هي مركز محافظة نينوى تقع شمال العراق على ضفاف نهر دجلة، وهي ثاني مدينة في البلاد من حيث السكان بعد بغداد حيث يبلغ عدد سكانها ثلاثة مليون وسبعمئة ألف نسمة، تشتهر بالتجارة مع الدول القريبة مثل سوريا وتركيا. وسكان الموصل العرب يتحدثون باللهجة الموصلية (او المصلاوية) العربية التي تحمل في طياتها وتعابيرها ملامح خاصة, ولهذه اللهجة الموصلية الدور الأكبر في الحفاظ على هوية المدينة من الدخلاء, وسكان الموصل ينحدرون من أربع عشائر رئيسية وهي شمر والجبور والدليم وطي ويوجد أيضا المسيحين الذين ينحدرون من شعبيهما الاشوري والكلداني. ويتواجد ايضا في المدينة الأكراد والذين اندمجوا مع اخوتهم العرب وهم يرفضون النعرات الطائفية للعنصريين من الساسة. وتعتبر مدينة الموصل مركز محافظة نينوى.
تاريخ الموصل
تعتبر مدينة نينوى احدى أهم المدن التاريخية لكونها عاصمة للامبراطورية الاشورية في اوج توسعها وفيها تاسست اولى المكتبات (الالف الثاني قبل الميلاد) التي عرفتها الانسانية، نشأت في العهد الآشوري على الضفة اليسرى لنهر دجلة، تأريخيا سكان الموصل الأولون كانوا الاشوريون ومن ثم اختلطوا هؤلاء بالكلدانيين الآتيين من بابل وهؤلاء صاروا نصارى في القرن الثاني الميلادي. وقد انتقل اهلها النصارى في القرون من 2 إلى 6 للميلاد إلى الضفة اليمنى من نهر دجلة لكي يأمنوا على ارواحهم من غزوات الفرس الساسانيين وفي الكتابات التي خلدها النصارى كانت تسمى بنينوى فمار اسحاق النينوي ترعرع في نينوى الغربية.
بعد السيطرة العربية الاسلامية في القرن السابع للميلاد سكنها العرب أيضا بجوار المسيحيين واليهود ولكن اليهود تم تهجيرهم من الموصل نهائيا بين 1948 و 1955 وذهب أغلبهم إلى إسرائيل.
كانت الموصل أهم مراكز انطلاق الفتوحات الاسلامية بعد استقرار القبائل العربية فيها. ولعبت دورا في التاريخ الاسلامي ابان الدولة الاموية وتاسست فيها دويلات خلال العصر العباسي الثاني مثل الحمدانيين الذين تصدوا للروم ثم الزنكيين والايوبيين المقاومين للغزوات الصليبية الاوربية.
وكانت الموصل من أهم مدن الدولة العثمانية.حيث صمدت مرتين بوجه جيوش نادر شاه الصفوي الذي غزاها في القرن الثامن عشر عندما كان واليا عليها حسين باشا الجليلي وفشل نادر شاه الصفوي في احتلالها تاركا بعض من فلول جيوشه حول المدينة في قرى متناثرة اصبحت جزءا من مدينة الموصل الان.
يمتد لواء الموصل جغرافيا ليشمل محافظة دهوك وعقرة شمالا وحتى بيجي جنوبا.وفي عهد عبد الكريم قاسم جاء الأكراد أيضا ليقطنوها ولكن في زمن صدام حسين تقلص عدد الأكراد في المدينة
الإقتصاد
اشتهرت الموصل منذ القدم بأهميتها كمركز تجاري مهم بسبب موقعها الجغرافي كبوابة شمالية للعراق وتتصل المدينة بتركيا وحلب بواسطة خط حديدي بناه الألمان قبل الحرب العالمية الأولى إلى جانب وجود مطار صغير للخطوط الداخلية. كانت الموصل ومازالت مركزا لأكبر مناطق إنتاج الحبوب وباقي المنتجات الزراعية مثل البقوليات والخضروات، وأصبحت تسمى سلة خبز العراق حيث تقع فيها نصف المساحات المزروعة بالحنطة، وكانت الموصل تزود باقي مناطق البلاد بهذه المنتجات. وتتأثر المدينة اقتصاديا بالمواسم الزراعية الجيدة والسيئة حيث يتذبذب معها المدخول الاقتصادي للناس بشكل واضح ويؤثر على الكثير من نواحي الحياة الاقتصادية فيها.
توسعت الزراعة فيها وتنوعت بعد إنجاز بعض مشاريع الري على سد الموصل ونهر الزاب وأصبحت تزرع فيها بعض المحاصيل الصناعية مثل الذرة والقطن تحت منظومات الري التقليدية الحديثة. - أدى اكتشاف النفط في الموصل في الثلاثينيات من القرن العشرين إلى اكساب المدينة أهمية كبيرة في الأسواق الدولية سواء من حيث المادة الخام أو المنتجات المكررة من النفط. - كما اشتهرت المدينة بإنتاج الأقمشة القطنية الناعمة التي اشتق منها اسم الموسلين وهي ملابس قطنية مشهورة. ويوجد في الموصل أيضًا أهم مصانع السكر بالعراق، كما يوجد فيها ثلاثة مصانع للإسمنت.
المناخ
الموصل منطقة معتدلة دافئة، يبلغ ارتفاعها 730 قدمًا (223م) فوق مستوى سطح البحر. وتمتاز المدينة بوجود ربيعين في السنة ، حيث ان فصل الخريف يكون بجمال الربيع. ويسيطر على الموصل مناخ البحر الأبيض المتوسط حيث المدينة حارة في الصيف الذي يمتد من بداية شهر أيار ( مايو ) إلى نهاية شهر أيلول ( سبتمبر)، وقد تصل درجات الحرارة فيها إلى أكثر من خمسين درجة، وهي باردة في الشتاء الذي يمتد من بداية شهر كانون الأول (ديسمبر ) إلى نهاية شهر شباط ( فبراير )، وقد يشهد الشتاء تساقط الثلوج.
للموصليين تسميات مختلفة لمراحل المناخ في المدينة وأشهر هذه التسميات المربعانية "الأربعانية" التي تكون واحدة في الشتاء وأخرى في الصيف، وهي كلمة تعني أربعون يوما من شدة الحر أو شدة البرد. كما فيها أيام "عنتر" وبرد "العجوز". وللموصليين أمثال تتعلق بالمناخ مثل "جمر الكبار لآذار" حيث تصادف أيام في شهر آذار تكون شديدة البرودة وقد تسبب دمار المزروعات، و "آب اللهاب يحرق المسمار بالباب" دلالة على حر شهر آب، ومثل آخر يقول "دهمنا أيلول بحره فوا حسرتاه على شهر آب" تدل على وجود أيام شديدة الحرارة في أيلول. تسقط الأمطار على المدينة نتيجة جبهات هوائية تأتي من البحر المتوسط وهي الغالبة، وأخرى تأتي من البحر الأحمر وهي الأقل تكرارا، وعندما يحدث وتلتقي الجبهتان فوق المنطقة تهطل أمطار غزيرة. وتتذبذب الأمطار بين سنة وأخرى، وتتكرر بين فترة وأخرى مواسم من الجفاف تضر بالمدينة بشكل كبير، كما تحدث أن تسقط أمطار غزيرة على شكل زخات قد تؤدي أحيانا إلى غرق شوارع المدينة كما حدث عام 1982.
الموصل قبل الميلاد
تشير المصادر التاريخية إلى أن العرب سكنوا الجزيرة العربية قبل الميلاد بقرون، ومن ديار الجزيرة التي سكنها العرب في ذلك الزمن (مدينة الموصل) المقابلة لمدينة نينوى، فكانت الموصل من المواطن القديمة التي
حل بها العرب مع الآشوريون
في سنة 1080 ق.م.، اتخذ الآشوريين مدينة نينوى عاصمة لهم (وهي آثار نينوى الكائنة في الجانب الايسر من مدينة الموصل حالياً)، وحصّن الآشوريون نينوى بالاسوار والقلاع التي نشاهد آثارها اليوم في باب شمس و تل قويسنجق وبوابة المسقى وبوابة نركال وتل التوبة (النبي يونس) والتي يربطها سور نينوى المطمور في معظم أجزائه.
كما بنى الآشوريون عدداً من القلاع للدفاع عن أنفسهم منها القلعة الواقعة فوق التل المسمى "تل قليعات" على شاطئ دجلة مقابل مدينة نينوى والتي سميت بالحصن العبوري. وفي سنة 612 ق.م أستولى الميديون والكلدانيون على نينوى بعد معركة طاحنة ودمروها كما دمّروا الحصن العبوري.
تأسيس الموصل
بعد هدوء المعارك، عاد أهالي الموصل ونينوى إلى ديارهم ورمموا ما خربه القتال واعادوا بناء الحصن العبوري، وازدادت هجرة القبائل العربية إلى بلاد الرافدين وبادية الشام، وازداد البناء والعمران حول الحصن العبوري حتى اصبحت قرية لها شأن يُذكر.
سماها العرب "الموصل" لكونها ملتقى عدة طرق تربط الشرق بالغرب. واهتم الأخمينيون الذين حكموها سنة 550-331 ق.م في توطين العرب والفرس فيها واصبحت مدينة ذات شأن.
لم تسلم الموصل من الحروب التي دارت بين الشرق والغرب والتي سببت نكبتها لعدة مرات، ومنها الحروب التي دارت بين الساسانيين والرومان سنة 241 وسنة 579. وفي سنة 627 انتصر الروم على الفرس بعد معركة حاسمة قرب الموصل، فاصبحت الموصل تحت حكم الروم.
السيطرة العربية الإسلامية في الموصل
في سنة 637، دخل العرب المسلمون الموصل بقيادة ربعي بن الأفكل العنزي الذي دبر خطة للسيطرة على الموصل بمساندة قبائلها العربية التي كانت في قتال ضد الروم في تكريت، فقامت هذه القبائل بالانسحاب إلى الموصل مُظهرين انهزام المسلمين في معركة تكريت، حتى اذا ما دخلوا المدينة سيطروا على ابوابها لتدخل وراءهم جيوش المسلمين.
بعد أربع سنوات من هذه الواقعة، أرتد سكان الموصل ضد العرب المسلمين مما أدى إلى معارك أخرى نجحت في إعادة السيطرة على الموصل.
الموصل في عهد الخلفاء الراشدين
اصبح عتبة بن فرقد السلمي والياً على الموصل بعد السيطرة عليها وعمل على توطين وإسكان العرب المسلمين من قبائل النمر وتغلب واياد. بنى دار الامارة والمسجد الجامع وهو أول جامع بناه المسلمون في الموصل، والذي بقي حتى سنة 543 هـ.
في عهد الخليفة عثمان بن عفان، كثرت هجرة القبائل العربية اليها بعد ان استقرت السيطرة الإسلامية فيها ومنها الازد وطي وكندة وعبد قيس. وفي حكم عرفجة بن هرثمة البارقي تم توسيعها وتعميرها وتوسيع الجامع، كما توسعت الهجرة العربية اليها في خلافة علي بن ابي طالب. كل هذا أدى إلى جعل مدينة الموصل مدينة كبيرة ذات سكان كثر.
الموصل في العهد الأموي
ازداد توسع الموصل في عهد سعيد بن عبدالملك بن مروان حيث قام بتعميرها وتحصينها واحاطتها بسور ورصف طرقها بالحجارة. كما نصب لها مروان بن محمد آخر الخلفاء الأمويين جسراً وبنى قلعتها. وشق الحر بن يوسف الأموي نهراً عرف بـ نهر الحر يسير محاذياً للتلال المطلة على حاوي كنيسة (وهو مجرى دجلة الحالي)، حيث كان سابقاً يمر قرب سور نينوى وتقع عليه بوابة المسقى. واستمرت هجرة القبائل العربية في هذه الفترة وهي قبائل تغلب وربيعة وشيبان وخزرج.
الموصل في العهد العباسي
تحت حكم العباسيين سنة 132 هـ - 751 هـ/ ثار اهالي الموصل على الوالي العباسي محمد بن صول الفارسي ففُتك بأهلها وخُربت بيوتها، ولما وصل الأمر إلى الخليفة السفاح ولّى عليها عمّه إسماعيل بن علي بن العباس فاصلح حالها، فعاد مركزها الاقتصادي في خلافة المهدي.
الموصل في العهد الحمداني
أصبحت الموصل تحت نفوذ الحمدانيين في اواخر القرن الثالث للهجرة بعد دخولهم في طاعة العباسيين، توسعت المدينة واصبحت مركزاً تجارياً مهماً. وصارت تُصدّر إلى بغداد الدقيق والسكر والعسل والسمن والجبن والفحم والشحوم والمن والسماق والقير والحديد. كما توسعت حولها القرى والبساتين والمزارع.
منارة الحدباء في الموصل
تعد منارة الحدباء من أثمن الاثار الاسلامية التي اشتهرت بها مدينة الموصل والتي اتخذت احد اسمائها منها، وعلى الرغم من مرور 834 عاماً على تشييدها الا انها مازالت محافظة على دقة هندستها الجميلة بنقوشها البديعة التي تشكل آية من ايات الفن المعماري الاسلامي، كما يعد الجامع النوري الذي يضمها من أكبر واقدم المساجد الجامعة في المدينة ومعلماً بارزا من معالمها
خصائص معمارية وفنية
مئذنة الحدباء التي تقع في الركن الشمالي الغربي منه بارتفاع (65 مترا) مع القاعدة وتعد من المآذن النفيسة في العالم الاسلامي لضخامتها وارتفاعها،
اذ تتألف من قاعدة منشورية مكعبة يعلوها بدن اسطواني ينتهي بحوض ورقبة وقمة،
والمتفحص للمميزات المعمارية والفنية هذه، تتجلى له عبقرية المعماري (ابراهيم الموصلي) الذي نفذ بناءها آخذاً بنظر الاعتبار اساليب البناء وخصائص المواد الانشائية والنواحي الهندسية ومدى تأثير العوامل المناخية والبيئية، مع تجانس الخصائص الفنية والزخرفية وارتباطها بالناحية الدينية الى غير ذلك من الامور التي تعد من المبتكرات المعمارية وتعبر عن التواصل الحضاري.
انشئت منارة الحدباء سنة 568 هـ 1127 م، من قبل والي الموصل عماد الدين زنكي، حيث أقيمت ضمن ثاني مسجد انشئ في المدينة ويبلغ ارتفاعها 65 مترا، وتشكل واحدة من بين اكثر من سبعة عشر برجا مائلا في انحاء متفرقة من العالم ماتزال قائمة ومحافظة على شكلها، وتعد حسب الاحصاءات الآثارية اطول الابراج المائلة في العالم، مع فارق بسيط وهو ان معظم مائلات العالم تتم صيانتها ومتابعة متغيراتها العمرانية بين الحين والآخر، فيما لم تحظ منارة الحدباء بهذا الاهتمام، على الرغم من عظمة اهميتها التاريخية والعمرانية. وعلى الرغم من مرور 834 عاماً على تشييدها إلا انها مازالت محافظة على دقة هندستها الجميلة بنقوشها البديعة التي تشكل آية في الفن المعماري الاسلامي، ومعلماً بارزا من معالمها.
وأكد الباحثون الايطاليون الذين وفدوا لمعالجة الشروخ التي ظهرت في جسد المنارة في منتصف سبعينيات القرن المنصرم، أن منارة الحدباء هي الاطول في العالم بين مثيلاتها وهي الاجمل في فنون الريازة والعمران، وان مسألة تشييدها بهذا الارتفاع الشاهق في زمن بنائها يعد معجزة، إذ انها ارتفعت بطول (65م) وعرض (17م)؛ وهذا الامر بحد ذاته يعتبر من الخوارق العمرانية في زمن بعيد جدا عن تكنولوجيا الانشاء والعمران، لم تعرف فيه الرافعات العملاقة ولا الوسائل المساعدة التي يتوكأ عليها المعمار المعاصر، هذه المنارة حملت خصوصية في البناء، اذا ما أمعنا النظر في ريازتها بدقة وجدنا فيها زخارف نباتية متشابكة مع زخارف هندسية متداخلة تداخلا كليا مع بعضها بصورة متناظرة، بحيث تكون الصورة متممة للزخرفة النباتية؛ وهذا يدلل على مهارة فن الزخرفة في ذلك الوقت وبالرغم من كل هذه المميزات لها إلا ان يد الاندثار بدأت تقترب منها