أن تكون أصواتُ المتروبوليس في أذنَيكَ !

2016-09-17
إيلافي  رِحلتَي الشتاءِ والصيفِ، بين لندن وتورنتو، سِرٌّ من أسرارِ سعادتي الروحيّة .
أنا لا أستبدلُ بلداً ببلدٍ، لكني أستدِلُّ ببلدٍ على بلدٍ، مفارَقةً ومقارَنةً .
لا أقول، مثلاً، إن تورنتو خيرٌ من عاصمة المملكة البحرية، حيث إليزابث الثانية . ولا أقول إن هذه الملكة الوَقورَ خيرٌ من الرئيس الكندي الشابّ، ملاكِم الوزنِ الخفيف، السيد جوستين ترودو.
أنا ضيفٌ خفيفٌ، على أيّ حالٍ، لا يشْغَلُني الشأنُ السياسيّ، في أوتاوا ولندن، لأنّ العبءَ العراقيّ كافٍ وحده، ليُنْقِضَ ظهرَ فيلٍ، فكيف بظَهر امريءٍ ضعيفٍ نحيفٍ، مثلي .
كانت الرِحلةُ من مطار هيثرو اللندني، على الناقلة الوطنية الكنَديّة، إلى تورنتو، التي استغرقت ساعاتٍ سبعاً، وثلاث زجاجاتِ نبيذٍ  لهنّ هديرٌ، أقول كانت الرِحلة مريحةً . كما أن إجراءات الدخول كانت مثاليّةً في ظروفٍ غيرِ مثاليّةٍ يمرُّ بها كوكبُنا .
*
الإفاقة من تخدير قَطْعِ المحيط، استغرقتْ يومَين من سُكْرٍ ليس بالسُّكْر .
وها أنذا أسمعُ أصواتَ تورنتو، المتروبوليس .
مسكني، مع إقبال، غير بعيدٍ عن مركز المدينة العظيمة . العرباتُ Street cars ، والحافلاتُ، والسيّارات، استيقظتْ مع الغبَش المشوَّش، كذلك النوارسُ الجائعة أبداً ( المسْكن لا يَبْعُدُ عن بحيرة أونتاريو الهائلة إلاّ بعشر دقائقَ من مشْيٍ خفيفٍ ) .
أفكِّرُ في أن  نتناولَ فطورَ الصباح، خفيفاً، في مقهى تِمْ هورتِن القريب، قهوة بالحليب مع خبز الأهِلّة ( كرواسان )، لكني أتكاسلُ . سنكتفي بما بين أيدينا، ولن يكون خفيفاً .
*
ظُهرَ اليوم، السابع عشر من مارس ( آذار ) 2016، سيعود الإنترنت إلى الشقّة .
لقد أخذْنا إجازة أربعة أيّام من كابوس العصر.
وهكذا سيعود العالَمُ، بكل وطأتِه وقُبحِه .
ليس من مفرّ، ٍإنْ كنتَ تفضِّلُ العيشَ في  حاضرةٍ، لا في كهفٍ كذلك الذي سكنَه فِتْيةُ أهلِ الكهف الطيّبون .
*
مرحباً بالعالَم !
مرحباً بالعالَم الذي  حاولْنا، قبل مائة عام أن نغيِّرَه، في أكتوبر 1917، فلم يُطِقْنا هذا العالَمُ .
صباح الخير، تورنتو !

تورنتو 17.03.2016



سعدي يوسف

 شاعر عراقي وكاتب ومُترجم، وُلد في ابي الخصيب، بالبصرة عام 1934. اكمل دراسته الثانوية في البصرة. ليسانس شرف في آداب العربية. عمل في التدريس والصحافة الثقافية . غادر العراق في السبعينيات وحاليا يقيم في لندن ونال جوائز في الشعر: جائزة سلطان بن علي العويس، والتي سحبت منه لاحقا، والجائزة الإيطالية العالمية، وجائزة كافافي من الجمعية الهلّينية. في العام 2005 نال جائزة فيرونيا الإيطالية لأفضل مؤلفٍ أجنبيّ. في العام 2008 حصل على جائزة المتروبولس في مونتريال في كندا . وعلى جائزة الأركانة المغربية لاحقاً

عمل كعضو هيئة تحرير "الثقافة الجديدة".

عضو الهيئة الاستشارية لمجلة نادي القلم الدولي PEN International Magazine

عضو هيئة تحرير مساهم في مجلة بانيبال للأدب العربي الحديث .

مقيم في المملكة المتحدة منذ 1999.

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved