تلك المساجد عطلت ومشى البلى
فيها ولم تر من سخي شائدا
نبني القصور ولا نبالي أن نرى
يوماً بيوت الله صرن بوائدا
(2)
وراى (سراج الدين) من اهمالنا
شعباً يظل عن الكرامة قاعدا
و(لجامع الخلفاء) ماض مشرق
أبقى (منارته) عليه شاهدا
درجت عليه من العداة نوائب
لم تلق من أحد بهن مساعدا
حرمٌ أبيح وذمة عصفت بها
هوج المطامع أن تقيم معابدا
عمل أقام الله جل جلاله
لقبوله في (المشعرين) قواعدا
لم يكتب احد عن منارة سوق الغزل قبل نحو ثلاثة قرون سوى الافرنج اما البغداديون أو غيرهم من العراقيين، فلم يرصدوا لها نبذة ولا مقالا بل لم يذكروها ذكرا، ولما احتل البريطانيون بغداد ذهب مهندسوهم لرؤية المئذنة وفحصوا ما حواليها فخافوا سقوطها وإتلافها البيوت التي في جوارها إذا هوت، فعزموا على هدمها حقنا للدماء فأوعزت السلطة المحتلة الى احد الادباء المشاهير ان يكتب مقالا ينشر في جريدة العرب في(سنة1917) ليهيئ الافكار لقبول هذا الخاطر الذي اقلق أرباب السلطة المحتلة، فذهب صاحب الجريدة المذكورة يومئذ الى السير برسي كوكس وأفهمه ان لاخطر عليها لأنها أصبحت كالصخرة الواحدة وقد مضت عليها السنون وهي في تلك الحالة التي يظن انها خطرة. فلم يقنع الحاكم المذكور بما قيل له لأنه آلى على نفسه ان ينسفها بالبارود كما نسفت مدخنة "العباخانة" تلك المدخنة التاريخية التي بنيت في نحو سنة 1869 وكانت آية في البناء والمتانة والجمال.
فلما رأى مدير الصحيفة المذكورة انه لايرجع عن عزمه اسرع فأخبر بالامر المرحوم السيد محمود شكري الآلوسي ليذهب ويقنع برسي كوكس بأن يعدل عن تحقيق ما دار في خلده. فذهب الآلوسي مع مدير جريدة العرب - وحملا الحاكم على أن يترك هذه المسألة إلى وقت آخر. فقنع وبعد سنتين كلف مهندس البلدية وهو المسيو شافانيس الفرنسي بأن يقوي كرسي المئذنة بما عنده من الوسائل ففعل. وهي اليوم قائمة على ساقها كما كانت سابقا وتضحك من كل من حاول ان ينظر اليها كنظرة الى شيخة متغضنة.
أما مسألة بانيها أو معيد بنائها فبقيت غامضة أشد الغموض. وكل من كتب عنها من الإفرنج منذ نيبهر إلى يومنا هذا. وكذلكعن كتبتنا في هذا العصر فأنهم جميعهم لم يتفقوا في أقوالهم عن بانيها أو معيد بنائها.
ومنارة جامع الخلفاء، من المآذن التأريخية المتميزة بعمارتها، وهي الأثر المعماري الوحيد الباقي من دار الخلافة العباسية ومساجدها، وقد بنيت هذه المنارة قبل أكثر من سبعة قرون، وهي من الآجر فقط، وتبدو النقوش المحيطة بالسطح الدائري بأشكالها المعينية البسيطة، كما لو كانت قد صففت لتبرز من خلال الظلال المتباينة في الخط الآجري. وكانت تعتبر أعلى منارة يمكن رؤية بغداد من على مأذنتها، ويبلغ إرتفاعها خمسة وثلاثون مترا، وهي تعبر عن جلال بناء قصور الخلافة العباسية ولقد سقطت المنارة وهدم الجامع عام 670هـ، 1271م، وأعيد بنائهما في 678هـ، 1279م.
وسميت بمنارة سوق الغزل لأن الجامع قد قطعت أرضه وأنشيء في أحد جوانبه الشرقية سوق للغزل، ثم سقطت وأعيد بنائها من قبل الوالي العثماني سليمان الكبير (1193هـ - 1217هـ) ،(1779م -1802م)، وشيد كذلك جامعا في غرب المنارة، ويعرف بجامع سوق الغزل بقي قائما حتى عام 1957م، حيث تم هدمه لأجل فتح شارع الجمهورية، الذي يمر في سوق الشورجة.
تقع منارة سوق الغزل وسط الجانب الشرقي من بغداد في محلة سوق الغزل وهي منارة متفردة لجامع قديم تعرف باسم المحلة كانت في رحبة من الأرض مستطيلة قليلا تبلغ مساحتها نحو خمسمائة متر وفي ثلاث من جهاتها أبواب لدور متواضعة، وفي وقت متأخر أحيطت الرحبة بجدار ارتفاعه نحو مترين ونصف. وفي هذه العرصة تباع الأغنام صباح كل يوم والمنارة تشمخ وسط هذه الرحبة، وهي شاهقة البناء تشرف على المدينة وأنحائها من علو لا يماثله علو، وهي كالشيخ النادر الذي شوهت وجهه تجعدات الزمن لكنه لا يزال منتصب القامة متجلدا صابرا على حلو الأيام ومرها. وصبر المنارة على عوامل الطبيعة دليل باهر على تقدم فن الريازة في ذلك الزمن وعلى انتقاء الرزاة مواد بناء من أحسن أنواعها وإتقانهم صنع الآجر حيث انها بنيت من الآجر فقط، وتبدو النقوش المحيطة بالسطح الدائري بأشكالها المعينية البسيطة، كما لو كانت قد صففت لتبرز من خلال الظلال المتباينة في الخط الآجري.
وبمقربة من المنارة في غربيها الجنوبي على بضع عشرات من الأمتار يقع مسجد جامع بغير منارة معروف على الألسنة بجامع سوق الغزل. وإذا استقصينا الخبر من الماضي عن الجامع التاريخي القديم الذي بنيت له المنارة أجابتنا صحائف الأخبار انه كان يسمى جامع الخلفاء قبل نيف وثلاثة قرون على اقل تقدير. وبإيغالنا في تاريخه في ما قبل ذلك نجد انه كان يسمى في القرن السابع للهجرة وما قبله"جامع الخليفة" أو "جامع القصر".
وجامع الخلفاء هو مسجد يقع في بغداد عاصمة العراق بناه الخليفة علي المكتفي بالله لكي يكون المسجد الجامع لصلاة الجمعة في شرقي القصر الحسني، وكان يعرف بجامع القصر، ثم أطلق عليه أسم جامع الخليفة، وسمي بجامع الخلفاء في الفترة الأخيرة، وهو من معالم بغداد التأريخية، وتم بناءه في عام(289-295هـ، 902-908م)، وذكره الرحالة ابن بطوطة عند زيارته لبغداد عام 727هـ، 1327م . وهو يقع في محلة سوق الغزل قرب سوق الشورجة،
وكان يعتبر جامع القصر أو جامع الخليفة أحد الجوامع الثلاثة الكبيرة في بغداد (الأثنان الآخران هما جامع المنصور وجامع الرصافة)، وكانت تقام فيه وفي غيره صلاة الجمعة خلال القرون الأربعة الأخيرة من الخلافة العباسية، وكان الجامع الرسمي للدولة العباسية ففيه تقرأ عهود القضاة ويصلى على جنائز الأعيان والعلماء، وتعقد فيه حلقات العلم للفقهاء والمحدثين والمناظرين، وفي رحبته كانت تبين مظاهر الحياة الأجتماعية والتجارية لأهل بغداد، وقد ذكر العلامة محمود شكري الآلوسي في كتابه (تاريخ مساجد بغداد وآثارها)، أن هذا الجامع أنشيء على عهد الخليفة العباسي المهدي في سنة 159هـ، وهذا خلاف الواقع المخطط لبغداد والتأريخ، لأن المهدي إنما أنشأ الجامع المعروف بجامع الرصافة وهو يقع في جنوب مقبرة أبي حنيفة النعمان (مقبرة الخيزران)، ثم إنه لم يكن العمران قد وصل في عهد المهدي إلى هذه المنطقة التي أنشيء فيها جامع القصر.
ويوجد حول الجامع سياج من حديد يعد اية من ايات الفن والابداع في هذا المجال حيث طلب الشيخ جلال الدين الحنفي من شيخ الحدادين في بغداد وهو الحاج المرحوم عبد الامير الحداد (1914 - 2003) بتشييد سياج يليق بهذا الجامع، فأتم شيخ الحدادين هذا السياج سنة 1964 وكان بالخط الديواني مع العلم ان عبدالامير الحداد كان لا يعرف القراءة والكتابة. ويستطيع زائر هذا الجامع ان يرى بأم عينه مدى ابداع هذا الحداد في تطويع الحديد لجعله على هذا الشكل الرائع الذي لا يوجد له مثيل في جامع من جوامع العالم الإسلامي.
وقد شيد الوالي سليمان باشا في جامع سوق الغزل مدرسة علمية يدرس فيها العلوم العقلية والنقلية وقد تصدر للتدريس فيها علماء بغداد وأعيانهم ومنهم الشيخ يحيى الوتري والشيخ عبد الله الموصلي، ثم أبنه محمد افندي الموصلي، ثم زالت معالمها وتم تهديمها عند بناء وفتح شارع الجمهورية.
سوق الغزل.. طيور وأسماك غريبة وحيوانات نادرة
هو سوق معروف في بغداد يقع قرب جامع الخلفاء في الشورجة، وسوق الغزل كان ولايزال سوقاً غريبة عجيبة، فالسوق تحوي محال صغيرة لبيع الحبوب الجافة والبقوليات والأعشاب ومحال أخرى لبيع الطيور الأليفة وبعض الطيور البرية النادرة كالصقور والطواويس وبالأضافة إلى الكلاب النادرة، وأسماك الزينة، وتقع في منتصف السوق منارة سوق الغزل وجامعها القديم، الذي يعرف بجامع الخليفة وعلى مر الزمن أصابه القدم والتصدع، حيث جدد بناء المنارة وشيد في ساحة الجامع القديمة جامع الخلفاء وهو من معالم الطراز الإسلامي في العهد العباسي، ويقع في شارع الجمهورية قرب سوق الشورجة. وفي سوق الغزل دير الآباء الكرمليين، والدير معروف بمجلس يوم الجمعة للأب أنستاس الكرملي الذي يحضر مجلسه الكثير من علماء اللغة العربية ومنهم الشيخ جلال الحنفي الذي كان إماما لجامع الخلفاء. وتقع محلة عقد المسيحيين مقابل السوق .
يتحدث صاحب محل لبيع الحبوب وطيور الزينة فاضل حسين كاظم )72سنة) عن تاريخ بيع الحيوانات في هذه السوق فيقول: بيع الحيوانات في سوق الغزل بدأ منذ نحو 60عاما. والسوق كانت في السابق مكاناً لبيع المنسوجات القطنية والغزل، إضافة إلى الحبوب الجافة كالشعير والحنطة والأرزّ وغيرها. وإن عددا كبيرا من الناس يتوافدون على هذه السوق في يوم الجمعة منذ زمن بعيد لشراء أو بيع أو تبادل الحيوانات.
وسوق الغزل على عكس مثيلاته، يعطل في معظم أيام الأسبوع وينتعش بتوافد رواده يوم الجمعة فقط. بين الأزقة القديمة الضيقة تسمع أصوات الباعة التي كثيراً ما تختلط بأصوات الحيوانات المفترسة منها والأليفة من أسماك وطيور وزواحف وقطط وكلاب وذئاب. في هذا المكان لا يوجد مجال للمشي بأريحية، فممرات المشاة ضيقة ومحدودة بعدما احتلت أقفاص الحيوانات مساحة واسعة منها. وتمتدّ هذه الممرات بين مسجد الخلاني وجامع الخلفاء في شارع الجمهورية الواقع على جانب الرصافة من بغداد.
نشاطات أسبوعية مستمرة
لأكثر من خمسين عاما، حافظت سوق الغزل على نشاطها الأسبوعي بإقامة مهرجانات غير عادية أبطالها مختلف أنواع الحيوانات (بعضها نادر وخطير)، إضافة إلى تنظيم حلبات مصارعة الديكة وعروض مثيرة للأفاعي لجذب وإثارة جمهور زائريها من الهواة والباعة الذين لم تثنهم حتى التهديدات الأمنية التي طالت السوق أكثر من مرة عن زيارتها والتواصل معها.
واعتادت السوق أن تفتح أبوابها مبكرا يوم الجمعة من كل أسبوع، حتى صارت ظاهرة عراقية وتاريخية مميزة، تحظى بإقبال الزوار من جميع المحافظات وبعض الوفود المحلية والأجنبية، ورغم صغر السوق فإن التجوال فيها يحتاج لساعات طويلة بسبب الزحام، ولعل أول ما يميزها هو أنها السوق الوحيدة ببغداد التي تكنى بغير بضاعتها، فبعد أن كانت من أقدم أسواق العراق في بيع المنتجات النسيجية، أصبحت من أشهر الأسواق في بيع مختلف الحيوانات كالطيور والذئاب والثعابين والكلاب والأسماك ومختلف الزواحف.
تجارة الحيوانات والطيور والأسماك
معظم زبائن محال بيع الطيور من الصبيان الذين يربون الطيور على سطوح بيوتهم، وهناك طيور نادرة يحصل عليها المحل بشرائها من آخرين والقيام ببيعها فيه بأثمان مرتفعة، مثل طير الشاهين الذي يصل سعره إلى أكثر من 3 أو 4 ملايين دينار، وهناك الكثير من الأسر تصطحب أبناءها لأجل الفرجة، وبعض مربي الطيور يأتون إلى السوق لأجل تطوير أنواعها (مزاوجة الطيور) لإنتاج أنواع وألوان جديدة، حتى إن قسما منهم كانوا يسمون بعض الطيور على أسماء أسرهم مثل الأورفلي والهنداوي وغيرهما من المسميات الدارجة حتى يومنا هذا.
وتحتوي السوق كل ما يخطر على البال من أنواع الحيوانات، وهناك المحنطة منها وكذلك الغزلان والذئاب والأسماك الحية وطيور الحب والكناري والأرانب وحتى السحالي الصحراوية و«البعران» والببغاوات الناطقة، وهناك الديك الهراتي الذي تعقد من أجله المراهنات.
أسعار تصل إلى ملايين الدنانير
هناك في السوق أنواع كثيرة من الكلاب، منها الأصلية مثل (الوولف دوغ) وثمنها مرتفع من (650 - 750) ألف دينار، كذلك (الدوبرمان) الألماني يبلغ سعره نحو مليون ونصف المليون دينار عراقي، ويستخدم لأغراض الصيد والحراسة والمراقبة ويتميز بكبر حجمه وشراسته، ولأجل ذلك زاد الطلب عليه في الآونة الأخيرة من قبل الأسر العراقية الراقية لحراسة منازلها، وهناك أيضا الكلاب الهجينة ويؤتى بها من الأردن أو بعض الدول المجاورة .أما بائع الثعابين فانه يعمد إلى لف ثعبان كبير حول رقبته وكثيرا ما يتعرض للدغ الثعابين لكنه يخرج سالما بعد تلقي العلاج، أما زبائن السوق فمعظمهم من الهواة أو مربي الأفاعي أو يأتون للفرجة والتقاط الصو، وبعضهم يشتري الأفاعي لأجل استخراج الزيت منها لإطالة شعور النساء وجعلها ملساء . وأسماؤها متعددة وأسعارها مختلفة منها العربيد والبترة، وأسعارها تتفاوت بين 250 ألف دينار عراقي وحتى 4 ملايين دينار للأنواع النادرة .