أنْ يحاولَ امرؤٌ التحديقَ في غابةٍ ...

2016-10-14
تناقلت الأنباء الواردة من بيروت، أطرافاً من حديث عن إغلاق صفحات ثقافية، في " السفير " و " النهار "      و " المستقبل، وسواها، اقتصاداً في الإنفاق على بضاعةٍ ما .
والحقُّ أنني لم أحزنْ لهذه الأنباء، بل لقد أحسستُ بأنّ ما حدثَ خيرٌ للحصافة والثقافة، وللمشهد الحيّ في وعي أُمّةٍ .
لن نسمع بعد الآن أن عباس بيضون ( مثلاً ) هو ملك قصيدة النثر، بعد أن فقد متراسه في " السفير "، ولن تكون جُمانة حدّاد مع عقل عويط ثُنائيّ الإبداع العربي في العالَم ( الخليجيّ بخاصّة )، بعد أن توقّفت " النهار " .
الأمر نفسه مع بول شاؤول، مسؤؤل الإبداع لدى آل الحريري الكرام .
 لستُ أدري إن كان عبده وازن سيلقى المصيرَ ذاته، مع أنّ الأمر مستبعَدٌ حتى الآن .
*
لندن، وصحافتُها ( العربية )، ليست بمنأى عن التوصيف نفسه .
*
من تقاليد الصحافة الثقافية، في المملكة المتحدة، الصادرة باللغة الإنجليزية، أن الأقسام الأدبية والفنية فيها، لا يتولّى أمرَها مبدعٌ، بل أن هذا الأمر مقصورٌ بدقّةٍ تامّةٍ على أهل النقد وممارسِيه، خشيةَ هوىً ونزوةٍ من المبدعين، وهم أهل الهوى .
كان غراهام جرين، على سبيل المثال، مقرّباً من صحيفة " التايمس "، لكنه ظلّ مُسْهِماً، لا قائماً بتحرير .
*
من المؤسف، القول إن بؤس المشهد الثقافي، في الصحافة العربية، في أرض العرب، وفي المهْجر، يعود  
إلى أنّ " شعراء " فاشلين،  احتكروا الصحافة الثقافية،  ووضعوها تحت تصرُّفِ أهوائهم، بوقاً لهم ولأتباعهم .
ومثل ما أسلفْتُ ذِكره، عن صحافة لبنان، يجري في  صحافة لندن ( العربية ) .
الشعراء الفاشلون يتولّون الصفحات  " الثقافية "، في " العربي الجديد "، و " القدس العربي "،            
 و " إيلاف " و " الشرق الأوسط " ، و " العرب " ، أمثال بشير البكر وفاضل السلطاني وعبد القادر الجنابي ونوري الجرّاح .
هؤلاء اللندنيون يفعلون في المهْجرِ، فِعلَ فاشِلي لبنان في بيروت الذين حطّموا السمعة التاريخية لبيروت الثقافية . لكن اللندنيّين أسوأ من اللبنانيّين، إذ هم في خدمة أسوأ الأنظمة الرجعية، بإطلاقٍ .
*
أمّا في العراق المستعمَر، فإن شاعراً فاشلاً آخر، هو علي الشلاه، يتولّى شأنَ كلِّ ما اتّصلَ بوسائل التعبير، من صحافة، وفضائيات، وإذاعات، باعتباره مسؤولاً  عمّا يُدْعى " الهيأة العليا للإتصالات " التي أسّسها الاحتلال .
*
لستُ مطَّلِعاً، كفايةً، هذه الأيامَ،  على ما اتّصلَ بالصحافة الثقافية، في مصر والسودان والشمال الإفريقي، لكني لا أظنّ الغابةَ ذاتَ مسالكَ أرحبَ .
أردتُ، عبرَ هذه المقارَبة الصريحة، أن أقول :
علينا أن نعرفَ أنفسَنا، قبل أن نحاول خطوةً في السبيل القويم .
*
صباح الخير أيّتها الغابة !
عليَّ، أيتها الغابةُ، أن أرودَ مسالكَكِ .
وعليّ أن أحكي للناسِ .
والرائدُ لا يكذبُ أهلَه !

تورنتو 16.04.2016

سعدي يوسف

 شاعر عراقي وكاتب ومُترجم، وُلد في ابي الخصيب، بالبصرة عام 1934. اكمل دراسته الثانوية في البصرة. ليسانس شرف في آداب العربية. عمل في التدريس والصحافة الثقافية . غادر العراق في السبعينيات وحاليا يقيم في لندن ونال جوائز في الشعر: جائزة سلطان بن علي العويس، والتي سحبت منه لاحقا، والجائزة الإيطالية العالمية، وجائزة كافافي من الجمعية الهلّينية. في العام 2005 نال جائزة فيرونيا الإيطالية لأفضل مؤلفٍ أجنبيّ. في العام 2008 حصل على جائزة المتروبولس في مونتريال في كندا . وعلى جائزة الأركانة المغربية لاحقاً

عمل كعضو هيئة تحرير "الثقافة الجديدة".

عضو الهيئة الاستشارية لمجلة نادي القلم الدولي PEN International Magazine

عضو هيئة تحرير مساهم في مجلة بانيبال للأدب العربي الحديث .

مقيم في المملكة المتحدة منذ 1999.

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved