مقلمة / باسم سليمان

2007-12-10

//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/917a1fea-a12e-4724-9296-1cdb9dac583b.jpeg تبدأ بقلم الحياة, بيوم الولادة, وتكر بعدها الأقلام \الأيام التي تأخذ صفة عزيزة على قلوبنا وعقولنا, فتبقى في الذاكرة القريبة المتناول ككأس الماء. تتعدد هذه الأيام وتكثر: أيام فرحه, أيام حزينه, عادية, وهي الأكثر,أيام متميزة, قليلة جدا, ولكنّها فعالة وتؤثر بشكل أو آخر على مجرى الحياة .
قلم الولادة, له خط خاص للطفولة, ويستمر مميزا وأنت تكتب سلم العمر, ينتقي لك حظك الفلكي, وطالعك الفصلي من ربيع ,خريف إلى صيف ,شتاء ؛إنه يوم تجد فيه من يقل لك بخبث محبب: قد زاد عمرك سنه ونقص من حياتك سنه.تدور الدوائر حتى يولد لك أولاد, فتنسى عيد ميلادك وتتذكر أعياد ميلادهم؛ ليذكروك فيما بعد بيوم ميلادك.
لربما, ذكرى النظرة الأولى, والحب الأول يبقيان متقدين بقدر قدرة قلبك على ضخ دماء العشق. وتتندر إن لم تكن زوجك الحب الأول بين أصدقاء تشاركهم طاولة في مقهى عندما تعبر صبية جامحة كخيال وتقول : ماالحب إلا للحبيب الأول؟!
وينتحل هذا اليوم, يوما آخر,هو ذكرى زواجك, ما يلبث أن يصبح أحد المنغصات في الحياة الزوجية؛ لما يتسلل الملل إلى الذاكرة.قد يتحول إلى يوم صفته أبغض الحلال, بطلاق يضاف لأيام مقلمة الأولاد ,عندما تنكسر مبراة العائلة وتخط الوحدة خطها بقلم متقطع.
قلم النجاح الذي تسنه كسيف على مدى الأعوام الدراسية ليكون قاطعا في الحياة العملية؛ ولكن هناك من يفضل أن يسن قلمه منذ الصغر, فيخرج لمقارعة الحياة باكرا, فتترك عليه ندبها ولكنّه صلب كجذع السنديان.
وكثيرا, ما تدخل في حياتك, أيام اجتماعية, وتتبناها كفرد من هذا المجتمع, فتدافع عنها أو ترفضها ,وفي جميع الحالات تترك كلماتها عليك إيجابا أو سلبا, قد تبقى طوال العمر تؤكدها أو تسعى لإزالة أثارها كيوم الجلاء , الثورة , التحرير, الهجرة , بانقلاب عسكري ما .
هذه الأيام قد تتكرر سنة وراء سنه, كالمناسبات الوطنية ,الأعياد أو تأتي كل عدة سنوات ,كالألعاب الأولمبية, وخاصة كرة القدم أو تكون لمدة لا تتكرر في الأجل القريب, كطوفان أو حريق وتستطيع عن طريقها فهرسة روزنامة حياتك وتقول: ما قبل وما بعد ,يفهم السامع عليك؛ لأنها قد تجاوزت الخاص إلى العام وهو بدوره يعتبرها عتبات زمنية للتقويم الخاص به.
لما تمضي الأيام, يحلو التذكر أو يصعب, قد تفتر شفتاك عن بسمه وأنت تمرر في الذاكرة أيام الولدنه, وهذا يحدث في الكبر, فتغدو الذاكرة البعيدة أوضح من الذاكرة القريبة؛ وكأنك ترفض ما آل أليه عمرك, فتفر إلى الوراء كشريط السينما تستمد القوة والأمل من عمر مضى .
هذا الزمن زمن الخبرة وإطلاق الحكمة وتقول لشاب أمامك كخيل شموس : الأعمر منك بيوم أفهم منك بسنه ؟!.
فيرد مبتسما, وهو يستلم رسالة نصية في صندوق وارده: في زمانك يا عم, كانت الرسائل تحتاج لأيام لتصل, لكن اليوم لثوان, فيصبح مثلكَ الأعمر منكَ بيوم أفهم منك بثوان إن كان محظوظا؟! .
تهز رأسكَ, تمضي ,وأنت تحاول قراءة الوقت بساعة ذات عقارب يهربن من نظرك.
تتأكد من مبراة الأقلام ,تودع يوما آخر ,لتجد أيامك قد أصبحت من أجزاء أيام أولادك, فتهتم بتحديد يوم زواج الولد أو البنت أو يوم مولد حفيدك ,وإن أدركك التقاعد ,فيكون الأول من الشهر وظيفة غير موجودة على الملاك ولكنها شاغرة لك وحدك .
وتتساقط الأقلام الأيام من حياتك وتصبح غير صالحة للكتابة وقلم وراء قلم ويوم تلو يوم تأكلهم المبراة وتمتلئ الصفحات ولا تنجح عملية التبويب في إبقاء القدرة للتحضير ليوم ذي شأن كما كان في ما مضى ,إذ يمر, فكل شيء, قد بهت والأقلام لا تقبل خراطيش الحبر الجاهزة, فتخرج من العمل كحمار عجوز يذهب إلى ربوة يقضم عشبها بهدوء. تراهم أمامك كصمديات, يغافلك عنكبوت لينسج بيته هناك.
تتأكد من المقلمة لم يبق إلا قلم واحد ليس لك ,ولا يومه يومك, بل لآخر مولع, بالقلم \اليوم الأخير, كما يحب الأطفال الحلوى.

 

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2025 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2025 Copyright, All Rights Reserved