ان حمص وبجدارة تمثل سورية على أكمل وجه للتنوع الديني لسكانها، إذ انها تضم نسبة ليست قليلة من مختلف الطوائف المسيحية إلى جانب الأقلية العلوية وغالبية سنية كما أن ريف حمص الذي يمتد حتى مدينة تدمر في قلب الصحراء السورية يضم عددا كبيرا من العشائر السورية الكبيرة من حيث العدد والنفوذ.
تقع حمص وسط سورية وهي مركز المحافظة الأكبر فيها، من حيث المساحة، والثالثة من حيث عدد السكان إذ يتجاوز عدد سكانها المليون نسمة. وتبعد حمص عن العاصمة دمشق 180 كيلو مترا وعن مدينة حماة 35 كيلو متر. وتضم المدينة ضريح البطل الإسلامي والصحابي خالد بن الوليد ولهذا السبب سميت مدينة ابن الوليد.
النكتة الحمصية
يقول المؤرخ الحمصي فيصل شيخاني : إن النكتة أو النادرة المضحكة في حمص تعود إلى عصور قديمة، وكانت أحياناً تأخذ منحى السخرية. وروى المؤرخ الروماني كيكرون عن الملكة الحمصية جوليا دومنا التي حكمت روما كإمبراطورة حبها للنكات الساخرة والنادرة الناعمة وذات مرة طلبت من المفكر الروماني "أبنيان" السوري الأصل العامل لديها في البلاط أن يروي لضيوفها ماحدث بينه وبين موظف الأمن الحمصي عند عبوره نهر الفرات.
ويسرد المؤرخ ما يلي: أردت أن أعبر نهر الفرات فسألني: موظف الأمن ماذا تحمل معك.. ولما كنت لاأحمل شيئا قلت مازحاً..أحمل الصدق والوفاء والعدل.
وهذه الألفاظ في اللاتينية تنتهي بمقطع مؤنث!! فقال لي الموظف في استعجال جهز ثلاثة جوازات سفر للفتيات الثلاث وأهلاً بك.
حمص في التاريخ
تعد مدينة حمص من المدن العريقة تاريخياً وقد تتالت عليها الحضارات واشتهرت بموقعها المتوسطي. وقد كان لهذه المدينة عند الفتح الإسلامي أربعة أبواب (باب الرستن - باب الشام - باب الجبل - باب الصغير) وجعل المنصور إبراهيم لحمص سبعة أبواب وهي :
1. باب السوق : وهو الباب الذي يعتقد أنه باب الرستن وكان يقع في الزاوية الجنوبية القربية للجامع النوري.
2. باب تدمر : بقيت من آثاره بعض الحجارة المنحوتة ويعتقد أن موضعه يعود الىما قبل العصر الإسلامي إذ أن الطريق من حمص إلى تدمر كانت تمر عبره ويقع من الناحية الشمالية الشرقية.
3. باب الدريب : وقد ورد لدى بعض المؤرخين باسم باب الدير ومن الممكن أنه باب الشام ويقع من الناحية الشرقية.
4. باب السباع : ويقع إلى الشرق من القلعة ويفضي إلى المدينة القديمة من الجهة الجنوبية.
5. باب التركمان : يقع في الزاوية الشمالية الغربية للقلعة وحيث تلتقي القلعة مع سور المدينة ولا تزال من آثاره بعض الحجارة ويعتقد أن لاسمه علاقة بسكن القبائل التركمانية في حمص حوالي القرن الحادي عشر الميلادي.
6. باب المسدود : يقع إلى الشمال مباشرة من باب التركمان وقد نقش عليه أن بانيه منصور اباهيم (637 -644) ويع في شمال القلعة.
7. باب هود : لم تبق من آثاره الاّ بعض الحجارة ولربما ارتبطت تسميته بمقام النبي هود الذي كان يقع إلى الزاوية الجنوبية منه ويؤكد موضعه على أنه كان دائماً بوابة عبر العصور القديمة لمدينة حمص ويعتقد أنه باب الجبل.
اقدم موقع سكني
ولعل أقدم موقع سكني في مدينة حمص هو تل حمص أو قلعة أسامة، ويبعد هذا التل عن نهر العاصي حوالي 2.5 كم، ولقد أثبتت اللقى الفخارية أن هذا الموقع كان مسكوناً منذ النصف الثاني للألف الثالث قبل الميلاد، ولقد ورد اسم حمص محرفاً في وثائق ايبلا المملكة السورية الشهيرة. وتدل الأخبار الموثقة التي تمت في تل النبي مندو قرب حمص أن مدينة حمص عادت للحضور، وما زالت الدراسات الأثرية قاصرة عن تحديد تاريخ حمص في العصر البرونزي والحديدي وقد طابق بعض الدارسين التوراتيين مدينة حمص مع مدينة صوبة المذكورة في التناخ.
من الممكن أن تكون حمص نفسها قد تم تأسيسها على يد سلوقس الأول حيث يذكر الفيلسوف سترابون قبيلة تدعى بأميساني تعيش حول العاصي في جنوب أفاميا وقد صنفها الرومان قبيلة عربية.وعندما احتل بومبي سوريا عام 64 ق.م وقفت قبيلة أميساني إلى جانبهم واعترفت روما بقائدها شمسيغرام الأول كملك على حمص وكانت عاصمتها الرستن. ووصلت مملكة حمص في عهد سلالة شمسيغرام إلى أقصى اتساعها حيث وصلت إلى وادي بعلبك غرباً وتدمر شرقاً وإلى الرستن شمالاً ويبرود جنوباً.
وفي عهد ابن شمسيغرام الأول لامبليش أصبحت حمص عاصمة لمملكة حمص، وقد اعطى الحمصيون مرة أخرى ولاءهم لروما عندما أرسلوا جيشهم لنصرة يوليوس قيصر خلال حصاره على الإسكندرية عام 41 قبل الميلاد، خلال الحرب الاهلية التي نشبت في روما بين أوكتافيوس وماركوس أنطونيوس وقف لامبليش إلى جانب أوكتافيوس بينما ناصر أخاه أليكساس ماركوس انطونيوس. نجح أليكساس في انتزاع العرش من شقيقه وقتله، ولكن مع انتصار أوكتافيوس في الحرب الاهلية تم اعدام أليكساس ونال ابن لامبليش لامبليش الثاني عرش والده. وفي عهد الملك سهم تم إرسال جيش من حمص لدعم الرومان في حصارهم لأورشليم عام 70م.
لعبت حمص دوراً هاماً في التاريخ الروماني، حيث أصبحت بمثابة عاصمة لسوريا في عهد أسرة سيفيريوس، وقد عرفت أيضا بالأسرة السامية أو السورية أو الحمصية، حيث انحدر جل أفرادها من حمص، عدا مؤسسها الامبراطور سيبتيموس سيفيروس الذي تزوج من الحمصية جوليا دومنا ابنة الكاهن الاعظم اله الشمس في حمص، وقد أنجبت جوليا دومنا ابنين هما كركلا وغيتا. وانتهى عهد هذه الأسرة مع آخر أباطرتها الكسندر سيفيروس (208م - 235م). ويعرف في حمص أيضا الفيلسوف الحمصي لونجينوس مستشار الملكة زنوبيا والطبيب الشهير مارليان.
آثار حمص
تحتوي مدينة حمص على عدة مواقع أثرية حيث شيّدت في حمص أبنية دينية كثيرة من مساجد ومقامات في مراحل العصور والحضارات القديمة وفي العصر الإسلامي، كما شيدت فيها كنائس ومعابد خلال العهود القديمة والإسلامية الوسيطة المتأخرة أهمها:
الجامع النوري الكبير: كان هيكلٌ لإله الشمس ثم حوّله القيصر ثيودوسيوس إلى كنيسة ثم حول المسلمون نصفه إبّان الفتح العربي إلى جامع وبقي النصف الآخر كنيسة للمسيحيين، لاحقاً وبنتيجة تهدم هذا المسجد بالزلزال في أيام نور الدين زنكي أعاد بناءه عام 1129 م على شكله الحالي حيث قام بشراء الأرض وضمها لأرض المسجد الجامع.
جامع خالد بن الوليد: الذي يضم ضريح القائد العربي خالد بن الوليد المتوفى في حمص عام 641 م. ويقع في الجهة الشمالية الشرقية من مدينة حمص. يعود بناؤه إلى أواخر العهد العثماني النصف الثاني من القرن 19 أيام السلطان عبد الحميد الثاني كما يضم ضريح عبد الرحمن بن خالد بن الوليد
وفيها كثير من المقامات مثل مقام التابعي دامس أبو الهول، مقام الصحابي أبو موسى الأشعري,مقام الصحابي عمرو بن عنبسة، مقام الصحابي العرباط بن سارية في الحولة، مقام الصحابي عبيد الله بن عمر، مقام الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز ومقام الصحابي وحشي ثوبان وغيرها.
كما تضم كذلك مقبرة الكتيب التي يقال أنها تحتوي على أكثر من 10000 صحابي رضوان الله عليهم، وقلعة الحصن، متحف حمص، الأسواق التاريخية، قلعة حمص، سور مدينة حمص، المدافن الأثرية، كنيسة أم الزنار التي شيدت عام 59 ميلادي وفيها زنار السيدة العذراء.، كنيسة مارليان الحمصي 432 ميلادي وفيها قبر القديس اليان الحمصي.
أحياء المدينة
باب السباع - الإنشاءات - حي بني السباعي - حي جمال الدين - حي الورشة - حي سوق الحشيش - حي باب التركمان - المحطة - الغوطة -- الحمراء - حي الدبلان - بابا عمرو - الخالدية - البياضة - دير بعلبة - كرم الزيتون - وادي الذهب - ضاحية الوليد - ضاحية المجد - القصور - عكرمة الجديدة - عكرمة القديمة - الوعر - المخيم - جورة الشياح - باب الدريب - جب الجندلي - باب هود - الحميدية - بستان الديوان - حي الجامعة - كرم اللوز - حي الزهراء
وهناك حي اسمه باباعمرو أو باب عمرو يفترض ان يكون هو الباب الثامن لحمص حيث يقع في الجهة الغربية الجنوبية لحمص على بعد 10 كيلو تقريبا. يحتوى على مساجد اثرية مثل مسجد الصحابي عمرو بن معد يكرب الزبيدي أو عمرو بن معد كرب الزبيدي وجدت الحفريات القديمة في هذه القبر على يقايا كتابات محفورة على صخر وقد بقى منها حرف العين وأغلب الظن ان هذا القبر يعود لهذا الصحابي الجليل. وقرب المسجد القديم تمتد مقبرة باباعمرو القديمة وقد توقف الدفن فيها منذ عشر سنوات تقريبا.معظم ابنية بابا عمرو هي ابنية شعبية الا في مناطق الجديدة فقد توسع المد العمراني حيث ان الدولة سمحت بتراخيص للاهالي الراغبين بالابنية الجديدة، فيها ملعب كرة قدم جديد هو ستاد باباعمرو بالإضافة لمجموعة اندية وصالات تدريب.الفريق الشعبي هو فريق خالد بن الوليد في بابا عمرو من الدرجة الثانية. تشتهر باباعمرو بسوق خضاره الكبير والرخيص، وكذلك محلات الالبسة والاحذية، تعتبر بابا عمرو منطقة مثالية للسكن الشعبي والقريب من الجامعة والمداخل الرئيسية لحمص. وهي على طريق مهم جدا وسياحي حيث يقسمها طريق باباعمرو الذي يمتد إلى جوبر ومنها إلى بحيرة قطينة الجميلة. تمتد باباعمرو حتى الغرب إلى العاصي وتفصل قناة الري الفرنسية بين البساتين والفلل في بابا عمرو والسكن المدني من نقاط العلام في بابا عمرو (تل بابا عمرو) الروماني ولا يزال هذا التل مهجورا مثله مثل التلال الرومانية بالرغم من غناه بالاثار والحفريات تدل على ذلك.