هل صنعت من الجذور السمر فرشاةً
ومن طلع النخيل
زيتاً، ومن سعفاته ورقاً،
ومن زبد الفرات وطينه، ضوءاً نحيلْ
وحملت جرحك،
وتعب الخطوات،
أضناك الهوى والعشق،
والزمن البخيل
الجادر فنان رسم للأفق قصيدة بأنامل الضياء
بين ان يكون محامياً بارعاً، تحقيقاً لرغبة والدته، او ينتصر لعشقه للفن الذي تملك حواسه وعبأ مخيلته صوراً وألواناً، كان صراعٌ حاداً جعله يقف متحدياً يقهر ويذلل الصعاب ويعبد الطرق الوعرة، كي يكون بالتالي واحدٌ من أبرز المبدعين الذين واكبوا الحركة الوطنية فناً وإبداعاً، وكي يضيف اسمه بجدارة إلى قائمة اولئك الذين ستظل الأجيال اللاحقة تنظراليهم بإكبار وإجلال، وليكون اسمه كمبدعٍ وديعة غالية في أعناق كل الناس الطيبين .
إنه الفنان الكبيرخالد الجادر، تاريخاً وسجلاً حافلاً بالمتعة والبساطة، كان اللون الخلاق عالمه المفضل، وكان في يده عطاءً ٍ وموهبةً كبيرة أضاءت كل أُفق سار فيه، وكما كان مبدعٌ باللون فإن إبداعه في التخطيط نوعٌ من الكفاءة العالية، فأضفى من خلاله جمالاً وابداعاً حتى على أكثر الأشياء رثاثة ورتابة .
إن الجادر تاريخٌ حافلٌ بالإبداع والبساطة، أعماله قرىً نائية تظللها حياة متواضعة وادعة، إنه استمد من الواقع قدرته، ومن شفافية الروح نال إعجابنا، إنه فنانٌ فذٌّ بأعماله عانق الشمس واستلهم الأرض، وبنى للأزل قصيدة مرسومة بأنامل الضياء، إنه فنان اللحظة المعبرة عن الزمن الذي حول الغليان إلى نشيد وموسيقى وجمال . إن تجربته الفنية الواسعة جعلت منه استاذاً بارعاً في وضع السطوح اللونية، وواقعيته مستمدة من تجاربه الأولى التي بدأت في الأربعينات من القرن العشرين، بالإضافة إلى تمسكه بأهمية التقنية كفنان أكاديمي وكفنان يحتفظ بمنشوره اللوني الذي يدلل على أنه سليل حضارتين عريقتين هما الحضارة الإسلامية وحضارة وادي الرافدين حيث ألوان الشمس الساطعة البهيجة .
غنائية الرسم في أعمال الجادر
يعد الجادر واحداً من جيل احتلت الطبيعة مكانة أُولى في أعماله، وبسبب ارتباطه العميق بها، وبسبب طبيعة اللوحة لديه اتخذ الغنائية تعبيراً عن مجمل أحاسيسه وانطباعاته، فاللوحة لديه تؤدي دور الوسيط بين المتلقي والطبيعة، وتحافظ على بنيتها كعمل فني قائم بذاته، وبذا يضفي على عملِه موسيقى تفرض نضاماً خاصاً لا يعتمد الكتل أو المساحات اللونية الكبيرة، وإنما الضربات السريعة المتلاحقة التي تبلغ حد الإنفجار والإنفلات من أسر اللوحة وضوابطها، إن حب الجادر للطبيعة وغنائيتة الفردية، ونهجه الواقعي دفعته لمنح الواقع عمقاً ينتمي إلى ماضيه وينتمي إلى مستقبله، وجعل ماضيه ومستقبله ينتميان للحاضر أو يبدوان منه، والمشهد عنده بقدر محاكاته للواقع المزدحم بالتفاصيل يتحول غالباً إلى رمز ويحيلنا الى الماضي .
التعبير
يتحدد الإتجاه التعبيري في أعمال الجادر بنقاط اساسية هي الموضوع والمادة اللونية وحركة الفرشاة، فأعمال الجادر اتجهت في مواضيعها إلى الحالات الإنسانية المختلفة، فقد عالج المادة عبر مجموعة من الأشخاص في أوضاع مأساوية، عالجها بشكل فردي في عزلتها وكآبتها التي تبدو للوهلة الأولى منقطعة عن الإتجاه الأول، لكن فهم أعماله ومساره الفني يوضح صلتها بالإتجاه الأول، أما فيما يتعلق بالألوان فهي عنده تعبيرية وليست انطباعية، لأنها تكشف عن حالة داخلية فريدة خاصة بمجمل انطباعات الفنان عن الموضوع المعالج وليست انطباعية لأن الإنطباع يشكل وضعاً قائماً خارج حدود الذات وإن كان يمر من خلال حواسها، أما حركة الفرشاة فإنها تساير طبيعة موضوعه الإنساني، فعندما يرسم عائلة في العراء أو فلاحات أو حالة ذاتية فإنه يحاول أن يمنح الفرشاة حرية التعبير عن الموضوع بصورة تحول التقنية مع الفكرة إلى موضوع تعبيري، إلى موضوع له خصوصيته النفسية، إنه يهتم بجمالية العمل الفني لكنه يحاول غالباً أن يربط هذه الجمالية القائمة على التكوين الواقعي والألوان الغزيرة، وحركة اللوحة وعدم استقرارها . إن موضوعات الجادر كونها مرتبطة بروحيته ولأنهاعفوية وبدون قصد مباشر فهي تعبر عن أعماقه وتترجم مجموع انطباعاته وفكره في فهم الحالة الإنسانية .
وحدة الأسلوب
لقد عرّفَ الجادر الأسلوب على أنه محصلة الإبداع الفردي داخل مسار التاريخ الجماعي، فالأسلوب عند الجادر يعتمد أصلاً على التطوير الرزين للأسلوب الواقعي، الأسلوب الذي تضاف إليه التجديدات الخاصة برؤية هذا المنهج، وأن وحدة الأسلوب عنده قد ارتبطت بأفكاره التي غذّّاها وطوّرها بالعمل الفني ذاته ومن خلال إضافة الكثير من الأحاسيس والمشاهد والإنطباعات، بمعنى أن فن الجادر هو تدوين لحركة الزمان، أي تدوين ما ينجزه الإنسان، إن فنه هو مرآة للجمال ومرآة لما وراء هذا الجمال أيضاً .. فإن عشقه للرسم كعشقه للحياة، وهكذا يكشف عن اختياره للأسلوب، دون حاجة للتمرد عليه، كاتجاه عام أو كخصائص فريدة داخل الأسلوب، وهكذا عالج الجادر أفكاره باسلوب واقعي أغناه بتجارب هي من صميم هذا المنهج، فالتعبيرية وأحياناً الإنطباعية جربها لأنها أصلاً من مكونات اتجاهه الواقعي وهكذا فإن الجادر بإرادة فنان جدير بالإعجاب التزم منهجاً استطاع أن يطوره ولم يخرج عليه، وإنه من خلال مهارته كأستاذ، وحساسيته اللونية التعبيرية الأصل نجح بالتأكيد على وحدة الأسلوب ضمن تطور تدريجي ونمو لا يعتمد القفزات أو التجريب، وإنما اعتمد إغناء التجربة بتجذير الموضوعات وبتطويرها فنياً وجمالياً وتقنياً .
الجانب الوثائقي
تكشف أعمال الجادر عامة عن إحساس بالتاريخ، إنه إحساس يمنح المشاهد إدراكاً للبعد الوثائقي العملي، وعلى الرغم من أن الفنان لم يضع التاريخ على أعماله المنجزة، إلّا أن المتأمل لأعماله يلمس اهتمام الفنان برصد الواقع بتفاصيله الدقيقة، فأعماله هي تصوير للواقع، وبالتالي تنحصر إجمالاً تحت هم وثائقي يمنح المشاهد صورة إجمالية لطبيعة الواقع، ففي أعماله نلاحظ طبيعة المكان، كما نلاحظ العادات والتقاليد والأزياء، وكما أنها تفرض انتباه خاص للمكان، فضلاً عن الإحساس بالمناخ . بهذه الروح الوثائقية نلاحظ القرية العراقية ( وبعض المشاهد التي صورها الفنان أثناء رحلاته خارج العراق ) وهي تمتلك الخصائص السابقة، لكن دراسة ما أنجزه من أعمال تصور القرية العراقية يكشف عن إحساس دفين بأن الفنان يمكن أن يكون شاهداً على تاريخ قديم، تاريخ ينبئنا بميلاد من نوع آخر، فيفجعنا بالواقع، هذا الواقع الذي لم يعد قائماً بذات الصورة السابقة، ومن هنا تكتسب أعمال الجادر قيمة أُخرى، قيمة الرصد، قيمة الكاميرا الذكية، أي قيمة الوثائقية، بيد أن قيمة هذا النوع، دون فن لا تعني الكثير، ولكن أعمال خالد الجادر هي بالأصل ارتبطت بالفن وليس بما يمارسه السائح الأجنبي المنبهر لهذا المشهد أو ذاك، أي أنه ر سمها ضمن وعي فني يعطي للطبيعة قيمة أُولى، وليس كالجانب الوثائقي الذي نتعرف فيه على حقبة توشك على الإنقراض فقط، بل أنه يرتبط بواقع الفن الذي راح يتكامل من خلال تكامل الأجزاء والتفاصيل .
رسام اللحظة المعبرة عن الزمن
بالإمكان القول أن فن الجادر كان رمزياً، والرمز لا علاقة له بالأشياء الخارجية، بل له علاقة شبه مستقلة بالعمل الفني ذاته، مثلما له علاقة بروحية الفنان نفسه، والرمز هنا هو ذلك النشيد الذي يحاول الإفلات من الزمن، وهذا النشيد الذي يجعل من الجمال قيمة خالدة، وهنا يحول الرمز إلى خطاب وألى أسئلة، إن الجادر يقدم فنه كرمز كوني يعكس كل ما تتضمنه الطبيعة من خفايا وجمال ووعود، فالزمن الذي يحاول الفنان الإفلات منه أخضعه للفن والإبداع والجمال، ذلك أن الجادر لم يحاكِ الطبيعة بل رسمها بحرية تبلغ درجة التأمل، فالطبيعة عنده ليست إلّا ظاهرة، ظاهرة بالمضمون، والشكل عنده ليس إلّا مظهراً آخر لهذا العمق او لهذه الكينونة الداخلية، إلّا أنك حين تمسك بالجمال إنما تمسك بالدرجة الأُولى بروح الزمن، وربما لهذا السبب لم يترك تاريخاً موقعاً على أعماله، بل جعلها مطلقة تمثل حياته الإبداعية ذاتها .
.
لكن الفنان خالد الجادر كان يجد في الطبيعة رمزاً آخراً، او رمزاً مضافاً .. فهي بكل جمالها وعنفها، ذات قيمة لا تنفصل عن عشق الإنسان لها، منذ البدأ وحتى عصر ما بعد الفضاء وغزوه، فهي مثل الأم تمثل حقيقة الخصب والتجدد والوفاء، إنها بهذا المعنى أحد مفاتن الوجود وأسراره وعندما رسمها الجادر فانه حاول الذهاب إلى المناطق البعيدة.. صحيح أنه يرسم الأسئلة الكامنة في تلك المفردات الواقعية لكي يمنحها المعنى الوجودي الأبعد والأعمق لمغزى السؤال والتأمل، وكان في هذا قد اختار الجمال كبعد لرؤيته بأسرها، الإجابات الفنية المباشرة عنده تحيلنا إلى المضمون الكامن في الطبيعة وفي ذات الفنان ولعله لهذا السبب اختار الإسلوب الواضح والبسيط في التعبير عن أكثر الأشياء سحراً وتعقيداً . وبالإمكان القول أن الفنان، ضمن حركة الرسم المعاصر في العراق، قد جعلنا نعيد النظر في تأمل الطبيعة العراقية ودراستها والإستئناس جمالياً بها . ليس ثمة من رسم العراق كما رسمه الجادر وكأنه كان يعبر عن عشق خفي يتفجر داخله فعكسه ببراعة على هذا النحو من المرئيات الرمزية .
سطور من حياة خالد الجادر
ولد الفنان خالد الجادر في بغداد عام 1924م، تخرج من كلية الحقوق عام 1947م ومن معهد الفنون الجميلة في نفس العام . أرسلته الحكومة العراقية في بعثة الى باريس حيث دخل ( البوزار ) فنال شهادتها في الفن كما نال درجة الدكتوراه في تاريخ الفن الإسلامي بدرجة شرف عام 1954م، وانتخب عضواً في صالون باريس، وقد حصل على الميدالية الذهبة في الرسم مرتين وهو في البوزار، وعند عودته إلى بغداد قام بتدريس الرسم وتاريخ الفن في جامعة بغداد، ثم عين عميداً لمعهد الفنون الجميلة فعميداً لأكاديمية الفنون الجميلة عند تأسيسها عام 1961م كما شغل رئاسة اللجنة الوطنية للفنون التشكيلية التابعة لليونسكو وعضوية اللجنة الثقافية العليا ورئاسة جمعية التشكيليين العراقيين، وانتخب أول نقيب لنقابة الفنانين العراقيين وسكرتيراً عاماً للاتحاد العام للتشكيليين العرب في مؤتمر الإتحاد الأول المنعقد في بغداد لغاية عام 1975م .
شارك في المعارض المقامة في بغداد منذ عام 1941، فاز في معرض الكليات عام 1947م، وشارك كذلك في المعرض الفني الدولي الذي أُقيم في القاهرة عام 1947م، في عام 1947م عُين مدرساً للرسم في ثانوية الأعظمية
أول معرض شخصي له كان في بغداد عام 1955م ثم في برلين عام 1955م - 57، براغ عام 1960م، 1968م بوخارست، الدنمارك، السعودية، والجزائر عام 1973م وتجلت أعماله منذ السبعينات بميزة الغاء التسطيح وجمع المستوين العمودي والأفقي في منظور جديد حيث البعيدلا يختفي بل يتجلى وكأنه في مقدمة اللوحة، الغاء حجاب القريب للبعيد..
الشهادات والجوائز التي حصل عليها في باريس
فاز في مسابقة لوفران بدرجة امتياز عام 1952م
الجائزة الأولى للأعمال المنجزة لعام 1952م
الجائزة الأولى في مسابقة اوفران لعام 1953م
حصل على الإمتياز الأول في مرسم البوزار عام 1953م
جائزة روشرون الخاصة برسم المناظر التاريخية عام 1953م
حصل على الجائزة الأولى من المدرسة الوطنية العليا للفنون الجميلة التابعة لوزارة التربية في بارس وذلك في عام 1953م
موضوع دراسته
حصل الجادر على شهادة الدكتوراه وكان موضوع دراسته هو المخطوطات العراقية المصورة من فترة القرون الوسطى والمحفوظة في المكتبة الوطنية بباريس . وملخص محتويات الرسالة يتضمن في المقدمة وفي قسمها الأول عرضاً تاريخياً للعصر العباسي من 750م - 1258م ثم الخطوط العريضة الخاصة بالواقع الإقتصادي والإزدهار المتميز للواقع الثقافي ومنها دوافع الإهتمام بتصويرالمخطوطات .
اما القسم الثاني من المقدمة ففيه بحث لمشكلة تحريم رسم الأشكال والأشخاص في التشريع الأسلامي، وما كان لها من ثأثير كبير على تطورهذا الفن ، بحيث أدى الى نموه باتجاه الفن الزخرفي واستمرار اثر ذلك على الحركة الفنية حتى التاريخ المعاصر، الا ان الجادر استنتج في دراسته على عدم وجود مثل هذا التحريم بالإستناد الى البراهين العديدة التي توصل اليها العلماء والمتخصصون الذين انكبوا على دراسة مشكلة تحريم التصوير بالإسلام . بالإضافة الى البراهين التي توصل اليها الجادربنفسه، منها اكتشاف محراب في بغداد من العصر العباسي وهو مشغول من مادة الحجر، وعلى جوانبه منحوتات بارزة تمثل محاربين يحمل كل منها سيفاً .
وتضمن الفصل الأول من البحث جردّ المخطوطات المصورة في المكتبة الوطنية بباريس، والفصل الثاني تضمن المخططوطات العلمية، اما في الفصل الثالث فبحث في التأثيرات على المدرسة الفنية العراقية . وضمّت الخاتمة ما احتوته المدرسة العراقية من تصوير خلال هذه المرحلة من عناصر وتأثيرات وما بقى من عناصر بعد الغزو المغولي .
من اقواله
-دخلت كلية الحقوق لرغبة والدتي .. لجأت للمراوغة كي اكمل طريق الرسم، كنت حين اخرج صباحاً احمل في يدي حقيبة كبيرة كالتي يحملها المحامون لتضن والدتي انني ذاهب الى احدى المحاكم، في حين كنت اذهب الى مدرستي التي عينت بها معلماً للرسم .
-لقد تأثرت في بداية دراستي في معهد الفنون الجميلة بأستاذي فائق حسن، وفي باريس كنت متأثراً ببعض اساتذتي وببعض فناني المدرسة الإنطباعية الحديثة ، وكان هذا التأثر مختلطاً باعجابي وإكباري لما انتجه الرسامون العظام، ثم بعد عودتي الى بغداد بدأت ابحث عن نفسي وما زلت اعالج هذه المشكلة ( 1970 )
-الفن هو المستمد من شعور الشعب، من شعور الملايين، فليس من السهل ان يضمحل وينهار، انه يحتاج الى زمن بعيد، وحتى في هذه الحالة فهو يبقى كمرحلة مهمة من تاريخ الأمة .
-حينما ابسط رؤياي للشكل، ويتعاقب ذلك التبسيط بحيث ينفذ الى جوهر ارتباطه، فليس عندي من حل جمالي يفيّض الوحدة في عملي غير المفردات التجريدية، فهي خير عون لإسداء المعاونة الخيالية في ايصال نقاط الضعف ببعضها على ان يكون ذلك بغير اعتباط بالنسبة للواقع والتلاحق الموسيقي للصورة .
-اذا كان الفن كالحب وسيطاً بين الإنسان وكل الأشياء والتاريخ، فهل استطاع الفنان العراقي عبر تلك الرؤيا، وعبر تعادل التواصل مع اللون مواكبة التحولات الجذرية .
-يجب ان لا نفكر بأننا ننقل الموضوع، بل يجب ان نفكر بأننا نخلق الشكل، يجب دائماً ملاحظة المجموع داخل الصورة وليس اجزاء الموضوع متفرقة ولا التفاصيل .
-ان الضوء هو الذي يخلق الشكل وبدون الضوء لا وجود للشكل .
-انني احد شواهد العصر، ارقب ما موجود حولي من طبيعة وبيئة وشواهد، كما انني كثير السفر، تستهويني المشاهد الريفية والآثار، وقد نقلت الآثار بشكل تعبيري وتأملي . انني ادخل الفكر الى المشهد وان لوحاتي لاتنتمي الى المدرسة الإنطباعية وانما هي نظرة تعبيرية، انها مدرستي الخاصة فلي اسلوبي .
-ان الفن ومنذ وقت طويل كان لصيق الأزمات الأنسانية الذاتية والإجتماعية والرسم عموماً فن ما زال غير سهل التصميم .. باعتبار ان الفنون ما زالت في هذه المجتمعات لصيقة بمبادرات الفرد والتجمعات .
-حاول الكثير من الرسامين اللجوء الى التجريد والمغالات بالحداثة .. وقد يكون اتجاههم هروباً .. كيف يمكن لشاعر مجدد ان يكون واعياً لشعره وواضحاً فيه اذا لم يكن قد ادرك التفعيل والأوزان الشعرية، واذا لم يكن قد درس التراث وفهمه وقرأ المتنبي والجاحظ والمعري وابو تمام .. ان الرسم شأنه شأن الفنون الأخرى هذا من ناحية ومن ناحية اخرى فإن اي موضوع نريد له ان يكون شمولياً لا بد ان يكون محلياً بطرحه عالمياً في ابعاده الإنسانية .
-انا ارسم ما احس به، وأنا ارسم باحساسي كوني انساناً له معاناته الإجتماعية المعينة وأريد ان اعبر عنها ولكل هذه الأسباب ارسم بكثير من الوضوح وبكثير من الغموض ايضاً، الغموض المتغلغل في جزئيات العمل .
قالوا فيه
نزار سليم
ان تكرار الألوان المنتقاة من خلال الإسلوب الذاتي المنفعل والمفعم بالحياة والشعور بالزمان تصل عند الجادر الى حد الوضوح والقوة التكنيكية، فمن ريف لبنان الى زقاق في المدينة المنورة وبرج الكنيسة وقلعة نجد الى ساحل البلطيق، تبقى الوان الجادر هي هي، وقد اكد الجادر في جميع اعماله على انه فنان متمكن اتخذ اسلوبه دون ضوضاء او محاولات مكثفة وممارسة مستمرة .
جبرا ابراهيم جبرا
اذا راح الفنانون يبحثون عن اسلوب يصلهم من ناحية بأرضهم وتراثهم ويصلهم في الوقت نفسه بلأساليب المتطورة في العالم، انصرف خالد الجادر الى بحثه بتكنيك انطباعي يستخدمه في تصوير واقع الناس وواقع الطبيعة ولا سيما في الريف، ضربات فرشاته كبيرة، وألوانه يغلب عليها الأزرق والرمادي، يحاول بها النزول بالمرئيات الفسيحة الى خلاصتها الأخيرة المعبرة عن مشاهد فسيحة وهو يراها في حركة يرفض ان يقَولبها في تكوين معين غير الذي تنتهي اليه سيولة الحركة نفسها، في رسوماته تلقائية نادرة لا نراها في اعمال الفنانين الآخرين الذين يؤثرون سيطرة الشكل المدروس، وتبدو هذه التلقائية على اجملها في تخطيطاته السوداء الجياشة بخطوطها العريضة .
شاكر حسن آل سعيد
هذا هو الجادر، مسحة لونية.. مسحتان .. ثلاث، وتتلاشى من امامك كل رؤاك المسبقة، انك لا تكاد تبصر ملامح المرأة ولا تضاريس الجبل، وتبتعد قليلاً وتمتلك انفاسك المتهدجة .. لقد بدأت تدرك الآن ولكنك في الواقع لا تدرك شيئاً منه فإن ذلك الفيض من البقع واللمسات اللونية لا يكاد ينضب، والسطوح المتداخلة ببعضها تتملكك وهكذا تتلاحق مشاهد هذا العالم المرسوم كنمو عضوي بعد ان ظل بناءاً معمارياً كحركة الأرابسك بعد ان كان تصاعدياً باروكياً، وعند الأفق أظل انشد رؤية نجمة واحدة تلمع دون جدوى .
فاروق يوسف
أبدأ من حيث تبدأ واحدة من اهم مشكلات خالد الإنسانية والفنية ( البساطة ) هذه الكلمة السحرية التي لا تعني شيئًا محدداً، بل تعني كل شئ في الفن ويعادل تأثيرها قوتها في الوجود الإنساني، ربما يكمن السر في ان جزء منها بإمكانه ان يعبر عنها، سرها كامن فيها، لا تقارن الا بالحرية، لعظمة ما يمكن ان تؤديه، ولشموليتها، وقد تكون الحرية مصدرها، أكثر ارتياحاً لها، اقصد : حرية الإنسان في مسؤليته، في تفرده، في عزلته في تفوقه في اشد نوبات رغبته في الصراخ، في يقضته المبكرة، في حبه المتوحش، وفي جنونه ..
مي مظفر
من يستعرض انتاجه الغزير لا يخرج الا بانطباع واحد وهو ان هذا الفنان كان لا يتوقف عن الرسم الا حين يخلد الى النوم، فيده تتحرك باستمرار .. بل كان لحركة الفرشاة صلة بحركة يده الطبيعية، وذلك ما يذكرنا بنزعة الرسامين الأوربيين الذين ابداً يتأبطون دفاتر تخطيطاتهم فلا يدعون فكرة تمر اواشارة الا والتقطوها، لعل تلك الإستمرارية هي التي جعلت خالد الجادر متنوعاً في انتاجه، قادراً على ان يمنح المشاهد حساً بالمكان والشئ، عبربضعة خطوط سريعة حيوية، لقد اوصلته الممارسة الى القدرة على التعبير بلغة بليغة مختزلة ..
عادل كامل
الفنان الجادر، المؤسس، الذي ينتمي الى الريادة في التشكيل الفني العراقي ( اي منذ اربعينات القرن العشرين ) وجد استبصاره في الحاضر، مدخلاً لتمثيل جماليات الفن، الامر الذي جعلنا نتحسس بعمق ذائقته .. وتأملاته، لمغزى التجربة الجمالية ومنحاه الفكري الأبعد، وانه لهذا السبب يحفزنا لأسئلة متجددة، ماذا بعد الشكل الفني .. ماذا بعد الألوان .. ماذا بعد المضمون .. وماذا بعد التقنية ..؟ اسئلة تقود الى اختيارات الفنان للقناعات التي بلورها، بفنه، بحياته، وبالتالي، تركها لنا، كتراث، يحفز تجدد الذاكرة .
يوسف الصايغ
مدينون بالوفاء .. اجل ..
والا .. فلمن ندَّخر فضائلنا .. وعلام نقننها .. ترانا نخشى، ان تحين ساعة، نحاول ان نؤدي فيها، ديناً علينا، فلا نستطيع .
كيف يمكن ذلك؟ .. والوفاء للذاكرة، قد يصغر احياناً، فيصير كلمة طيبة، نقولها .. ونستريح .. او، فعلينا ان نتخذ مهمات المؤسسات، بحيث نفي لمن يستحقون الوفاء، بأكثر من كلمة طيبة، وزهور عرفان ..
والساعة، استحضر في هذا السياق صور لفنان عراقي، قبل اكثر من ثلاثين عاماً .. والمكان مرسم دار المعلمين العالية .. ونحن شباب مكتفون بأحلامنا، ومحبتنا، ورغبتنا الأكيدة في ان نكون أصدق، وأجدر .. وكيف يتأتى لنا هذا الا بوسائل بريئة .. تتوسل الأدب حيناً، وحب هذا الوطن دائماً ..
لأننا كبرنا على حلم تلك السنوات .. ولان المرسم انتقل من مكانه .. ولان اللوحات بهت لونها .. ثم لأن ذاك الفنان القادم بشهادة الدكتوراه من فرنسا والذي فتح الباب .. وعرّفنا بنفسه انه خالد الجادر .. أقول لأن ذاك الفنان بعد أكثر من ثلاثين سنة .. رحل عنا .. وخلف في نفوسنا .. لوحات وذكريات .. ينبغي بأبسط أسباب الوفاء، ان نجلو عنها غبارالسنين .. بأصابع الوفاء .. قلت هو مرسم دار المعلمين ..
بلند الحيدري
وقف من الجيل الجديد والذي مر الكثيرون منه ، استاذاً وعميداً لأكاديميتهم، موقف المتحمس لأدائيتهم الحديثة على ان يتواصل مع واقعهم الإجتماعي من حيث معطياته الإجتماعية والفنية، وإبراز الشخصية العربية عبر مخاضها الحالي .
من ارشيف الفنان فيصل لعيبي صاحي
شهادات موقعة من تلاميذه
مؤيد المعتصم
لقد كنت دوماً احس بأن وراء الحدود معاول للبناء لا تتحدد طاقاتها في حيز ولا تضيق في حدود ولا يمكن استلهامها من وراء الفراغ فالرجال صانعوا التاريخ قلائل، الحافرون في ذاكرة الإنسان امانيه وطموحاته وتطلعاته، المؤمنون بالوطن صوراً مشعة في القلب تتراءى امام الأعين مشاهدات ذابت بها الروح دماً وصبراً خلاقاً .
ان الجادر على كونه فناناً اعطى من روحه لوطنه الباع الأكبر الا انه كان تاريخاً وسجلاً حافلاً مليئاً بالمتعة والبساطة والسماحة في اعلى نبلها . من الواقع استمد قدرته ومن اللوحات الشفافة الصميمة نال اعجابنا ومن مشقة المسلك في وقت كان يُعد الفن مزحة وتسلية، كان الجادر انساناً يعانق الشمس ويستلهم الأرض ويبني للأزل قصيدة مرسومة لوًّحتها انامل الضياء ودغدغتها عرائش النور في بواكير الفجر الباسم، مغدقاً من عطائه اجَلّ ما يملك سخياً كأحلى ما يكون السخاء، مبدعاً خلاقاً، انسانياً، اننا في هذا الموقف على الرغم من فقدنا الرجل الذي صنع البهجة فقد كسبناه تاريخاً ..
حسني ابو المعالي
تحل مع مطلع كانون الأول (ديسمبر) من كل عــــــــــام ذكرى رحيله، رائد تشكيلي كبير، لم يحظ في حياته وهو في أوج عطائه الفني بعصر ذهبي، إلا أن الذهب الحقيقي كفنه باق لكل العصور، إنه الفنان العراقي "خالد الجادر"•
رحل ربما احتجاجا على زحمة المدعين، ولم يرحل باعتباره واحدا من القلة المبدعين، كان عاشقا أحب المرأة والقرية والطبيعة، ومناضلا دافع عن الحرية والإنسان، نهل ألوانه من مياه دجلة والفرات، وسافر بهما إلى الماضي وتوغل في عراق سومر وبابل وآشور، وبحث بعين ألآثاري وبقلب الفنان عن ضالته فوقع بحب (عشتار)، وراح يعزف لها طويلا (بقيثارة أور) السومرية لحنا شجيا :
(صوت تفجر في قرارة نفسي الثكلى عراق، كالمد يصعد كالسحابة كالدموع إلى العيون، الريح تصرخ بي عراق، والموج يعول بي عراق••• عراق••• عراق••• عراق••• ليس سوى عراق) •
وعشتار ترصده بعينيها وهما تذرفان ألوانا من الدموع والدماء، حتى أذنت له ـ دون الكثيرين ـ بدخول بابل من أبوابها المنقوشة العالية، تجول عبر الأزمنة العراقية على ظهر ثور آشوري مجنح وصولا بالقرن الثالث عشر الميلادي ، كان (يحيى الو اسطي) بانتظاره، يحمل إليه مخطوطات مقامات الحريري التي حصل الجادر بموجبها على دكتوراه في الآداب بتاريخ الفن الإسلامي ضمن رحلاته الفنية الأولى إلى فرنسا بعدما نال بكــــــــــالوريوس كلية الحقوق وكذا دراسته للفنون الجميلة في بغداد • كان صاحب مدرسة لونية ساحرة، لكن ذلك لم يمنعه من الإبحار في عالم التخطيطات التي كان الفنان يعتبرها الأرضية التي تقف عليها اللوحة، بل لعل معظم تخطيطا ته ـ مهما تباينت فيهما درجات الظل والضوء بالأبيض والأسود ـ فإنها لوحات تعتمد في ألوانها على حركة الأقلام السوداء، أقلام طالما انحنت طائعة بين أنامل فناننا المقتدر، كانت تلك التخطيطات زاده اليومي ووسيلته للتعبير، ومرآته الواسعة التي يجد فيها العالم كله •
كان (غويا) عصره لكن معاصريه لم يكونوا أوفياء له بمستوى من عاصر الفنان غويا، فقد كانت ذكراه تمر كل عام يتيمة، كسحابة صيف، على الرغم من أن إرثه الفني كان ولا يزال يمتلك كل شروط الغيث الوافر بالألوان والمواضيع المفعمة بالجمال •
راهن على الأخلاق إلى جانب موهبته لضمان نجاحه الفني، فلم يسع إلى النجومية فاكتسب صفاء الألوان في أعماله من صفاء قلبه وعانق بها غابات النخيل التي اتخذت من العراق موطنا لها، وتسلق بفرشاته جبال العراق، وغنى للوطن وأغناه بأجمل اللوحات الخالدة التي سافرت معه إلى عواصم الدنيا، وأضاف إلى الفضاء التشكيلي العربي لبنة فنية متميزة •
سحابة الغربة أمطرته على ضفاف (نهر سبو ونهر أبي رقراق) حيث محطته الأخيرة قبل رحيله الأبدي، يتأمل (الأفلاك) المغربية، تلك المراكب النهرية وهي تشرئب بأعناقها الخشبية باتجاه الأفق، أفق لونته الشمس بلون الصبح، فيعود على بساط الذكريات إلى ـ مشا حيف ـ الوطن، وطن لونته الحروب بلون الحزن، إنها ضفاف عراقية على أنهار مغربية إنه لقاء المغرب بالمشرق، فكأن البصرة على نهر سبو وبغداد على ضفاف أبي رقراق • وعاد الجادر إلى وطنه بعد أن أتعبه الترحال بعيداً عنه، لكنه عاد محمولا على لوحات لا تحمل توقيعاته وإنما بصمات عشاق فنه من تلاميذه وزملائه وأصدقائه المخلصين
فراس عبد المجيد
لم يكن الفنان الراحل خالد الجادر استاذاً تقليديا .. بقدر ما كان خيمة تلتمّ تحتها كل الذوات الطامحة الى المعرفة الفنية الأصيلة الحقة . وهذه الخيمة شدّت أوتادها أول ما شدّت في إحدى قاعات أكاديمية الفنون الجميلة التي صار اسمها ، فيما بعد ، كلية الفنون الجميلة
كنا في السنة الأولى من الدراسة .. لم نكن قد تخصصنا بعد في فروع الفنون التشكيلية .. وكان أستاذنا في مادة تاريخ الفن هو الاستاذ وليد الجادر .. شقيق الفنان خالد الجادر . كان مجرد لقب " الجادر " يذكرنا بالفنان الكبير خالد الجادر الذي كنا نتقصى أخباره .. وكانت لدينا رغبة كبيرة في التعرف الى بقية أسرة الجادر الفنية .. وعلى الأخص فناننا الكبير خالد . وما أن انتقلنا الى السنة الثانية حتى تقرر أن يدرسنا الفنان خالد الجادر بنفسه مادة تاريخ الفن .. والطريف أن محاضرته كانت تجمع كل فروع الفنون التشكيلية من رسم ونحت وسيراميك في قاعة واحدة .. كان ذلك في سنة 69 / 70 .. وكانت هذه فرصة نادرة لاجتماع الفروع كلها في قاعة واحدة ، بعد أن شتت التخصص الكثير من الطلبة الى مجالات مختلفة والى اصطفافات جديدة
درسنا تاريخ الفن العراقي القديم في السنة الاولى على يد د. وليد الجادر .. ودرسنا الفن الحديث في اوربا على يد الفنان خالد الجادر في السنة الثانية .. ودرسنا حب الفن على يد الفنانين الشقيقين معا ولسنتين متتاليتين
المفارقة تتجلى في ما يلي من سنوات . فبعد ما يزيد على عشر سنوات تضطرنا الهجمةالفاشية الشرسة الى مغادرة العراق الى مناف متعددة ومتباعدة انتهت في المغرب حيث يقيم الفنان الكبير خالد الجادر ومعه هذه المرة شقيقه الفنان المهندس والباحث سعد الجادر ... ها نحن نلتقي بأسرة الجادر الفنية مجددا .. ولكن هذه المرة في منفى ناء يدفعنا الى أن نلتم على بعضنا بحب وألفة لم نعشها في أرض الوطن لتعدد الخيارات والعلاقات الانسانية هناك
وما أجمل الخيمة التي لفتنا مجددا تحت ظلالها في المغرب ، بعد أن جمعتنا في احدى قاعات أكاديمية الفنون الجميلة في بغداد .. كنا مجموعة من الفنانين الذين تتلمذوا على يد هذا الفنان الكبير : طارق المعروف ، حسام الدين محمد علي ، الخطاط رعد عبد الرحمن ، حسني أبو المعالي ، وربما جوشن ابراهيم ..وكان هناك اعلاميون وصحفيون ومثقفون يشاركون هذا" الاحتفال " . كان هناك د. زكي الجابر ..ود. فايق الحكيم والشاعر خالد الحلي والصحفي علاء الدين محسن. كانت الظروف صعبة .. لكن الآفاق كانت رحبة رحابة الفن الذي نذر خالد الجادر نفسه له .. وحين ينتقل الفنان خالد الجادر الى رحمة الله تنشر الخيمة ظلالها مجددا .. ولكن هذه المرة في إحدى قاعات المعهد العالي للصحافة ، حيث كان الفنان الخالد يلقي محاضراته في مادة تاريخ الفن والنقد الفني .. حين أقامت إدارة المعهد حفلا تأبينيا للفنان الراحل ، تحدث فيه معظم الحاضرين من العراقيين عن حزنهم ولوعتهم لهذا الرحيل المفاجئ .. وأطلقت إدارة المعهد اسم الفنان خالد الجادر على تلك القاعة التي كان يلتقي بها الفنان بطلبته. والجدير بالذكر ، إن أحدا من موظفي سفارة النظام السابق لم يكلف نفسه مشقة الحضور الى هذا الحفل التأبيني
ونحن نسترجع ذكرى الفنان الراحل خالد الجادر ..نقف إجلالا لهذا الصرح الحضاري الكبير
ولهذه النخلة العراقية الشامخة التي تبقى وارفة الظلال
طارق المعروف
تميزت اعمال الفنان خالد الجادر بقوة التكنيك واستخدام السكين في وضع الألوان على اللوحة وكأنه ينحت لوحاته بهذه الألوان نحتاً.. كان يدرك ان كل الألوان في الطبيعة يعكسها ضوء الشمس فتعطي رونقاً هائلاً من جمالية اللون في اللوحة .. وكان يدرك إبداعية التكنيك في عمل السكين باللوحة.. كان يبحث في كل مفردات الحياة العامة ويرصد حركة الأشخاص في كل مكان ويجد مفردات اعماله في الأسواق، المآذن، الملابس، العمائم، الجلاليب، والسبابط وكل الزخرف العربي محاطاً ومتداخلاً بمفردات اللون والكتلة والضوء والظل في كل تدرجاته ..، كان دفتر السكيتشات الصغير لا يفارقه، ينقل كل ما ترصده عيناه اثناء التنقل أو السفر، ولا تفارقه كامرته الفوتغرافية ايضاً، ينقل الطبيعة، يحاكيها،ويضيف لها لغته الجميلة، التي حروفها لون،كتلة،ضوء،خطوط، نفس وتناغم ..
عرفته منذ كنت طالباً في اكاديمة الفنون الجميلة، كان مربياً لنا في مادة تاريخ الفن، لم يكن استاذاً تقليدياً، كان اباً وأخاً وصديقاً ، كانت ابتسامته لا تفارقه حتى في اشد الظروف حلاكة، ازوره برفقة الأصدقاء من تلاميذه الى داره أراه مشغولاً بنباتاته وزهوره المتنوعة في حديقته،والتي جمعها بذوق عالٍ من بلدان مختلفة، وكان يتعامل معها كما يتعامل مع لوحاته وطلابه وناسه ومعارفه، كان فناناً في كل عمل وفي كل سلوك ..
انتهت دراستنا الأكاديمية لكن ما يربطنا به لم ينته، كنا نتابع ندواته ومعارضه، ونتحاور ونتبادل الرأي معه -في الوطن وفي المنفى- بكل حماسنا واندفاعنا، وبكل عظمته وتواضعه، كان يأخذ منا ويعطينا ...
ان رحل عنا خالد الجادر جسداً، فأن روحه خالدة فينا وفي اعماله التي تقف دليلاً شامخاً على عظمتة فناناً وانساناً ..
من مؤلفاته
1-الواسطي والخصائص الفنية للمدرسة العراقية في العصور الوسطى الإسلامية .
2-المعاصرة والتراث .
3-حركة التوسع الإسلامي وأثرها .
4-سامراء وأثر العلماء الألمان فيها .
5-مجموعة بحوث عن فنانين : دكا، ماتيس، فان كوخ ..
6-مجموعة بحوث عن تاريخ الإمبراطورية البيزنطية
7-مجموعة بحوث عن الحضارة العباسية
8-مجموعة بحوث عن الإمبراطورية الرومانية
9-مجموعة بحوث عن مفردات حضارية وفنية معاصرة من المانيا الدميقراطية انجزها خلال اقامته في برلين الشرقية 10-خلال الأعوام من 1960 - 1966م
11-حرب الثلاثين عاماً
12-تاريخ العصور الوسطى
13-الباليه او الرقص التعبيري : مجلة العلوم العدد الثامن 1969
14-فضل العرب في التصوير خلال عهد الحضر، بتكليف من الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، 1972م
15-مكانة العصور الوسطى ونهايتها : المجتمع الإقطاعي ونشوء المدن والتجارة والحركة الفكرية ونشأة الجامعات .
16-الإنطباعيون
17-الإنطباعيون الجدد
18-السرياليون
19-التجريديون
20-التعبيرية
بالإضافة الى العديد من البحوث ومنها كتيب عن المخطوطات العراقية المرسومة في العصر العباسي، ولمحات عن الفن العراقي .
فنان رحل ولم يرحل
حين يغيب عصفور يهتز عشه ..
ولكن حين يغيب المبدع، هل يهتز وطنه ؟
واين هو وطن المبدع ؟
انه فينا،يجر كما تفعل الغابات وراءه حشداً من الوعول، وربيعاً من الطفولات، صمتاً مترعاً بالغناء، أنهاراً من الشعر. يجر وراءه الحب الذي لا يكون بحاجة الى الإعتراف، انه يصوغ اشعاعه كما تصوغ النجمة ضوءها، وكما يصوغ القمر مسافته، وكما تصوغ القبلة قوتها .
في الثاني من شهر كانون الأول ( ديسمبر )عام 1988 اغمض الفنان الكبير عينيه بعيداً عن وطنه، وقد انطوت برحيله حياة واحد من ابرز وأخلص الرواد في وطنه العراق .
واخيراً كيف نعلن عن وفائنا لرموزنا الحضارية؟ كيف نعلن عن وفائنا لأعلام الفن والإبداع، كيف نعلن عن وفائنا لمن اضافوا جمالاً وابداعاً لإرثنا الحضاري .. أي فعلٍ نجده ضئيلاً امام هذه العظمة والشموخ ... لكن اقل ما نفعله ان ندون بصدق تاريخ ابداعهم ... انها دعوة من مجلة "معكم " لكل من يستطيع الكتابة ويضع معلومة في السجل المدون للفنان الخالد، خالد الجادر ..
للإطلاع على موقع الفنان خالد الجادر
http://www.khalidaljadir.info