يالها من سخرية حقيقية، فحياة البشر والعلاقات الإنسانية غير متوقعة إطلاقا! كنت قد بدأت الاهتمام بالمشاكل البيئية حينما سمعت بقصة ذلك الشاب المصاب بنوع خاص من سرطان الغدة الدرقية والذي عولج بتعريضه للإشعاعات التي تستوجب عدم اقتراب كائن من يكون منه ولذا فقد تم عزله تماما سواء في المستشفى أو في منزل والديه وذلك لعدم تعريض عائلته الصغيرة الشابة للخطر. ويا لها من سخرية!!! إنسان مهدد مثلنا من الطاقة النووية يصبح هو نفسه مصدرا لهذه الطاقة ويمثل خطراً يهدد المقربين منه!!!
نادين غورديمير
جنوب أفريقيا في بداية ثلاثينات القرن العشرين، حينما كان البلد يرزح تحت حكم التمييز العنصري، كانت هنالك طفلة في التاسعة من عمرها اسمها نادين، كانت تنتمي إلى الأقلية البيضاء المحظوظة، والأكثر من ذلك كانت تعيش حياة ارستقراطية وهي التي ولدت من أب يهودي وأم انكليزية، وتعيش حياة دينية مسيحية داخل ذلك الإطار الأرستقراطي. لم يكن أحد ساعتها يتوقع بأن تلك الطفلة ستصبح واحدة من أشهر النساء في التاريخ، وستحصل على أعلى الجوائز الأدبية في العالم (جائزة نوبل)، وسيحفظ التاريخ اسمها كاملا نادين غورديمير، بداية من سنة 1991 عندما فازت بالجائزة الأدبية تلك، بعد سقوط نظام الميز العنصري، وتولي مقاليد الحكم من قبل نيلسون مانديلا، أشهر سجين سياسي حيث قضى 27 عام في غياهب السجون،
تلك المرأة التي كانت طفلة في التاسعة من عمرها، اكتسبت وعيا بالنضال من أجل محاربة الميز العنصري عندما رأت خادمتها السوداء وهي تهان بطريقة لا تمت للإنسانية بصلة. كانت تلك الصورة ببشاعتها دافعا لأن تبدأ رحلة الكتابة التي جعلتها في خدمة محاربة العار الإنساني العنصري الذي عانت منه جنوب إفريقيا طويلا، والمرأة التي قاومت الميز العنصري وانتصرت عليه رفقة مناضلين آخرين لم تستسلم وهي تتعرض في شيخوختها لاعتداء ثلاثة من اللصوص تسللوا محاولين سرقتها يوم 26 أكتوبر 2006 ولما قاومتهم أصيبت ببعض الجروح، وبقيت وفية لمبادئها التي عاشت لأجلها وهي التي صنعت وجها ناصعا في الكتابة الأدبية وفي النضال الإنساني .
انها الكاتبة الجنوبي أفريقية والحائزة على جائزة نوبل للآداب لعام 1991 والتي حاولت دائماً أن تكرس رواياتها العشر وقصصها القصيرة لتسجيل التوترات الخارقة التي تحصل في مجرى التاريخ والأقدار التي تعصف بالبشر.
كتاباتها صورة لتلك الأسرار الصغيرة، بلغة دقيقة حذرة، لكنها لا تخلو من المواربة والغموض، بما يكفي لزعزعة القاريء لخلق توازن في قوى توحد الذات بالعالم وتغيير مسار الجميع. انها تؤكد على ان موضوعها الحقيقي ليس الطبيعة أنما هو التعرف على من هو الإنسان في الجنس البشري. وإن ما يهما هو الوجود، والتهديدات الموجهة لهذا الوجود والمتمثلة بالتلوث البيئي على المستوى العالمي، وهذا برأيها أبعد مما تمثله التغييرات السياسية فالعدو الذي تتوجب محاربته أصبح عدوا عاما فلم يعد الأمر متعلقا بمواجهه بين دول مختلفة أو بادعاءات أيديولوجية مختلفة. إن اضطراب النظام البيئي ينعكس علينا جميعا لأننا جزء منه .
ولدت نادين غورديمير في سبرينجز يوم 20 نوفمبر 1923 حصلت على جائزة نوبل في الأدب سنة 1991 عن أعمالها المناهضة للتمييز العنصري في بلادها. ولدت في عائلة برجوازية لأب يهودي وأم إنجليزية وتربت في بيئة دينية مسيحية. كما كبرت في بيئة التفرقة العنصرية التي كانت ترى تفوق العرق الأبيض على نظيره الأسود ولكنها لم تكن تحمل التفرقة العنصرية والمشاكل العرقية في بلدها. كتبت اول قصة لها وهي بالتاسعة من عمرها متأثرة بحادث الاعتداء على خادمتها السوداء .