الترفنة في التاريخ وما بعد الحداثة

2008-05-20

(الترفنة Trephanation) او (التربنة) اصطلاح طبي لعملية تثفيب الجمجمة،العملية التي مورست منذ عهود سحيقة قبيل التدوينات التاريخية.

في التنقيبات التاريخية عثروا في مقبرة في فرنسا تعود الى 6500 ق م على 120 جمجمة من فترة ماقبل التاريخ، 49 من الجماجم كانت (مترفنة) اي مثقبة وبعض هذه الجماجم كانت الثقوب فيها قد التأمت ويدل ذلك ان عمليات التثقيب في ذلك التاريخ السحيق اي عمليات تثقيب الجماجم كانت سائدة. وفي العصور الكلاسيكية مورست التربنة فقد اعطى (ايبوقراط) ابوالطب في اليونان ارشادات دقيقة في القيام بالتثقيب (الترفنة) كما تبعه في الفترة الاغريقية في الطب القطب الآخر (جالينوس) وفي العضور الوسطى في اوروبا مارسوا (التثقيب) لعلاج حالات مرضية منها النوبات الدماغية وتكسر الجمجمة وكان معدل النجاح عاليا والاصابات البكتيرية واطئة. وفي عصر (ما قبل الكولومبي وسط اميركا Pre-Columbian Mesoamerica) وجدت اثباتات في ممارسات التثقيب من مصادر عديدة في المقابر واعمال فنية في تلك الحضارة المندثرة, بيد ان (الثقيب) مورس على نطاق اقل في (الحضارات الاندرانية Andean civilizations) لاقوام (الانكا) ولكن الثابت ان التثقيب كان بعد الموت فقد رسمت بطريقة استعراضية على جماجم الاعداء المندحرين او ربما هي احتفالات دينية في تقديم الضحايا وكانت الاحتفالات تسمي (زومبانتلي Tzompatli) حيث يضعون الجماجم المثقبة على اعمدة خشبية. في القرن التاسع عشر عثروا في جبال (تاراهومارا Tarahunara) في المكسيك على جماجم في حضارة (تلاتيلكو Tlatilco) التي قامت في 1400 ق م وتدل ان ممارسة التثقيب كان ممارسة قبل ذاك العصر. اما في (حضارة المايا) جنوب المكسيك فقد مورس التثقيب بين فترة 950 - 1400 وهي في مابعد العصر الكلاسيكي. وفي عهود الفراعنة مارسوا (الترفنة) لكي تخرج الروح بسهولة من البدن.

 

(الترفنة) وتسمى ايضا (التربنة) وفي الانكليزية تأخذ اربع تسميات وهي (Trepanation, Trepanning, Trephination, Trephining or Burr Hole) وهي عملية احداث ثقب في الجمجمة وكانت مهمة خطيرة في الماضي الا انها كانت عشوائية لبدائية الادوات التي استخدموها وعدم معرفتهم وظيفة الدماغ فيما بعد القحف العظمي. (الترفنة) كان يراد بها كشف االـ (الدورا مانر DURA MATER) التي يصعب وصفها فهي غشاء متليف صلد على سطحه الداخلي طبقة تغلف الدماغ والحبل الشوكي تحتوي الكثير من الاوعية الدموية والاعصاب ولها وظائف يصعب وصفها لعلاج مشاكل صحية واردة من داخل قحف الرأس. اما في العصر الحديث فانها تستخدم لعلاج هذه الطبقة التي تبطن القحف.

(الترفنة) الآن لها مدلولات جديدة فجراحة الدماغ ليست (ترفنة) الماضي العشوائية باي شكل من الاشكال فالمترفن القائم بالعملية في الماضي كان اما رجل دين او منجم متمرس بل حتى طبيب ذاك الزمان الذي لايملك ثقافة هذا اليوم في الطب خاصة فيما يخص معلومات ما في الدماغ من غموض عصي حتى على الطبيب المتخصص في الدماغ الآن، التي لم تتوصل لها التقنيات العالية الاداء . حنى (الزهراوي) جراح ذاك الزمان المبدع في التاريخ فقد كانت معلوماته عن الدماغ صفرا. في ذاك الزمان كانت الجراحة بدائية اذ كانت ادواتها اقرب الى ادوات النجارين والحدادين. في عصرنا ربما نخطيء حين نصف جراحة تثقيب القحف (ترفنة) هي الآن جراحة دقيقة مدروسة في جوانبها التشريحية والفسلجية خاصة كونها تخصصية لايقوم بها الجراح العادي بل المتخصص تخصصا دقيقا في الواجب المحدد له. عملية فتح قحف الرأس جراحة دقيقة دقة فائقة، فاي انحراف في القطع بمليمتر واحد، انما يدمر الأعصاب والأوعية الدموية المتواجدة في المنطقة الدقيقة في الصغر داخل القحف، وقد يؤدي إلى موت المريض.


في فتح القحف قد تحيد مراكز من الدماغ عن موقعها الذي كانت عليه خلال تصويرها بالمسارق التكنولوجي خلال عملية التشخيص. فكينونة الأعصاب والأوعية الدموية قد تتصل بقاع الجمجمة، وأنواعاً من أورام قاع الجمجمة تكون إما مرتبطة بالعظام وإما محاطة بغلاف عظمي، لذلك تميل إلى أن تتحرك بدرجة أقل، مقارنة بالتركيبات المجاورة لها، في الفترة التي تقع ما بين التصوير التشخيصي الأولي وإجراء العملية الجراحية. في عام 1997 حدثت طفرة في جهاز (ميدلينك Medlink ) في (كلية كينجز) في لندن حيث طوروا الجهاز الذي يتيح توجيه التدخل الجراحي بمساعدة المجهر. وقد يضطر الجراح الإبتعاد عن المجهر الجراحي كي يفحص صور المسارق التشخيصي للتحقق من تقدم سير العملية الجراحية، ثم يعود إلى النظر في المجهر، كان الهدف الرئيسي من جهاز (ميدلينك) دمج المعلومات المأخوذة من الصور التي نتجت عن الفحوص التي أجريت قبل الجراحة مع المسارق الضوئي للمجهر، لينتج عن هذا الدمج عرض صورة رأسية قائمة للجزء الذي تجري عليه الجراحة، وتسمى هذه التقنية بـ (التدخل الموجه بمساعدة المجهر Microscope Assisted Guided Intervention MAGI.) هذه الطريقة، يمكن اعطاء الجراح رؤية شبيهة بالأشعة السينية فيما خفي تحت الانسجة الدماغية. وتقع هذه العملية الجراحية فيما يعرف بـ (الواقعية المعززةAugmented Reality ).

 

فصل من كتاب (حيوات مبتسرة واهداف معينة Eccentric Lives & Peculiar Notions ) يصف (جون مايكل) مجموعة بريطانية تدافع وتشجع عمليات (التثقيب الذاتي self-trepanation) للسماح للدماغ مجالا اوسع والحصول على الاوكسجين، وفي فصل (اوناس بثقوب في رؤوسهم The People With Holes in their Heads) يذكر ان (بارت هيوكس Bart Huges) في عام 1962مهد فكرة (الترفنة) تحت شعار (تصحيح الانسان العاقل Homo Sapiens Correctus) اورد عددا من افكار التعاقل منها ان الطفل يملك قدرة عالية على (الانتياه او اليقظة consciousness) لان جمجمة الطفل ليست مغلقة كليا لذا نحن نستطيع نستطيع الرجوع الى عهد الطفولة لكي ندع الدماغ ينبض بحرية! انها لاشك فكرة مجنونة في عصر الانفلات الحضاري. يقول (جون مايكل) في كتابه (الثقب المثقوب Bore Hole) جرت عملية تثقيب كانت نهايتها الرقود في المستشفى حيث وجه له التوبيخ وتقييم من طبيب الامراض العقلية. جرى اخراج فلم عنوانه (ضربات القلب في الدماغ Heartbeat in the Brain) الا ان الفلم فقد. مع كل هذا الجنون توجد (المجموعة العالمية للدفاع عن الترفنة الذاتية) لابد لها ان تكون جماعات مجانين لان الدماغ مغلق بعظام بقحف الجمجمة واي كشف له قد يؤدي الى اصابات بكتيرية خطيرة, هذه الممارسات تعرف بممارسا ت (العلم الكاذب pseudoscience).

الممارسات الجراحية اليوم ليست مارسات الماضي انها الآن ممارسات عالية التقنقة وجراح اليوم ليس جراح الامس البعيد فهو في غاية التخصص، وهو يعمل خارج نطاق (الترفنة) يعرف في تطبيقاته ما يريد وما لايريد لانه يتمتع باعلى باعلى المعلومات ومزود باعلى انواع التقنيات التي تساعده في التشخيص وهو الملهم في الأداء يقوم بالعمل بجدارة فائقة مستعينا بمنظار الكتروني دقيق الاداء. جراحة اليوم لم تعد جراحة (ترفنة) الامس ولا يجوز استخدام تعبير (ترفنة) لانها تعبير لا ينطبق على ما يفعله الجراح الرأس لان جراحي الامس كانوا جراحين عامين اما جراح اليوم فهو المتخضص اختصاصا عاليا في منطقة معينة من الجسم وليس جراحا عاما.

 

توما شماني - تورونتو عضو اتحاد المؤرخين العرب

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved