سميت بالحاضرة الإسماعيلية، في عهد السلطان إسماعيل، موقعها جعل منها عبر التاريخ منطقة عبور واستقرار وأكسبها أهمية استراتيجية كبيرة لدى الدول المتعاقبة على حكم المغرب، فهي تقع على رأس المحاور الطرقية والسككية الرابطة بين الرباط ووجدة من جهة، وطنجة ومراكش من جهة أخرى . وكذلك تتمركز بين فضاءين جبليين : بدايات الريف شمالاً، والأطلس المتوسط جنوباً . بالإضافة الى أن هذه المدينة العريقة تقع في هضبة سايس على علو خمسمائة متر، بين الأطلس المتوسط إلى الجنوب، وتلال ما قبل الريف إلى الشمال . يخترقها نهر بوفكران ليقسمها إلى مكناس القديمة ومكناس الجديدة .
إنها واحدة من الإمبراطوريات الأربع، التي هي مراكش، فاس، الرباط، ومكناس، حيث كانت هذه المدن عواصم في فترات من تاريخ المغرب لدول تعاقبت على حكم المغرب . وهذه المدن ارتبطت أساسا بملوك وسلاطين محددين قاموا ببنائها لكي تكون عواصم لدولهم ولتمييزها أحيانا عن العواصم السابقة عبر القيام بإنشاءات عمرانية وعسكرية هائلة وفخمة .
جاء اسمها حسب اللغة الأمازيغية، للأمازيغ الذين تواتجدوا فيها آنذاك، والتي كانت أهم قبائلها قبيلة زناتة التي احتضنت إدريس الأول عند قدومه إلى المغرب، ومكناسة تعني بالأمازيغية المحارب، لكن حسب اللغة العربية تعود الى كلمة كناس، وكلمة كناس تعني المجال الطبيعي الخصب الذي ترعى فيه الغزلان، ويرجح أن اضيفت الميم بسبب لهجة القبائل العربية اليمنية التي هاجرت واستقرت بالمنطقة . ( واحتمال هذه التسمية ضعيف ) .
تتوسط مكناس منطقة فلاحية خصبة، تمتاز بكثرة أشجار الزيتون، الذي يُستغل منه الكثير للعصر واستخراج الزيت . وزيت الزيتون المكناسي مشهور بجودته العالية . كذلك تشتهر المنطقة بحقول العنب والذي يمتاز بجودته ويتم تصديره إلى عواصم أوروبية . وتعتبر مدينة مكناس من أكثر مدن المغرب إنتاجا للمحاصيل الزراعية، نظرا لمناخها المناسب ووفرة مياه الأمطار .
وصفت مكناس بفرساي المغرب، في عهد مولاي اسماعيل الذي كان طموحه أن يجعل منها مدينة تضاهي العواصم الأوربية وان يجعلها تضاهي فرساي الملك لويس الرابع عشر، المعاصر للمولى إسماعيل .
وبذا فان أهم ما تفخر به مدينة مكناس حتى الآن هو مآثرها الإسماعيلية ومن أهمها :
باب المنصور الضخم المشهور بنقوشه الفسيفسائية
القصر الملكي بأسواره العتيقة
ضريح مولاي اسماعيل
مسجد بريمة
مسجد سيدي عثمان
القصر الجامعي الذي يعد متحفا للفن المغربي
وتزخر مدينة مكناس بتاريخ مزدهرتعلن عنه مآثرها التاريخية التي تربض بين جنباتها والتي تعد شاهد إثبات، يستمد جذوره من أعماق التاريخ، ويثبت أصالة هذه المدينة . فهي بأسوارها وأبراجها وبساتينها، بقصورها ودورها ومساجدها وسقاياتها، بساحاتها وبمآذنها ومساجدها، بزواياها وأزقتها وعادات وتقاليد ساكنتها تعد متحفا نابضا وشاهدا حيا على تاريخ هذه الحاضرة . وبذا استحقت هذه المدينة بما تحتضنه من مآثر تاريخية هامة، أن تسجل لدى منظمة اليونيسكو في قائمة التراث العالمي سنة 1996 .
يعود تأسيس مدينة مكناس إلى القرن العاشر الميلادي من طرف قبيلة مكناسة الأمازيغية، لكن حينها لم يكن الوجود العمراني في المنطقة سوى قلاع وقصبات متناثرة، ولم تتشكل أول نواة عمرانية جادة لمدينة متكاملة إلا في عهد يوسف بن تاشفين (سنة 1063)، الذي يبعد بضعة كيلومترات جنوب موقع تاورة .
رغم أن مدينة مكناس أسست في القرن الثامن الميلادي، إلا أنها لم تصبح حاضرة إلا مع مجئ المرابطين حيث ازدهرت المدينة، وظهرت بعض الأحياء أهمها القصبة المرابطية "تاكرارت " كما تم تشييد مسجد النجارين وإحاطة المدينة بسور في نهاية عهدهم . ويعتبر الحي الذي لا زال يوجد قرب مسجد النجارين المشيد من طرف المرابطين أقدم أحياء المدينة .
تحت حكم الموحدين عرفت المدينة ازدهارا عمرانيا حيث تم توسيع المسجد الكبير في عهد محمد الناصر(1199-1213م)، وتزويد المدينة بالماء بواسطة نظام متطور انطلاقا من عين "تاكما" لتلبية حاجيات الحمامات والمساجد والسقايات كما عرف هذا العهد ظهور أحياء جديدة مثل حي الحمام الجديد وحي سيدي أحمد بن خضرة .
خلال العهد المريني شهدت المدينة استقرار عدد كبير من الأندلسيين الذين قدموا إلى مكناس بعد سقوط أهم مراكز الأندلس . وقد شيد السلطان المريني أبو يوسف يعقوب (1269- 1286م) قصبة خارج المدينة لم يصمد منها إلّا المسجد المعروف بلالا عودة . كما عرفت مكناسة الزيتون بناء مدارس عتيقة كمدرسة فيلالة، والمدرسة البوعنانية ومدرسة العدول، ومساجد مثل مسجد التوتة ومسجد الزرقاء، وخزانة الجامع الكبير ومارستان الباب الجديد وحمام السويقة .
أما في عهد الدولة العلوية، خاصة إبان فترة حكم السلطان المولى إسماعيل، فقد استعادت المدينة مكانتها كعاصمة للدولة، بحيث عرفت أزهى فترات تاريخها . فقد شيدت بها بنايات ذات طابع ديني كمسجد باب البردعيين ومسجد الزيتونة ومسجد سيدي سعيد، وتوحي منارات هذه المساجد من خلال طريقة تزيينها بتأثير سعدي واضح . بالإضافة إلى القصور وبنايات أخرى هامة، فقد قام السلطان المولى إسماعيل بتشييد الدار الكبيرة فوق أنقاض القصبة المرينية وجزء من المدينة القديمة .