منذ أن خلق الله الكون، وجعل وراء خلقه حكمة وآية يتدبرها من سيخلق بعد هذا الخلق والإعجاز العظيم، خلق الله آدم ومعه رفيقة دربه حواء، وهنا يبدو الأمر واضحا، فالمرأة خلقت جنبا إلى الرجل، بل مثلت نصفه الثاني وشاركته كل محطات الحياة، لا يمكن لأحدهما أن يعيش بمعزل عن الآخر.
لقد عاشت المرأة مسلسلا كثير الحلقات، وعاشت حياة مليئة بالأحداث حيث كانت توءذ وتدفن حية في عصور الجاهلية خوفا من جلب العار، كما كانت تباع وتشترى في أسواق النخاسة فتسلب كرامتها وحريتها ويقضي كل من امتلكها وطره منها. ومع مجيء الإسلام لاحت أول خيوط التفاؤل بالنسبة لها حيث حررها من العبودية ورفع من شأنها بل أعطاها مكانة هامة تستحقها وقال تعالى في ذلك: "ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منها رجالا كثيرا ونساء"ّ1. وقال تعالى أيضا: " ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ..."2.
إن الإحترام التام لحقوق الإنسان يعد من جملة المؤشرات القوية الدالة على مستوى سربان الحداثة، ودرجة سيادة الديمقراطية في علاقة السلطة بالمجتمع في أي من البلدان المعاصرة ولعل هذه العلاقة الجدلية تزداد قوة كلما تعلق الأمر بحقوق المرأة على وجه التحديد ويعود ذلك لاعتبارين إثنين3:
- الإعتبار الأول:
واقع الإهمال والتهميش والإقصاء طويل الأمد الذي لحق المرأة من الزاوية الحقوقية في غالبية بلدان العالم، فرغم أن تعبير حقوق الإنسان في كافة المواثيق الوالعاهدات الدولية بدأ بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 1948 يهم الكائن الإنساني من كل الجنسين إلا أن الحظ الأوفر من درجة الإستفادة الفعليو من هذه الحقوق عادة ما يؤول إلى الرجل على حساب المرأة مما يبرر علاقة اللاتكافؤ التاريخي الذي طبع علاقته بالمرأة لعدة قورن خلت.
- الإعبتار الثاني:
وهو يرتبط بشكل وثيق بسابقه، ذلك أنه وبالنظر إلى الحساسية الخاصة والمفرطة التي أضحت تحيط بموضوع حقوق المرأة خلال العقود القليلة الماضية في مختلف البلدان بما فيها الأكثر تطورا التي تنعكس من خلال أنشطة المنظمات الحقوقية الدولية والمتخصصة أخد الوعي يتسع اليوم بكون احترام حقوق الإنسان في مدلولها العام، لم يعد معيارا كافيا أو ذي مصداقية لقياس مدى الإلتزام الحقيقي بالخيار الديمقراطي في البلدان الحديثة، ما لم يتم بالموازاة مع ذلك وإيلاء حقوق المرأة تحديدا اهتماما خاصا واستثنائيا، وما ذلك إلا لكون هذه الحقوق اصبحت تعتبر في حد ذاتها رافدا من روافد الديمقراطية، وشرطا لا محيد عنه لتحرر أي مجتمع4.
والجدير بالذكر أن المساواة بين الجنسين حجر الأساس لكل مجتمع ديمقراطي يثوق إلى العدل الاجتماعي وحقوق الإنسان، ولكن في أغلب المجتمعات تتعرض النساء لأوجه عدم المساواة في القانون والواقع، على مستوى العديد من أوجه النشاط، وما يسبب هذا الوضع ويزيد من حدته وجود تمييز في الأسرة والمجتمع ومكان العمل5. ذلك أن مكانة النساء اعتمدت تاريخيا على القوانين والعادات التابعة للمجال الذي تعيش فيه، فحسب القوانين والتقاليد حرمت العديد من المجتمعات النساء من حق الحصول على مكانة قانونية واجتماعية مستقلة6.
لكل هاته العناصر التي سبق الخوض فيها وجب طرح عديد من الأسئلة عن مكانة المرأة وموقعها في دستور البلاد لسنة 2011؟ وهل جعل مبدأ المناصفة المرأة تحصل على حقوقها القانونية والسياسية؟
1. موقع المرأة المغربية والمكانة التي خصصها لها دستور 2011
لقد حرص #المغرب على تمكين المرأة المغربية من كافة خقوقها منذ الإستقلال، تجاوزا للآراء الجامدة والتقاليد المضر ة بها والمخالفة لقواعد الشريعة الإسلامية، وقد أكد الملك محمد الخامس في إحدى خطبه: "إن أكبر وسيلة لجعل مجامنا سعيدا هو إقامة شرعية العدل بين أفراده وضمان حقوقهم وصيانة حريتهم ... ولا يخفى أننا أمة عريقة في ميدان التشريع تملك من ذلك ثروة تغنينا عن اتخاذ قوانين موضوعة لدولة أخرى، غير أن كل ما ينقص هذه الثروة هو إضهارها بالمظهر الحقيقي لها، بعيدة عما علق بها من تأويلات عقيمة وعادات فاسدة أصبحت بحكم تداولها من مضافات الشريعة الإسلامية ومعدودة مهنا، وقد أخر يعض تلك المضافات تطور البلاد ورقيها7.
لقد كانت المرأة المغربية دائما في قلب دينامية الإصلاحات الدستورية والسياسية وفي طل الأوراش التي فتحت حيث تآلفت النساء في اتحادات وجهوية وتشكل بذلك تحالف واسع للجمعيات والمنظمات النسائية الحزبية والنقابية والفعاليات الأكاجيمية والثقافية والإبداعية، أطلق عليه اسم: " الربيع النسائي للديمقراطية والمساواة" يهدف من بيم ما يهدف إليه إعداد مذكرة حول تصوره للدستور الذي تحلم النساء الثواقات إلى المساواة والديمقراكية والحرية من أجل إزاحة العوائق التي تقف أمام المواطنة الكاملة. وهذه المطالب الدستورية لتحسين وضعية المرأة جاءت بناء على نضالات الحركات النسائية التي حرصت على أن تتجسد حقوق المرأة في دسترة المساواة المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية مع التنصيص على إجراءات التمييز من أجل إنصاف النساء وتقليص البون التاريخي بين الجنسين ومأسسة المجلس الأعلى للمساواة المبنية على النوع وذلك لكي لا تبقى وضعيتها معوزلة عن قضايا وموضوعات دستورية وثيقة الصلة بهذه المطالب8. وتكريس مبدإ مساولة الرحل والمرأة في الحقوق المدنية، وذلك في نطاق احترام أحكام الدستور وقوانين المملكة المستمدة من الدين الإسلامي وبالتالي تكريس المساواة بينهما في كافة الحقوق السيايسة والاقتصادية والاجتماعيو والثقافية والبيئية وإحداث آلية النهوض بالمناصفة بين الرجل والمرأة9.
2. المرأة المعربية ومبدأ المناصفة والحقوق السياسية
بالعودة إلى الدساتير السابقة 1962 - 1970 - 1972 - 1992 - 1996، نجدها ذكرت المرأة فقط في ثلاثة فصول وضلت تابثة بالعبارات نفسها حيث نجد: " الرجل والمرأة متساويان في التمتع بالحقوق السياسية، لكل مواطن ذكر أو أنثى الحق في أن يكون ناخبا إذا كان بالغا سن الرشد ومتمتعا بحقوقه المدنية والسياسية10". لكن في دستور 2011 تم ذكرها في 9 فصول11:
- مساهمة المرأة المغربية في صياغة الدستور كعضوة مشاركة في اللجنة الاستشارية لصياغة الدستور وكممثلة للأحزاب السياسية والنقابات والمجتمع المدني12.
- تركيز الخطاب الملكي لــ17 يونيو 2011 على مكتسبات #المغرب في مجال تعزيز حقوق المرأة زخاصة الحقوق السياسية لكي تتمكن من اختراق الإحتكار الذكوري للسياسة والتسيير الديمقراطي بالمغرب وتعزيز مكانتها بالمجتمع، مما سيحررها من قيود كثيرة كانت تكبل تحررها وتقلص من إمكاناتها السياسية والتدبيرية13.
- حقق الدستور الجديد مجموعة من المطالب التي كانت تطمح إليها المرأة وتسعى إلى تحقيقها، ومن بين ابرزها مسألة المناصفة والحقوق السياسية.
لتحقيق مبدإ المناصفة بين الرجال والنساء تم إحداث هيأة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمميز، وقد تم التنصيص في كثير من الفصول على التمييز الإيجابي لصالح النساء في مجال الولوج إلى الوضائف العمومية والمشاركة في الحياة الإقتصادية والثقافية والإجتماعية. (الباب الأول، الفصل 6، والباب الثاني، الفصل 1419).
كما أصبح للمرأة الحق في تقديم اقتراحات في مجال التشريع وتقديم عرائض إلى السلطات العمومية ويحق لها أيضا، على غرار الرجل المغربي، سن القوانين (الباب الأول، الفصل 14 والفصل 15).
ومبدأ حماية الحقوق والمصالح المشروعة للمواطنين والمواطنات بالخارج (الباب الأول، الفصل 16)، كما يحق للمواطنين والمواطنات المغاربة المقيمين بالخارج المشاركة في الحياة السياسية عبر التصويت والترشح. (الباب الأول، الفصل 1517).
كما ينص القانون على مقتضيات من شأنها تشجيع تكافؤ الفرص بين النساء والرجال في ولوج الوظائف الانتخابية(الفصل 30)، فإذا ما عدنا إلى القانون التنظيمي للأحزاب السياسية لسنة 2011 الذي أقر في فصله 26 أنه على كل حزب سياسي أن يعمل على توسيع مشاركة النساء والشباب في العمل السياسي، وبالتالي في التنمية السياسية للبلاد مع العمل على احتلال النساء ثلث المناصب القيادية في الهيئات التقريرة للأحزاب مركزيا ومحليا في أفق تحقيق المناصفة مع الرجال وفي هذا الشأن وبخصوص الاستحقاقات الانتخابية تم تبني الانتخاب اللائحي النسبي، مع إقرار لائحة وطنية للنساء16، وما دمنا نتحدث عن الحقوق الساسية للمرأة التي أصبحت تحظى بها كان لزاما علينا أن نذكر بعض الحقوق افاجتماعية وغيرها كالحق في العلاج والعناية الصحية، والحماية الاجتماعية والتغطية الصحية والتضامن التعاضدي أو المنظم من لذن الدولة، التعليم الجيد، والتكوين المهني، والاستفادة من التربية البدنية والفنية، السكن االائق، ولوج الوظائف العمومية حسب الاستحقاق، معالجة الأوضاع الهشة لفئاة من النسائ والأمهات والأشخاص المسنين والوقاية منها.
بالرغم من أن النساء المغربيات تمكنن من ولوج مجالات المهن الحرة والوظيفة العمومية، والمقاولة العصرية، إلا أنهن نادرا ما وصلن إلى مراكز التمثيلية الشعبية والقرار العمومي، إذ بقي إسهامهن المهني محصورا في بعض المرافق وبعض ألأنواع المحدودة من الوظائف17، مما يحتم الآن التفكير بجدية لجعل المرأة تتبوأ مراكز القرار العمومي والتمثيلية الشعبية، ومشاركتها إلى جانب الرجل في المساهمة في دفع عجلة التقدم والرقي لهذا الوطن الغالي على النفوس دون إجحافها في حق ممارستها لكل الحقوق التي خولها لها القانون والشرع والدستــور