هي قصة أسطورية بطولية من القرن الحادي عشر أو الثاني عشر، تندرج ضمن مجموعة المنضدة المستديرة، خلدتها أوبرا الموسيقي الألماني فاجنر بهذا الاسم .
ولتريستان وإيزولت روايات عديدة، افتتن فيها شعراء العصور الوسطى في مختلف البلاد واللغات الأوربية، والنص الأصلي مفقود، وقد بقيت ترجمات، وصلتنا منها أربع كاملة: هي الرواية الفرنسية أو النورماندية، بالنثر، وتنسب عادة إلى لوي سيد جاست بالقرب من سالسبوري، والمؤلف يقول أنه ترجم هذه القصة من اللاتينية بأمر هنري الثاني ملك انجلتره.
والثانية هي الرواية الألمانية، وهي الأخرى بالنثر، ويظهر أنها قامت على الرواية الفرنسية.
والثالثة بالشعر، وتنسب إلى جود فروا من استراسبورج، أحد مشاهير شعراء الغرام (المنيسنجر) في القرن الثاني عشر.
والرابعة بالشعر أيضاً من نظم توماس من أرسلدون، وباللغة الاسكتلندية، وتتألف من مقطوعات كل منها تتألف من أحد عشر بيتاً.
وإلى جانب هذه الروايات الكاملة توجد شذرات عديدة من روايات أخرى، بعضها بالشعر والآخر بالنثر،ونظم كرتيان دي تروا، رواية كاملة ضاعت كلها. ووجدت رواية بروفنسالية كثيراً ما يشير إليها الشعراء (التروبادور) في القرنين الثاني عشر، والثالث عشر.
ويزعم بعضهم أن لهذه القصة أصلاً تاريخياً، وأن تريستان قائد شهير عاش في منتصف القرن السادس الميلادي، وكان أحد الأمراء الثلاثة المتوجين هو وجوايروكاي.
وآخرون يرون أنه كان شاعراً جوالاً من بلاد الغال (ويلز) في غربي انجلتره ومن تلاميذ مردين، وكان أيضاً في بلاط الملك آرثر وعاش في سنة 520م.
وقد نشر فرانسو ميشيل ما بقي من تأليف بيرول وتوماس (لندن سنة 1835_1839 في ثلاثة مجلدات)، ثم جاء جوزيف بدييه، فنشر ما تبقي من روايات لقصة ترستان وايزولده بعنوان "ترستان وايزولت" (باريس سنة 1900).
اتجه البحث إلى الكشف عن إمكان وجود مصدر شرقي لهذه القصة فقام ايتيه Ethe في كتابه: "مقالات ودراسات" (ليپتسك سنة 1872 ص 295 وما يليها) بدراسة العلاقات بينها وبين الملاحم الايرانية وقفي عليه ايتالو بتسى بمقال في "مجلة إيطاليا" (ج 14 ص5 _ 21) عنوانه: "الأصل الفارسي لقصة ترستان وايزولت، أكد فيه على وجود أصل إيراني لها.
وقام . أتسنكر فبين التشابه بين هذه القصة وقصة "ويس ورامين" الايرانية. وأيدهم . أسترزيجوفسكي في مقال بالمجلة البيزنطية (ج19 ص658)، وقال: "أن الاتفاق بين الاثنين يستبعد الصدفة ولا يمكن تفسيره إلا بافتراض أخذ الرواية الأولية لترستان من القصة الايرانية في القرن الحادي عشر أو أصلها الأقدم منها".
وجاء س. زنجر S.singer في بحث له نشر في "أعمال الأكاديمية البروسية للعلوم" (سنة 1918، قسم الدراسات الفيلولوجية التاريخية برقم 13) فاكتشف أن الصورة الأولية لقصة تريستان، وهي حكاية إيزولت ذات اليد البيضاء، موجودة في كتاب "الأغاني" لأبي الفرج الأصفهاني.
وقصة تريستان كما تذكر لاساتير هي إحدى الرومانسيات المتصلة بقصص الملك آرثر ، وهي مثل طيب للموضوعات الكلتية التي جرى تطويرها في فرنسا وصياغتها في رومانسية آرثرية . ومع ذلك ،ففي بعض مراحل تطور القصة ، دخلتها عدة ثيمات شرقية انتشرت عن طريق الصلات بين جنوبي فرنسا وإسبانيا .
وكانت قصة تريستان معروفة جيداً للتروبادور البروفنساليين والقطلونيين ، وهم يذكرونه في قصائدهم أكثر من أي شخصية آرثرية أخرى.
وخلاصة هذه القصة أن ترستان دي ليونوا فقد أباه منذ طفولته، فكفله عمه مارك، ملك كورنوول. واعترافاً بفضل عمه، قتل مورهوت الإيرلندي، وهو نوع من الوحش، كان يأتي كل عام يطلب من إقليم كورنوول جزية مقدارها أربعمائة شاب. ولكن رمح مورهوت المسموم أصابه، فمضى إلى ملكة ايرلنده، أخت الوحش، وهي القادرة على علاجه، ولم تتعرف هويته فعالجته. وعاد بعد ذلك إلى ايرلنده مرة أخرى مكلفاً بطلب يد ايزولت من أمها ملكة ايرلنده ليتزوجها الملك مارك. وعاد فعلا ومعه ايزولت، لكن في أثناء الرحلة شرب معها من شراب كان معدا ليشربه زوجها ليلة الزفاف، ومن خواص هذا الشراب أن يشعل نار الغرام في قلب من يشربونه معاً. ومنذ ذلك الحين ارتبط ترستان وايزولت برابطة غرام عارم، وجرت لهما مغامرات عديدة وأحياناً كان يفتضح أمرها، أو يفران.
ولما علم الزوج المخدوع بذلك نفاهما، فلجآ إلى غابة الموردا، حيث عاشا معاً وقتاً طويلاً في سعادة وهناء، وكان ترستان يحسن الصيد والقنص فكانا يتعيشان من حصيلة الصيد. وأخيراً صفح الملك مارك عنهما ودعاهما إليه.
ولكنهما فجعا في غرامهما من جديد، وقرر ترستان أن يغادر كورنوول انقاذا لايزولت. وتزوج ايزولت أخرى، هي ايزولت ذات اليد البيضاء. وذات يوم جرح بسلاح مسموم، وهو يعلم أنه لن يشفيه غير ايزولت الأولى، ايزولت كورنوول، فبعث إليها برسول يطلب منها أن تترك زوجها وتأتي لإنقاذ حياته: فإن جاءت بها السفينة، رفعت شراعا أبيض! وإلا رفعت شراعا أسود.
وفي اليوم الأخير من المدة المحددة عادت السفينة رافعة شراعا أبيض، لقد تركت ايزولت كل شيء من أجل حبيبها، لكن زوجة ترستان قالت له أن الشراع أسود، فتوجه ترستان نحو السور، ومات. ووصلت ايزولت، ودخلت عليه، وارتمت على جثمانه وماتت هي الأخرى.
ولما عرف الملك مارك الأصل والسبب في غرامهما وخطيئتهما ومصائبهما، وهو أنهما شربا معاً من شراب الغرام وهما لا يدريان، صفح عنهما ومجد ذكراهما. وكان ترستان محاربا جسوراً، وصيادا ماهرا، وبحارا ممتازاً، ولاعبا بالشطرنج لا نظير له، وعازفا على الهارب بارعا. ومن هنا كان النموذج الأعلى للإنسان كما تصوره خيال الكلتيين.
وتقول هيلين نيوستيد Helaine Newsted في حديثها حول أصول أسطورة تريستان وتطورها: . "إن الإسطورة المركبة التي وصلت إلى واضعي الرومانسيات في أواخر القرن الثاني عشر قد تضمنت _لا الأعراف الكلتية فحسب _بل وأيضاً عناصر من مصادر متنوعة كالقصص الفولكلوري ، والرومانسيات العربية ، والقصص الشرقية المتعلقة بالاحتيال والخداع.
وأشارت الباحثة إلى بعض المشاهد ذات المسحة الشرقية في هذه الرومانسية ، التي تتبدى في حكايات ألف ليلة وليلة ، مثل اللقاء الذي تم بين تريستان وإيزولت تحت إحدى الأشجار ،حين أحسا بوجود من يراقبهما فتعمدا الحديث في موضوعات بعيدة عن الحب حتى لا يشك الرقيب في وجود علاقة بينهما .
وثمة مشهد شرقي آخر حين تقسم إيزولت أنه لم يطوقها أحدٌ بيديه أبداً سوى زوجها والحاج الذي حملها من فوره إنقاذاً لها ؛ ولم يكن ذلك الحاج إلا تريستان متنكراً .
كذلك لا يمكن إغفال التوازي بين زواج تريستان من امرأة تحمل نفس اسم إيزولت ، وهو نفس ما حدث في القصة العربية القديمة قيس ولبنى ، ففي الرومانسية العربية يجبر قيس في الانفصال عن لبنى ، فيتزوج من أخرى تحمل الاسم نفسه رغم عدم حبه لها ، وحين يمرض قيس، يرسل في طلب لبنى ، ويموتان معاً في لقائهما الأخير.
والتشابه بين الحبكتين أكثر من أن يكون مصادفة ، رغم الصيغة الغربية التي ألبست للقصة، والابتعاد فيها عن أي أثر إسلامي ، والاستعاضة عنه بصور أخرى تتفق مع الواقع الغربي في العصور الوسطى.
هدى قزع
كاتبة وأكاديمية من الأردن