لويزا حنون إسم ستحفظه الأجيال القادمة لأن صاحبته إمرأة دخلت التاريخ عندما قررت المنافسة على أعلى سلطة في البلاد، هي رئاسة الجمهورية ....
حنون يسارية متطرفة، وتتعاطف مع الإسلاميين المعتقلين وتدافع عنهم، قال عنها الرجل الثاني في الحزب الإسلامي المحظور بالجزائر علي بلحاج : (هي الرجل الوحيد في الجزائر) اعترافا بمواقفها الشجاعة وجرأتها النادرة . هي إمرأة تنطق باسم الرجال والنساء على السواء ، يصفها البعض بالديكتاتورية ويرى البعض الآخر في دكتاتوريتها ميزة الزعماء الأقوياء فهي تمسك بزمام الأمور بقبضة من حديد .
تقحم نفسها في كل صغيرة وكبيرة تدور حولها من شؤون الجزائر وحتى العالم . تطالب بقانون أسرة مدني ، تتحدى الحكومة وتتهم بعض وزرائها بالعمالة لجهات أجنبية ، تعارض خصخصة الشركات السيادية بالجزائر ، تدعو للمسيرات وتمشي فيها فيتبعها الآلاف ، ترفع صوتها عاليا ولا تخشى أحدا ، أو هكذا يبدو . هي سيدة السياسة الأولى بالجزائر، فانها زعيمة حزب العمال، ولا أحد ينكر أن لويزة حنون مناضلة من الطراز الأول . وما وصلت إليه لم يأت بمحض الصدفة وإنما بعد نضال طويل وصعب دخلت خلاله السجن بعد إعتقالها في عهد حكم الحزب الواحد بالجزائر .
في 7 أبريل / نيسان من العام 1954 وفي منطقة جبلية بولاية جيجل الساحلية بالجزائر إزدان فراش أسرة حنون المتواضعة ببنت بهية الطلعة إختاروا لها من الأسماء لويزة، وتعني عملة ذهبية، لم يكن والداها ولا أحد من أفراد العائلة يتنبأ لهذه الصغيرة التي ترضع الحليب وتنام نومة الملائكة أن تكون ذات يوم إمرأة ذات شأن وتنافس رجال الجزائر على منصب رئيس الجمهورية .
عام 1979 هو العام الذي ولجت فيه لويزة حنون عالم السياسة في الوقت الذي كان الحديث عن المرأة في السياسة حديثا نادرا، وقد نشطت في مجال حقوق المرأة لكن خارج إطار جبهة التحرير الوطني... الحزب الواحد والحاكم آنذاك ، وهو الأمر الذي سبب لها الكثير من المشاكل، خاصة وأنها إمرأة متمردة تفيض بالحيوية والنشاط وتبحث وتتحين فرصة إيجاد قناة مناسبة لتفجر طاقاتها وتجسد أفكارها المتطرفة ...
عام 1983 هو تاريخ بداية مرحلة جديدة في مشوار لويزة حنون النضالي، حيث زج بها في السجن ، ولم تكن التجربة سهلة على إمرأة في بلد لا يكاد يعترف بالنساء إلا في البيت، بإستثناء المجاهدات أيام الثورة اللواتي جاهدن في الجبال إلى جانب الرجال الجزائريين . خلال شهر ديسمبر / كانون الأول من العام 1983 حوكمت لويزة حنون رفقة نساء أخريات بتهمة المساس بالمصالح العليا للدولة والانتماء لتنظيم من المفسدين، وهي تهمة خطيرة خاصة في زمن حكم الحزب الواحد في الجزائر حيث كان هامش الحرية ضئيل، ورمي المتمردين في السجون أسهل وأبسط إجراء ضد كل من يخالف النظام العام أوبالأحرى النظام الحاكم، ولم يصدر حكم ضد السجينة لويزة حنون ورفيقاتها إلى حين تم الإفراج عنها في شهر ماي / أيار من العام 1984 ، أي بعد قضاء ما يقارب الخمسة أشهر بالسجن، تجربة لم تكن سهلة لكن بالنسبة لإمرأة متمردة مثل لويزة حنون كان للسجن فلسفة أخرى، كما أنها درس صعب وتكوين قاسي لسياسية من طراز آخر .
وكانت حنون تواكب التغيرات التي تعرفها الجزائر خلال تلك الفترة، وجاء أحد أهم الأحداث التي عرفتها الجزائر : أحداث أكتوبر/ تشرين 1988 ، كانت أحداثا دامية خرج خلالها الجزائريون ناقمين على الحكام ومطالبين بإحداث ما يلزم من تغييرات، وكانت لويزة حنون من بين المتظاهرين فألقت قوات الأمن القبض عليها رفقة جزائريين آخرين كثيرين، لكن نزولها بالسجن هذه المرة لم يطل، حيث بقيت به لمدة ثلاث أيام لتنال بعدها حريتها .
دخولها السجن لم يوقف مدها ولا قلم أظافر التمرد داخلها، حيث إنضمت خلال العام 1984 إلى منظمة المساواة بين الرجال والنساء التي كانت ترأسها آنذاك وزيرة الثقافة الحالية بالجزائر السيدة خليدة تومي / مسعودي / والتي عرفت هي الأخرى بإستماتتها في الدفاع عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة على وجه الخصوص . بعدها إنضمت لويزة حنون إلى اللجنة المسيرة لرابطة حقوق الإنسان رفقة المحامي عمر منور الحقوقي المعروف في الجزائر .
وعندما جاء موعد الإنتخابات الرئاسية لعام 2004 ، لم تضيع حنون الفرصة ، خاصة وأنها كان لها ما يكفي من الوقت للإستعداد والعمل الميداني حيث بذلت قصارى جهذها للحصول على 75 ألف توقيع من مواطنين في 25 ولاية جزائرية ، و نالت مرادها ... وتمكنت من الترشح للرئاسة . وهو ما شكل حدثا في الجزائر بل وفي كل الدول العربية ، وتناقلت الخبر كل العناوين الجزائرية ووسائل الإعلام الأخرى المحلية والعالمية .ورغم أنها لم تنل من الأصوات سوى 101630 أي ما يمثل 1 % ، إلا أن مشاركتها نفسها لم تكن بالشئ الهين أو العادي، ترشحها في حد ذاته كان حدثا كبيرا، فقد أدخلها التاريخ وأصبحت أول إمرأة جزائرية تترشح لمنصب رئيس الجمهورية ، وتنافست مع رئيس البلاد آنذاك -المنتهية عهدته- السيد عبد العزيز بوتفليقة ، والذي فاز من جديد ليحصل على عهدة ثانية، لتنال المرأة السياسية رقم واحد في الجزائر الثناء والتشجيع من قبل القاضي الأول في البلاد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة .