ارتبط اسمهم بالنبي إبراهيم الخليل الذي عاش في مدينة اور السومرية ـ مدينة آلهة القمر إنانا ـ منتصف الالف الثالث قبل الميلاد، وكان إبراهيم عليه السلام أول من نبذ الاصنام ودعا لرب واحد عظيم القدرة اطلق عليه السومريون اسم ( لوگـال ـ ديمير ـ آن ـ كي ـ آ ) ملك آلهة ما هو فوق وما هو تحت ( رب السماوات والأرض ).
كما ارتبطت طقوسهم وبخاصة طقوس التعميد، بمياه الرافدين فاعتبروا نهري ادگـلات وپـورانون ( دجلة والفرات ) انهارا مقدسة تطهر الارواح والاجساد، فاصطبغوا في مياهها كي تنال نفوسهم النقاء والبهاء الذي يغمر آلما دنهورا ( عالم النور ) الذي اليه يعودون.
اشتقت كلمة المندائيين من الجذر ( مندا ) والتي تعني باللغة الآرامية، المعرفة أو العلم، وبالتالي فان المندائي تعني ( العارف أو العالم بوجود الخالق الاوحد ) . أما كلمة الصابئة، فانها مشتقة من جذر الكلمة الارامية المندائية ( صبا ) أي بمعنى ( تعمد، اصطبغ، غط، غطس ) وهي تطابق أهم شعيرة دينية لديهم وهي طقس ( المصبتا – الصباغة – التعميد ) فلذلك نرى ان كلمة صابئي تعني ( المصطبغ أو المتعمد ) أي المصطبغ بنور الحق والتوحيد والإيمان ...
المندائية، أو الصابئة المندائية، ورد ذكرها في القران الكريم، وهي من أقدم الديانات الموحدة. جوهرها عبادة قوانين الحياة والخصب، فالحياة العظمى لديهم تجسيد لقوة كونية خلاقة نافعة، وتَمَثَلَ دينهم في تجسيد النور ( ملكا دنهورا ) أو الأرواح النورانية، ويعتقدون بخلود الروح وصلتها الوثقى بأرواح اسلافها صلة إلهية مباشرة، ويعد ( أنوش ) الكاهن الأول من كهان الصابئة المندائيين، ووصفوه معلماً من أصل النبي أدريس .
يؤكد اغلب الباحثين في مجال الاديان أن ديانة الصابئة المندائيين هي أحد الأديان الإبراهيمية وهي اصل جميع الأديان لأنها أولى الأديان الموحدة، واتباعها من الصابئة يتبعون انبياء الله آدم، شيث، أدريس، نوح، سام ، ويحيى بن زكريا
وتدعو الديانة الصابئية للإيمان بالله ووحدانيته، لاشريك له، واحد أحـد، وله العديد من الأسماء والصفات كما جاء في كتابهم كنز ربا، ومن جملة أسمائه الحسنى، والتي لاتحصى ولا تـُعـَـد ( الحي العظيم ، الحي الأزلي ، المزكي ، المهيمن ، الرحيم، الغفور , حيث جاء في ، البصير القدير العليم ، العزيز الحكيم , هو الأزلي القديم ، الغريب عن أكوان النور ، الغني عن أكوان النور، هو القول والسمع والبصر، الشفاء والظفر ، والقوة والثبات ، مسرة القلب ، وغفران الخطايا )، وفي معتقدهم أن الله الحي العظيم أنبعث من ذاته وبأمره، وبكلمته تكونت جميع المخلوقات والملائكة التي تمجده وتسبّحه في عالمها النوراني، كذلك بأمره تم خلق آدم وحواء من الصلصال وهم عارفين بتعاليم الدين الصابئي، وقد أمر الله آدم بتعليم هذا الدين لذريته لينشروه من بعده، وينسب كتابهم ( كنزه ربا ) أي الكنز العظيم إلى آدم ( ع )، وأن سام هو جدهم الأعلى، وهم اصحاب ديانة يؤمنون بالحساب والعقاب، وأن المحسنين منهم بعد الموت يذهبون إلى عالم النور، والمذنبين يذهبون إلى عالم الظلام، أما من حيث اليوم الآخر فانهم من اكثر الأديان وضوحاً وتشدداً، فأما إلى الجنة كما ينبغي لجميع الأرواح التقية الطاهرة، أو إلى المطهر ( المطراثة ) حيث يعذب فيه بدرجات متفاوتة، فالروح في عقيدتهم خالدة، والجسم فأني، أما الصوم فيتم بالأمتناع عن أكل اللحوم المباحة لهم حوالي خمسة اسابيع متفرقة ايامها على طول السنة، وأن صلاتهم يسبقها الوضوء والأغتسال، كما يغتسلون بعد الجنابة، ولا يختنون ولم يؤمروا بذلك كما يؤكدون، أما ادعيتهم فتكون للأرواح الخيرة النورانية فقط وليس لتلك التي تخص عالم الظلام، وكتبهم هي ( كنزه ربا، ديوان اباثر، دراشو اد يهيا، سدره إد نشماثه، اسفر ملواشه، تفسير بغره، الف ترسر شياله،انياني , وطراسه ) .
بيت العبادة لدى ابناء هذه الديانة يدعى ( المندا )، وكما يؤكد الباحثون انه كان في منطقة تعرف بماندا في أيام البابليين المتأخرين، وحسب فنكلر ان هذا الماندا يقع غربي بحر قزوين " ومعنى ( ماندا دهبي ) هو ( بيت الحياة ) أو ( موطن الحياة )
ويستخدم أبناء الديانة التعميد أيام الأعياد وفي الزواج والوفاة كما يتم تعميد الأواني في ماء النهر الجاري، ويلبس أبناء الصابئة المندائيين ملابس خاص في التعميد منها ( الرسته ) وهو رداء ابيض يرمز إلى كساء النور الذي ترتديه الروح الطاهرة، والرسته الكاملة للفرد من العامة تحتوي على خمس قطع، أما الرسته للكاهن فتحتوي على سبع قطع هما ( القميصن الدشة , الشروال , التكتة , برزنقا , النصيفة، الهميانه، التاغه، شوم ياور)، وعند قيام الكاهن بالعمل الديني عليه أن يحمل دائماً عصاً من الزيتون أو خشب الصفصاف ويقال عنها (عصا الماء الحي ) وحين يتوفى الكاهن تدفن عصاه معه وتدفن معه حلقته (شوم ياور) التي تستخدم في المراسيم .
موطن الصابئة هو العراق أو الاصح (بلاد ما بين النهرين)، ويسميهم العراقيون بالعامية «الصبّه»، يعيشون على ضفاف الأنهار وخاصة دجلة، وهم جزء من سكان العراق الأوائل عبر تاريخه الحضاري. ويشكلون أقلية دينية ما زالت تمارس طقوسها ودياناتها حتى الآن. لقد ذكر في كتب المؤرخين العرب القدماء بان الصابئة كانوا يسكنون بطائح العراق، وفي أماكن أخرى غير بلاد وادي الرافدين منها حران وفلسطين والشام وهم عموما يسكنون على ضفاف الأنهار لما للماء والطهارة من اهمية في حياتهم الدينية والروحية.. وعند اقامة الدولة الإسلامية كان يوجد أعداد كبيرة من الصابئة في بطائح العراق، في المناطق السفلى لنهري دجلة والفرات بالذات، وفي بطائح عربستان من إيران .
ويسكن الصابئة في العراق في مناطق الأهوار ومدن العراق منها ( العمارة، ،قلعة صالح ،الناصرية ،سوق الشيوخ ،الحلفاية ،الديوانية ،بغداد ،كركوك والموصل ) وهم بقايا طائفة دينية عاشت في هذه البقعة من العالم منذ آلاف السنين، كانت نفوس الصابئيين في القرن السابع عشر حسب روايات بعض المؤرخين ما يقارب مائة الف نسمة، أما الآن لا يتعدى نفوسهم العشرين الف نسمة، ويؤكد الباحثون ان عدد نفوس الصابئيين حسب إحصاء 1957، (11913) نسمة ويقدر عام 1987 عدد نفوسهم ب(32000) نسمة، اما لغتهم في التخاطب هي ( الرطنة ) او الآرامية وهم لا يتحدثون في جميع أنحاء العراق إلا باللغة العربية العامّية " , وينسب نولدكة لغة الصابئيين إلى لغة التلمود البابلي فقد قال " تنتسب اللغة المندائية انتساباً وثيقاً الى لغة التلمود البابلية، فكلا اللغتين متجاورتين من الناحية الجغرافية وفي الواقع يمكننا أن ندعي بأن لغة التلمود البابلي كانت تستعمل في بابل العليا وأن المندائية كانت تستعمل في بابل السفلى "، والبعض يعتقد أن اللغة المندائية مشتقة من الآرامية
طقوس الزواج
يفضل الزواج لدى أبناء الديانة المندائية من واحدة، إلا أن للرجل أن يتزوج ما يشاء من النساء وبقدر ما تسمح له ظروفه، وليس في الدين المندائي طلاق، وإنما يُطلب من الكاهن الأفتراق، ولا يحق للمراة الزواج ثانية بعد الافتراق، وعند زواج امرأة عذراء يكون هنالك كاهن خاص ( أبيسق ) يجري لهما مراسيم التعميد بعد التأكد من عذريتها من قبل زوج الكنزفرة وأمه عادةً، فإن كانت عذراء يطلقن الزغاريد، وان لم تكن فلا يكون سوى صمت المرأتان الفاحصتان لعذريتها، وإذا رضى الزوج عنها اقيمت لها مراسيم الزواج، وأول تعميد يجب أن يتم يوم الأحد من الأسبوع، وهنالك مراسيم وطقوس خاصة للزواج، ولا يمكن ان يتم عقد الزواج في أيام عيد البنجة ...
لم تتغير طقوس الزواج لدى الصابئة المندائيين منذ ان تزوج شيشلام ربا ( العنصر الذكري الاول) من أزلات ربتي (العنصر الانثوي الاول) واللذين انبعثا من العين والنخلة، أي منذ آلاف السنوات.
لقد اتحد الاثنان بعد ان تطهرا بماء العين وسكنا على ضفافه. من هذا الزواج المقدس اصبح الزواج مقدسا لدى الصابئة المندائيين الذين يسمونه الطقس المحبوب. وبلغتهم المندائية المتفرعة من الارامية يسمونه "قابين اد شيشلام ربا".
وتجري المراسيم الدينية عادة يوم الاحد وفي المندي ( معبد المندائيين) الذي يشيد دائما على ضفة نهر او ماء جار، فالماء الجاري يدخل في معظم الطقوس الدينية لديهم، وخاصة في التعميد حين الدخول الى الدين وعند الزواج طلبا للطهارة والمغفرة. وهناك حوض في المندي للمراسيم التي تجري في الشتاء.
في البداية يصطبغ العريس والعروس. وتتم الصباغة بالغطس في الماء لثلاث مرات بعد ارتداء الملابس الدينية ( الرستا ) وتتكون من خمس قطع. وبعد الصباغة، يجتمع رجال الدين في بيت القصب (الاندرونا) ويتم التأكد من ملابس العريس الدينية ويوضع السكين دولا في يده ويمسك رجل الدين الذي يقوم بعقد الزواج .
وتوضع ملابس العروسين الاعتيادية في سلتين يحملهما اثنان من الاطفال الذكور ويذهبان بهما الى غرفة العروس التي ارتدت الملابس الدينية وجلست داخل الكلّة (الناموسية) المنصوبة في الغرفة لحجبها عن الاعين.
ويعود رجل الدين العاقد مع العريس، الذي يكون على يساره، الى الاندرونا ويأمر احد رجال الدين المشاركين في عقد الزواج ان يذهب الى غرفة العروس ويعطيها محبسين بحجرين احمر واخضر وعنبا وجوزا. ويذهب رجل الدين المكلف ويتفقد ملابس العروس الدينية ويطمس يديها بالماء لتأكل وتشرب، ويقرأ على رأسها بعض التعاويذ الدينية. ويعود الى الاندرونا ويقول لرجل الدين العاقد بان كل شيء قد تم على احسن ما يرام. ويدخل والآخرون الى الاندرونا ليقول رجل الدين العاقد للجميع: لقد قمنا بعملنا ووضعنا العروس في مكانها وتفقدنا ملابسها وطمسنا يديها والبسناها المبسين الاحمر في اليمين والاخضر في اليسار واعطيناها اكلا وشربا وقرأنا على رأسها البوث الدينية بكل اهتمام واحتراس. ليرد عليه الجميع: استمر مغفورة خطاياك.
وتُكسر اول تنكة (قلّة) على قطعة الصلصال الموضوعة قرب باب الاندرونا. والغرض من الكسر هو اعلان عن انتهاء حياة العزوبية وانكسار القيود التي فرضتها وطرد الشر. ويعود الجميع الى الاندرونا ويجلسون حول طريانة كبيرة وضعت فيها تسعة اسرار (تسعة انواع من الطعام المقدس) وتهخيأ (الهمرا) من الماء والعنب ويجب ان تكون حديثة وغير مختمرة.
وتبدأ مراسيم العقد والسؤال والايجاب، ويطلب رجل الدين العاقد من العريس ان لا يحيد عن عهده وان لا يغير كلمته ويعيش معها بسلام دون تنكيل او خيانة وسيكون شاهدا على هذا العهد الحي والملكي والاثري (الرب) ورجال الدين والمندائيون المجتمعون.
ثم يقبل العريس، ورجل الدين الذي يقوم بدور ابي العروس ايديهم ويتصافحون ثلاث مرات. ويجلس العريس ويطمس يده مع رجل الدين العاقد ويقطع الخبز ويعمل لقمة من الطعام المقدس للعريس ويأخذ الاب بيمينه لقمة متساوية للعروس ويوزع المتبقي من الطعام على الموجودين. وتهدى لام العروس ثلاث فطائر وثلاث قطع نقدية فضية جزاء تربيتها لابنتها.
وتغسل الايدي وتعطر لعمل اكليلين وتجلب الملابس الاعتيادية الى الاندرونا وتقرأ عليها البوثات الدينية ويحزم العريس بوشاح اخضر يعطيه للعروس كخمار بعد انتهاء المراسيم .
يجلس العريس ويوضع الاكليل على رأسه ويشرب سبع مرات من الهمرا مع قراءة الترتيل. ويقف ومعه رجل الدين والعاقد للذهاب الى غرفة العروس وعند باب غرفتها تكسر القلة الثانية اعلانا عن التحام روحي العروسين بالرباط الزوجي. ويدخلون الى الغرفة ويجلس العريس خلف الكلّة وظهره الى العروس ويضع رجل الدين الاكليل على رأس العروس ويستمر بالقراءة ويمس رأسيهما ثلاث مرات وتسقى العروس كأسا من الهمرا وينثر الورد عليهما. ويقوم العريس ويذهب مع رجل الدين الى الاندرونا وتستمر قراءة التراتيل وبعد اكمالها يؤخذ العريس الى غرفة العروس ليتبادلا العهد ( الكشطا ) وتنتهي مراسيم الزواج.
اعيادهم
عيد راس السنة المندائية
تبدأ السنة لدى المندائيين بشهر شباط، ويطلق على عيد رأس السنة ( دهفه ربا ) واشتقاق الكلمة من الذهب، ويعتبر الذبح محرم في أكثر أيام هذا العيد، ويعتبر يوم رأس السنة لدى الصابئة المندائيين هو ذكرى يوم الخليقة لأن ( مانا ربه كبيرة ) أي مانا العظيم قد اتم خلق العالم في هذا اليوم ويستمر لمدة ثلاثة أيام، فتكون في اليوم الثاني من العيد زيارة أبناء الديانة لبعضهم البعض، أو زيارة لشيخ الدين ( الكنزفره ) حيث يخبرهم عن طالع السنة الجديدة، وفي هذا العيد تضاء جميع الأنوار والنيران وتوزع الأطعمة على الفقراء، ويسمح للصابئيين في اليوم الخامس عشر بأكل اللحوم، كما يجب لبس الملابس البيضاء في هذا العيد وينتعل صندل من الألياف النباتية أو أن يسير حافي القدمين .
ويتكون هذا العيد من مرحلتين وهما ( عيد الكرصة ) و( كنشي وزهلي ) أي الاجتماع والتطهير والاجتماع يعني التفاف الاسرة- اما التطهير فهو تطهير الجسد والنفس وذلك من خلال التعميد – لذا اصبح فرضاً على كل مندائي التعميد في هذا اليوم لاستقبال الساعات المقبلة للكرصة بدرجة عالية من النقاء الروحي والجسدي – حيث تبدأ الكرصة من مغيب الشمس ليوم كتشي وزهلي أي ( الكنس والتنظيف والتطهير) ولمدة 36 ساعة..
عيد البنجة
ان اشهر السنة عند أبناء الديانة المندائية تقسم إلى اثنى عشر شهراً، ولكل شهر ثلاثون يوماً مع خمسة أيام كبيسة تسمى ( بروانايا ) أو البنجة، وهي تقع بين الثلاثين من شهر ايلول (شمبلته) واليوم الأول من شهر تشرين الأول ( قينة ) ويتم خلال عيد البنجة تطهير المندا سنوياً بعد النجاسة التي تسببها له الأيام الخمسة التي تسبق هذا العيد الذي هو عيد الربيع وهو أكبر عيد للعمادة النهرية، وأسعد ايام السنة ويأتي في وقت ارتفاع مياه النهر بعد ذوبان الثلوج خلال الأيام الربيعية الأولى الدافئة،
المحرمات في الديانة المندائية
التجديف باسم الخالق (الكفر)
عدم أداء الفروض الدينية
القتل
الزنا من الكبائر المؤدية إلى النار
السرقة
الكذب، شهادة الزور، خيانة الأمانة والعهد، الحسد، النميمة، الغيبة، التحدث والإخبار بالصدقات المُعطاة، القسم الباطل
عبادة الشهوات
الشعوذة والسحر
الختان
شرب الخمر
الربا
البكاء على الميت ولبس السواد
تلويث الطبيعة والأنهار
أكل الميت والدم والحامل والجارح والكاسر من الحيوانات والذي هاجمه حيوان مفترس
الطلاق (إلا في ظروف خاصة جدا)
الانتحار وإنهاء الحياة والإجهاض
تعذيب النفس وإيذاء الجسد
الرهبنة
الزواج من غير الصابئة
وقد ذكرت هذه المحرمات بشكل واضح في كتب المندائية المقدسة.