وصفها "ابن بطوطة" بمدينة السمك والخزف وحاضرة المحيط، تعد من بين أعرق الحواضر بالمغرب لمآثرها التاريخية والقلاع التي تشهد على أصالتها . معالمها التاريخية تشهد على تاريخ عريق يعود إلى العهد الأمازيغي القديم، ثم الفينيقي، ثم البرتغالي في القرن 11 م، يتركز تواجد مآثرها التاريخية بالمدينة القديمة ومشارف البحر وضواحيها والتي يعود أغلبها إلى حقبة الإستعمار البرتغالي . فقصر البحر الذي يوجد في مواجهة المحيط الأطلسي، والذي يطل على البحر وعلى ميناء الصيد البحري، أسسه البرتغال في القرن 16 من أجل حماية المدخل الشمالي للميناء، ومقر إقامة عامل المدينة ( محافظ المدينة )، وهو ما يفسر وجود العديد من المدافع الحربية به وعلى أبراجه . وقد أعيد ترميم هذا القصر في عام 1963، وكذلك قلعة "القشلة" التي تطل على المدينة القديمة، بالإضافة إلى ذلك، فان أهميتها تأتي من انها تجمع بين الأصالة والمعاصرة، فنجد فيها العديد من معامل تصبير السمك ومن ورشات تصنيع الخزف، العاملان اللذان يمثلان عصبها الاقتصادي .
مدينتها القديمة تعود إلى العهد القديم، وتتميز بأزقتِها الضيقة، تزخر بالصناعات التقليدية وخاصة صناعة الخزف، بالإضافة إلى أنها مدينة ساحرة وغامضة، جعلت العديد من الفنانين والسياسيين والرسامين يتخذونها مستقرا لهم، ليستمتعوا بسوقها وبحركتها الدؤوبة، التي لا تتوقف إلّا في ساعات المساء المتأخرة .
من بين المآثر المهمة والتي تزخر بها مدينة آسفي، المتحف الوطني للخزف الذي أسس عام 1990 ويضم مجموعة من القطع الخزفية المهمة، التقليدية والحديثة، والتي تتميز بأشكالِها الهندسية المتميزة، وبألوانِها المتناسقة . وصومعة الجامع الكبير التي يعود بناؤها إلى العهد الموحدي، وطاجين المدينة الكبير الذي يوجد في قلب المدينة، والذي مكَّن جمعية الفاعلين الإقتصاديين بمدينة آسفي من دخول كتاب الأرقام القياسية "جينيس" في 10 يوليو من عام 1999، من خلال إنجاز أكبر طاجين لكُرات سمك السردين الذي ساهمت في إعداده 200 إمرأة، وقدم للمحتاجين 3 أطنان من السردين المشوي، والطاجين هو إناء الفخار التقليدي، الذي تطهى به الاطباق المغربية المتميزة .
كانت مدينة آسفي ميناء ترسو فيه السّفن الأوروبية الراغبة بعقد المعاهدات الدولية مع مراكش، كما كانت تحظى منذ القديم باهتمام العاملين بالسلك الدبلوماسي، الذين فضّلوا الإقامة فيها، كممثّل الملك الفرنسي هنري الثّالث، وجعل منها المرابطون مقرّاً لتجميع الذهب من أفريقيا، ونقله إلى الأندلس؛ لاستخدامه في صكّ القطع النقدية، وفي عهد البرتغاليين، أصبحت مدينة آسفي من أهمّ موانئ تصدير الحبوب، والصوف، والسكر، الذي تمتّع بسمعة طيبة لدى الإنجليز، وكذلك ملح البارود، الذي كان يدخل في تصنيع الأسلحة الحربيّة البريطانية . دخلها القائد العربيُّ عقبة بن نافع، الذي أوكل لشاكر صديقه نشر التعاليم الإسلامية، وتعليم البربر أصول اللغة العربية، وله فيها اليوم رباط يعرف باسم سيدي شيكر، بالإضافة إلى العديد من الرباطات التي تعود إلى الأولياء الصالحين، كرباط الشيخ أبي محمد صالح، والذي كان مقصداً لأهل العلم، بالإضافة إلى مكانته الدينيّة، ولأنّ تاريخ المدينة حافلٌ ببطولات أهلها، ومقاومتهم للمستعمر البرتغاليّ، ومن بعده الفرنسي، تشكلت فيها العديد من حركات التحرّر والمقاومة المسلّحة؛ كأسود التّحرير، ومنظمة المقاومة السريّة، كما تنتشر على جنباتها أضرحة شهداء الإستقلال، كالفقيه عبد السّلام المستاري، ومحمد بلخضير .
آسفي مدينة ضاربة في القدم، أنشأت على وادي الشعبة، منبع الطين والخزف الذي اشتهرت به المدينة . ومنذ أقدم العصور، وقبل دخول الإسلام، اعتبرت المدينة ضمن المدن المقدسة المعروفة في العالم القديم . ولا يعرف بالضبط العصر الذي تأسست فيه آسفي، فهي قديمة قدم التاريخ نفسه . ولعل اللقى التي اكتشفت بجبل ايغود شرق المدينة سنة 1962، والمتكونة من بقايا عظمية بشرية وحيوانية وأدوات مختلفة تفيد بأن الإنسان شيّد آسفي قبل خمسين ألف سنة . والمآثر التاريخية والقلاع تشهد على هذا التاريخ العريق . وكل من تناول تاريخ آسفي من المؤرخين والباحثين، يقر بأن جذور وجودها تضرب عميقا في مجاهل التاريخ . وقد تولد عن ذلك تضارب كبير في الرأي حول أمور تتصل بتأسيس هذه المدينة، ومدلول اسمها والأصل الذي اشتق منه . ومع كل هذا التضارب فقد حظيت آسفي بأهمية بالغة، حتى أن اسمها ورد ضمن المعاجم التاريخية كمعجم البلدان لياقوت الحموي، وذكرها الرحالة المغربي الشهير بن بطوطة في مذكراته الشهيرة التي ترجمت إلى أكثر من عشرين لغة .
يربط الشريف الإدريسي في كتابه المشهور " نزهة المشتاق في اختراق الآفاق " أصل تسمية مدينة آسفي بقصة ثمانيةِ فتية سماهم بالمغرَرين تجمع بينهم قرابة العمومة، خرجوا من ميناء ( لشبونة ) بالبرتغال لاكتشاف مجاهل المحيط الأطلسي، وبعد أن واجهوا الكثير من أهوال البحر، وقعوا في أسر أمير إحدى الجزر الذي طوح بهم معصوبي الأعين على ساحل مجهول، ولما علموا من بعض سكانه الذين فكوا وثاقهم وتحلقوا حولهم مقدار المسافة البعيدة التي تفصلهم عن وطنهم وذويهم، صاح زعيمهم وا أسفي، فسمي هذا المكان منذئذ باسم آسفي .
وكما اُختلف في تحديد تاريخ بنائها كذلك اُختلف في اصل تسميتها، فالمؤرخ البكري يشير إلى أن اسم مدينة آسفي مشتق من الكلمة البربرية ( أسيف ) التي تعني مجرى مائي مؤقت، وفعلا لا يزال يخترق المدينة وادي يعرف بوادي الشعبة ويصب فيها . وفي نفس السياق يورد أحمد التوفيق أن ( اسم أسيف هو النهر أو الوادي فكلمة آسفي في لغة مزاب، تعني حوض الماء المصبوب بواسطة الناعورة، ومنه كلمة انيفيف، وهو في لغتهم القمح، فأسيف على هذا الأساس آلة الصب وينبغي إرجاع اسم مدينة آسفي إلى الجذر الذي ينطق ( بفتح السين ) أو آسفي ( بسكون السين ) . ولا غرابة في ذلك، فالموقع متميز بوجود خور مصب نهر سيال في الفصل المطير، حتى أنه يتسبب أحيانا في أضرار وخسائر) .
أما الفرضية الأخرى في تسمية آسفي، فيمكن استنباطها من قولة مؤرخ آسفي الفقيه الكانوني ( آسفي المصباح المضيئ، ينطق بها أسافيو بكسر الفاء، لا جمع لها، ومن مادتها أسفو، معناها المشعل الذي يجمع على أسافو، وغالب الظن أنه كان يوجد بمدينة آسفي في وقت ما مصباح يضئ الشاطئ ) . وفي هذا الصدد لا بد من الإشارة إلى الأهمية التاريخية والحضارية التي تتميز بها مدينة آسفي قبل الإسلام، وهي تشييد منارات على الشواطئ لهداية السفن أثناء عودتها ليلا، كما أن الأهالي يشعلون الأضواء في تلك المنارات إعلاما بالهجوم واستعدادا له . هذه الفرضية التاريخية أكدها الفقيه الكانوني ( آسفي لفظ بربري مأخوذ من قول البربر للضوء أسف بضم الفاء، فحرّفَ باستعمال الكسر على أن بعض البربر ينطقون به مكسورا ) .
ويستنتج أحمد التوفيق في محاضرة له تحت عنوان " معنى اسم آسفي" "الروايتين معا يأخذان بالمنحى اللغوي في إجلاء مدلول اسم آسفي، ورغم اختلاف الكلمتين فقد كان في بنائهما ومدلولاتهما في واقع ماضي آسفي ما يبرر تداولهما على ألسنة الناس . فربط اسم آسفي بأسفو يأتي من واقع لا اختلاف بشأنه، مفاده أن المدينة الموجودة منذ أحقاب متطاولة كما ذكر ابن خلدون كانت مرفأً تجاريا مهما، وزاد أيضا من أهميتها إنه لم يكن وراء هذا الثغر العامر مدينة جامعة ولا محلة مسورة . ولا شك أن هذا الميناء بأهميته التجارية وبموقعه القصي المتطرف، استوجب من تجاره وعمارته اتخاذ إجراءآت من الحيطة والاحتراس، ومن ذلك نصب مشاعل ومنائر، أي أسفو بلغة بربره من المصامدة، فكانوا يرتبون بالشواطئ حراسا، فإذا ظهرت قطعة في البحر يشعلون الأضواء في المنائر إعلاما بالهجوم والاستعداد له، كما كانوا بهذه المشاعل يرشدون السفن ليلا إلى المرسى . وعليه فإن إقامة المشاعل والمنائر كانت واقعا تاريخيا بمدينة آسفي يصح معها ربط أسفو باسم آسفي، وبالتالي إضفاء نوع من المصداقية العلمية على تداول الرواية القائلة بهذا الطرح . ونفس الشيء نصادفه عند ربط اسم آسفي بكلمة " أسيف " فله ما يبرره في الواقع التاريخي لآسفي، ذلك أن تأسيس هذه المدينة كان بأسفل مجرى واد الشعبة القادم من الشرق، ثم إن هذا الواد عرف بسيوله الجارفة المتعاقبة، إذ كان على مر العصور مصدر رعب وقلق السكان " .
ان اكثر آثار مدينة اسفي تعود الى حقبة الاستعمار البرتغالي، ومن اهمها :
* المدينة القديمة؛ وهي مدينة ساحرة، تشتهر بأحيائها الضيّقة، وتنتشر فيها الحوانيت القديمة التي تُزاول فيها الصناعات اليدويّة التقليديّة كصناعة الخزف .
* قصر البحر الذي يعود بناؤه إلى القرن السادس عشر، ويحتوي على العديد من الأبراج المزوّدة بمدافع للأغراض الحربيّة .
* قلعة القشلة؛ وهي قلعةٌ بناها البرتغاليون بهدف حماية المدينة في موقعٍ متوّسط، بحيث تطلّ على المدينة القديمة من جهة، وتشرف على قصر البحر من جهة أخرى .
* قرية سيدي عبد الرحمن، وهضبة الخزف اللتان تتمركز فيهما صناعة الخزف المعشّق بمختلف أنواعه .
تقع مدينة أسفي على ساحل المحيط الأطلسي بين مدينتي الجديدة والصويرة وتبعد عن مدينة الدارالبيضاء بحوالي 200 km، وعن مدينة مراكش بحوالي 160 km، وتقع بين الدرجة 31 والدرجة 36 شمالا، وأراضي الإقليم تغطي مساحة 6344 كلم مربع، تضاريسها قليلة التسطح وترتفع على مستوى سطح البحر بأكثر من 500 م .
وقد بلغ سكانها حوالي 600 ألف نسمة -طبق احصاء 2015-
اضغط على الصورة للتكبير