يعمل التلفزيون المغربي على مساءلة ذاته والبرامج التي يقدمها على شاشته من خلال برنامج تلفزيوني يحمل اسم «الوسيط». وهو برنامج تفاعلي بين ما يقدم في التلفزيون من مواد تلفزيونية تجمع بين الأخبار والمجلات الثقافية والفنية والمسلسلات الدرامية والرياضة والترفيه، وبين الآراء التي تقال أو تكتب حول كل هذه المواد سواء إيجاباً أو سلباً. بالتالي، فإن برنامج «الوسيط» الذي تقدمه القناة المغربية الأولى في شكل شهري يعالج ملاحظات المشاهدين له بخصوص الخدمات التلفزيونية التي تقدمها القنوات التلفزيونية المغربية العمومية. ويعتبر هذا البرنامج التلفزيوني فضاء للحوار من خلال الاستماع والتحليل لموضوع معين يهم أكبر شريحة من المجتمع. ويتم اختيار موضوع الحلقة عن طريق التفاعل اليومي بين المشاهدين والمسؤولين على البرامج، وذلك عبر الملاحظات التي ترد على البريدين العادي والإلكتروني .
ومن بين الحلقات التلفزيونية التي قدمها هذا البرنامج التلفزيوني التفاعلي ولقيت أصداء طيبة لدى المشاهدين، يمكن الوقوف عند الحلقة الخاصة بمكانة المرأة المغربية وصورتها في البرامج التلفزيونية المغربية ومدى حضورها في هذه البرامج سواء كمقدمة لها أو كفاعلة فيها أو مشاركة في الحضور ضمن ضيوفها. هذه الحلقة التي جعلت موضوعها يتمحور حول «مقاربة النوع والمناصفة» بالإعلام العمومي السمعي- البصري، ومدى تعاطيه مع حضور المرأة وتمثيلها عبر برامج القناة الأولى التابعة للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون عموماً برنامج «متألقات» الذي يبث على القناة الأولى خصوصاً، والذي يسلط الضوء على تجارب نسائية رائدة في كل المجالات.
وناقشت مقدمة البرنامج زهور حميش الموضوع من خلال طرح الأسئلة الآتية: ما هو دور الإعلام السمعي- البصري في الارتقاء بصورة المرأة وتكريس المناصفة ومقاربة النوع؟ وإلى أي حد استطاعت برامج القناة الأولى الاهتمام بهذه المبادئ والمقاربات وحضورها بالشبكة البرامجية للقناة؟ وما مدى طبيعة البرنامج وهدفه؟ وما هي معايير اختيار مواضيعه وضيفاته؟ وإلى أي حد استطاع هذا البرنامج على مدى مواسمه الأربعة عكس الصورة والمكانة المشرفة للمرأة المغربية؟ وأخيراً هل من رهان حقيقي على تعزيز صورة المرأة وتحقيق مبادئ مقاربتي النوع في الإعلام السمعي- البصري المغربي من خلال القنوات الوطنية للإذاعة والتلفزة؟
واستضافت الحلقة رجاء الناجي المكاوي وهي أستاذة في القانون الخاص وخبيرة ومستشارة قانونية لعدد من المؤسسات والمنظمات الدولية، وبهيجة لكويمي، وهي كاتبة ورئيسة جمعية «أمل» لمرضى اللوكيميا، وقد نالت جائزة أفضل شخصية مدنية وناشطة في المجتمع المدني، إضافة طبعاً إلى أسماء بلفاسي معدة ومقدمة برنامج «متألقات» في القناة الأولى.
وتخلل الحلقة تقرير مصور حول حضور المرأة في الإعلام السمعي- البصري العمومي، بدت فيه المرأة المغربية حاضرة في مختلف المجالات والميادين، وقد تم التركيز فيه على مدى حضورها في القنوات التلفزيونية المغربية وفي مقدمتها القناة المغربية الأولى. من هنا فقد تمت الإشارة إلى مجموعة من البرامج التلفزيونية التي تبين هذا الحضور ونوعيته، ومنها «قضايا وآراء» و «ضيف الأولى» و «في الصميم» و «مشارف» و «صدى الإبداع». وحتى ضمن برامج السهرات مثل برنامج «نجوم الأولى» وبرامج أخرى يحاول القائمون اعتماد مقاربة النوع للتعامل مع المرأة في شكل منصف. كما تحرص القناة على تقديم أعمال درامية تعرض لقضايا المرأة، وتعكس مكانتها في المجتمع من دون المساس بكرامتها.
ويبقى برنامج «متألقات» التي دأبت القناة الأولى على إنتاجه وبثه منذ 2014 البرنامج الوحيد على الشاشات المغربية الذي يعتمد كلياً في مفهومه وفلسفة إعداده على وجوه نسائية، من خلال تسليط الضوء على تجارب نسائية رائدة في مجالات متعددة. فعلى مدى 26 دقيقة، يعرض البرنامج العالم الشخصي والعملي لضيفة البرنامج، ويعرض مشوارها الناجح بما يكفل إبراز نموذج المرأة المغربية الناجحة ومسارها المتألق، وما قامت به خدمة لقضايا مجتمعها. فإلى أي حد استطاع برنامج «متألقات» عكس الصورة والمكانة المشرفة للمرأة المغربية؟ وهل حضورها ضمن برامج القطب العمومي يتوازن مع حقيقة ما تقدمه للمجتمع كماً وكيفاً؟
ورأت الضيفات أن هناك تحسناً وتقدماً في مجال حضور المرأة في وسائل الإعلام السمعية البصرية وأن هناك تغييراً إيجابياً يسير في هذا الاتجاه. ومع ذلك فلابد من الإشارة إلى إيلاء المزيد من الاهتمام لهذا الحضور النسائي.
وتضمنت الحلقة نظرة إلى المسألة من جانب ربطها بالعقلية ونظرة المجتمع إلى المرأة. وتناولت دعوة للنساء أن يتجاوزن الحواجز الاجتماعية أو النفسية إن وجدت في طريقهن وأن يكنّ من صناع القرار. كما ركزت على ضرورة انخراط الإعلام السمعي- البصري على تحسين صورة المرأة وتسليط الضوء على ما تقوم به من إنجازات داخل المجتمع والانفتاح على المجال الاجتماعي والثقافي والإبداعي.
كما انفتح البرنامج على إعلاميين آخرين حيث تم تقديم رأي الإعلامية أمينة غريب التي تحدثت عن المناصفة والمساواة وحضور المرأة في الشركة الوطنية منذ بدايتها، وأن هناك تجديداً وتطويراً لهذه الورش التي ساهم فيها جيل الرائدات من النساء، وذلك بآليات وأدوات جديدة. كما تم تقديم مجموعة من الشهادات الأخرى حول صورة المرأة من جهة وحول برنامج «متألقات». وقد تمت الإشارة في هذا الصدد إلى ضرورة الاهتمام بالنساء في كل مناطق المغرب، سواء كن يقطن بالمدن أو بالقرى والبوادي.
وركز البرنامج أيضاً من خلال ضيفاته على ضرورة الاهتمام بالشباب وعلى البرامج الثقافية الجادة التي تهتم بالقيم المجتمعية، وأن تقدم هذه البرامج في شكل جميل ومفيد.