في مساء اليوم الأول من شهر كانون الأول ( ديسمبر ) لعام 2013 لمدة ثلاث ايام، وتحت شعار " نلون بغداد محبة وسلام " ابتدأت فعاليات ملتقى بغداد الثقافي استكمالاً لبرامج بغداد عاصمة الثقافة العربية، بمشاركة 300 من التشكيليين، و700 عمل فني، ليعلنوا بحضوهم أن الفن التشكيلي العراقي لا يزال حاضرا بكل أوجهه وبكل تقنياته وأداءآته الجمالية، ولعل حضورهم برهان كبير على ان حضور اللوحة التشكيلية العراقية بكل أشكالها راسخاً، ودليلا واضحا على أن اللوحة العراقية يمكن أن تسافر إلى أي مكان في العالم، بقيمها الفنية المتميزة، والتي يشكّلها فنانون عراقيون، سجلوا بريشاتهم وأزميلهم، ذلك السحر الأخاذ مستمداً من جذور أرثهم الحضاري ومستلهماً من الماضي وجماليته وما فيه من مخزون معرفي لبلاد سومر وأكد وآشور وما تلاه من حقبات جسدتها قصص ألف ليلة وليلة، ومن بين من شاركوا، نحو 50 فناناً عربياً وفنانون من هولندا، أمريكا، بريطانيا، وجمهورية التشيك، وأخرون من بلدان العالم ... ليأكدوا ان هذا الملتقى هو دعوة للمحبة والسلام ولتغيير صورة العنف والخراب والدمار... وابدالها بصورة الإبداع والجمال ...
كي نقف على رأي المشاركين بالملتقى التقينا بعضهم وسألناهم عن تقييمهم لفكرة الملتقى، ماذا يستطيع ان يحقق وما تأثيره على وسائل الإعلام الخارجي ؟
مؤيد الحيدري فنان واعلامي يعيش في تشيكوسلفاكيا
ملتقى يغير الصورة النمطية
تجمع من هذا القبيل يعيد تاسيس علاقة صحية وثقافية، ويمكن ان اقول وطنية ايضاً، للعراقيين بشكل عام الذين تجمعهم ادات مهمة وانسانية وبدون هوية الا وهو الفن، وبالتالي انا اعتقد ان الفن هو اكثر ما يحتاجه العراق حاليا خصوصاً ان في الإعلام الخارجي الصورة النمطية للعراق، حيث تقترن صورتنا دائماً لدى اي اوربي او غربي، بالقتل والمفخخات، بالجوع والدمار وتناسى العالم ان هذا البلد يمتلك ذخيرة جيدة، ومقتدر على ان يقدم الكثير عبر اجيال مختلفة من فنانين جمعهم هذا الملتقى، اتمنى ان تنتقل مثل هكذا فعاليات الى دول اخرى خارجية لتعلن ثانية ان العراق يمكن ان يكون بلد عطاء مستمر ...
د. نذير عبد اللطيف باحث وناقد فني مغربي
جسور تواصل
بداية نشكر ادارة المهرجان على هذه التظاهرة الفاعلة، والتي من شانها ان تلملم جراح العراق وتعمل على ربط جسور تواصل بين الفنا
نين، وتقوم مقام ان يكون الفن التشكيلي هو فن انساني نبيل، فن يقوم على اساس البناء، فنُ يقوم على اعادة اللحمة الى القواعد الأساسية، فن به نرى الحياة، فن به نستشرف الأمل والمستقبل، هذا بالنسبة للمهرجان، والمهرجان ايضاّ ربما سيحقق هدف وهو جمع التشكيليين العراقيين من ربوع العالم، فنجد التشكيليين من كندا، نجد التشكسليين من فرنسا، من المغرب، من تونس، تشكيليين من جميع انحاء العالم، وهذه فكرة بطبيعة الحال صعبة التحقيق، لكنها استطاعت ان تحقق بعدها التواصلي الكبير، خلال هذه التظاهرة، الجانب الثالث والأساس، لما لا نؤسس من خلال هذا الملتقر لقاءاً تشاورياً لقاءاً تفاعلياً، للتشكيليين العرب فيما بينهم ؟ سيما ونحن في تظاهرة استطاعت ان تستقطب فنانين من كافة الدول العربية، في فعاليات لها قيمة اضافية، لها قيمة استثنائية داخل المشهد التشكيلي العالمي، وهذا في طبيعة الحال سيزيد دعماً وقوةً وفعلاً في التشكيل بشكل عام، النقطة الأخيرة، ان هذا الملتقى يحاول بشكل عام ان يجمع بين المعرض وبين المحاور النظرية، وهذا بطبيعة الحال له قيمة كبيرة جداً، المحاور التشكيلية التي ظل التشكيلي العربي بعيداً عنها، اذ نجد ان التشكيليين العرب ينجزون اعمالاً مبهرة رائعة لكنه لايستطيع ان يصنع خطاباً تشكيلياً قوياً، هنا نرى ان هذه التجربة استطاعت ان تزاوج بين الأعمال الإبداعية وما بين المحاور النظرية القوية، اما الجانب الإعلامي في المهرجان فنلاحظ ان الإعلام حاضر بقوة وبارز في هذه التظاهرة، الإعلام السمعي والإعلام البصري والإعلام المكتوب ايضاً، من خلال برنامج المهرجان وكذلك من خلال النشرة اليومية التي تصدر خلال الملتقى ...
اما ماذا يستطيع ان يحقق هذا المهرجان فهو سؤال وجيه ومهم جداً لأن الملتقيات التشكيلية العالمية تطورت بشكل ملحوظ واستطاعت ان تقدم للتشكيل في العالم مسار رائع في غياب مثل هذه التظاهرة في الوطن العربي، اعتقد ان العراق في مثل هذه التظاهرة استطاع ان يؤسس لفعلٍ تنظيمي جديد نتمنى ان نراه في المغرب وسنراه في مصر وفي بلدان عربية اخرى رائدة... ان هذه التجربة نجحت بقوة لما لها من فعل نبيل ولما لها من بعد تواصلي ذكي ورصين ولما لها ايضاً من بعد اجتماعي وبعد تواصلي بين فنانينا ولذا فانني اتنبأ لهذه التجربة مسار قوي وفعل تشكيلي فاعل ومنتج داخل الحقل التشكيلي ...
منصور البكري فنان يعيش في المانيا
صورة مضيئة
ان الإعلام في الخارج يركز على اعطاء صورة قاتمة عن بغداد جرّاء ما تتعرض له من احداث أمنية، في حين انها تمتلك الكثير من الصور المشرّفة، تجسدها عبر الفعّاليات الفنية والثقافية التي تحتضنها بين فترة وأخرى، ان انعقاد الملتقى في بغداد بمثابة رسالة وتحدٍ كبير ضمن المرحلة الراهنة، والتي يحاول الإرهاب من خلالها ان يصيغها بلغة الدم والقتل .
ان تنظيم ملتقى بهذا الشكل يعدُ عرساً عراقياً يؤكد استمرار حركة النهوض والوجه المشرق لبغداد الحضارة والتاريخ والثقافة المتجددة . وان مشاركتنا في هذه الفعالية تتيح فرصاً مهمة للتلاقح بين الخبرات والإمكانيات بين الفنانين العراقيين والعالميين والإطلاع على تجاربهم، وتقع على عاتق الفنان المغترب مسؤولية عكس صورة ايجابية عن حركة البناء والإعمار في البلاد رغم كل التحديات التي تتعرض لها ...
سميرة عبد الوهاب فنانة تشكيلية تعيش بالسويد
الغربة بلون اسود
نحن نعيش الغربة والتي انا اعطيتها اللون الأسود، لانها بالنسبة لي الغربة السوداء، ولكن في ظرفٍ ما اضطررنا للعيش خارج البلد، وانا عن نفسي اقول انا في الغربة كجسد لكن روحي وعقلي وفكري هنا في بلدي فأنا أتألم لألمه وافرح لفرحه، ونبقى مهما ابتعدنا فاننا ملتسقين بهاجس الوطن، كثيراً ما كنت احضر المحافل الدولية ليس كفنانة فقط وانما ( كفكر ) ثقافي احضر نشاطات المجتمع المدني، أتطلع وأشاهد الأوضاع عن قرب وبالتأكيد هنالك الم كبير لما يحصل، جعلني أقول ىان الناس الذين يتعايشون مع هذه الأوضاع هم الأبطال، احييهم لبطولتهم، وعندما اتحدث عنهم اتحدث بفخر واعتزاز، اما عن حضوري في هذا الملتقى فأقول انه مهم وضرورة للفنانين المغتربين، وكذلك للفنانين المتواجدين داخل البلد كي يطلّعوا على تجارب جديدة يحملها المغترب، فبذلك يحصل تلاقح ثقافات، والشئ الأهم ان هذه اللقاءآت والحوارات تساعد في معرفة ثقافة الآخر، وهذه المعرفة هي التي تثري معرفة الفنان والذي هو بامس الحاجة لها، انني حريصة دائماً على الحضور والمشاركة، شاركت باخر تجربة لي هي اربعة اعمال في فن الكرافك، ليطلع الفنان العراقي على انتاجنا في بلدان الإغتراب، هنالك نقطة مهمة جداً هي اننا عندما كنا نعيش في بلدنا كنا نقول الفنان الأوربي، فنان الغرب ونحس بالضآلة تجاهه، ولكن عندما عشنا في بلدان الغرب وجدنا ان الفنان العراقي يتفوق بكثير عن الفنان الأوربي، والعراقي ايمنا وجد هو متفوق، انا عملت في مدن غربية مختلفة وشاركت مع فنانين سويديين في مدن مختلفة فوجدت ان اعمالي كانت دائماً متميزة، وهذا يشعرني بالزهو ورغم كل هذه النجاحات التي احرزتها في الخارج يبقى انتمائي الى بلدي، والذي هو الأهم، ولا بد ان اقدم له شئ، فحضوري هنا بالوقت الذي منعت الكثير من السفارات فنانيها من الحضور خوفاً عليهم من القتل، لكننا كنا مندفعين ومتطلعين ومترقبين ... أما اهمية الملتقى فان الفنان بأمس الحاجة له، لغياب الجو الثقافي، فعندما تعقد مثل هذه المنتديات وهذه اللقاءآت، نحس ان هنالك عطش كبير للمواطن العراقي لذلك نجد ان لا بد لكل هذه التجارب الرائعة ان تتكرر، لانها كالماء بالنسبة للضمآن، وهذا الحضور مهم جداً وانا اشكر وزارة الثقافة ودائرة القنون التشكيلية لأنهم بعملهم وجهدهم كانوا كخلية نحل ... و...أحييهم لجهودهم .
طارق المعروف فنان يعيش في كندا
الفن بديل للدمار
ان فكرة الملتقى هي فكرة رائعة مهما كانت نواقصها، فاننا دائماً نبدأ الطريق بخطوة أولى ... الدعوة التي وجهت للفنانين التشكيليين في الداخل وفي الإغتراب والفنانين في الوطن العربي والعالم تحقق التواصل وتقدم الفنان العراقي نموذجاً رغم الدمار الذي يمر به العراق والمنطقة، ويبقى الفنان العراقي لسيقاً بكل موروثه الحضاري متجاوزاً النكبات او قد يكون وضعها في سجل الأحداث التي يتابعها، ويستطيع الملتقى كذلك ان يساهم في تغيير الفكرة التي يطرحها الأعلام الخارجي والتي تجعل من العراقي صورة للدم والإنفجارات والتخريب ...
صادق الصائغ شاعر وفنان
خداع الذات
انه ليس فقط اعلام للفكر العراقي والفن العراقي بل هو أيضاً اعلاء لماضي متأسس منذ زمن قديم، ونرغب في تطويره ...فالمهرجانات تلعب هذا الدور ومباهجها جداً كثيرة، لكن هي فرع من هدف، وليست هي الهدف، يتصور البعض ان المهرجان هو الهدف، لكن الإشكال يبقى اشكال ...لدينا مسالة عراقية متأسسة من خمسة الأف سنة، لكن انقطع عنها الماء وجفت،
حروب، اوجاع، تشريد، وهزائم لا نهائية، الآن نريد ان نلملم ما يمكن لملمته، ليس فقط ما يشير الى ذلك الماضي، بل ما يشير الى الحاضر ايضاً، الى الآن برأيي لم نسجل حضور عالمي في الفن التشكيلي، الى الآن نحن نتحدث مع بعضنا، ونشتغل مع بعضنا، واحياناً نوهم انفسنا بأننا نمتلك مستويات كبيرة، واعتقد ان هذا خداع للذات، يجب ان نشخص واقعنا ونوصّفه بشكل صحيح كي نستطيع ان نعالجه، كي نستطيع ان نبنيه، وهذه هي محاولة وللاسف، لا تمتلك برنامج بناء ستراتيجي، لكن تبقى محببة ولطيفة جداً، وربما اذا الحكمة استطاعت ان تؤثر على المظهر، وتتحكم به، وتشق لها طرق جديدة محلية وعالمية، لأن الجسد التشكيلي العراقي موزع بكل العالم، الأجيال الحالية مثلاً تحاول، لكن ليس لديها الوسائل الكافية لتقتحم هذا العالم، وتكون على مستوى ابداعي، وليس مجرد حضورها الجسدي، يعني ان مؤسساتنا فقيرة لا تستطيع ان تقدم نجدة ليس للفنان فقط، وانما لسمعة الفن التشكيلي العراقي، لا تزال بعض اشغالنا وكأنها تبدأ من الخطوة الأولى، والطلاب المتخرجون ايضاً العقل الذي يكونهم هو محدودايضاً، فإنتاجه على قدر هذه الحدود، يجب ان نجد حل فعندما يشعر الفنان ان شيئاً ما يبنى، فسوف يسارع الى ان يحضر في هذه اللحضة المتأزمة، حسب ما اعرف ان اعداد كبيرة وحضورهم في الخارج معترف به اعتراف جلي، لكن بقيت اسماء بعضهم مجهولة، بينما هم لهم اوزان هائلة وثقيلة ... فحن ننتظر ولدينا امل ... نأمل ان تكون الأمور عند حسن الظن .
اشعاعات الملتقى
* شهد ملتقى بغداد للفنون التشكيلية العديد من الفعاليات الفنية من بينها الإحتفاء بالفنان التشكيلي الكبير طالب مكي حيث قدم له السيد وكيل وزارة الثقافة مهند الدليمي هدية تكريمية مع باقة ورد كما تم عرض فلم يتحدث عنه تحت عنوان " صمتاً انه يتحدث " كتبه حسن عبد الحميد واخرجه أسعد الهلالي، وقدمت فرقة مسرحية من الشباب عملاً مسرحياً بعنوان " مولد لوحة " من اخراج د. حسن علي هارف
* تم افتتاح مبنى دار التراث الشعبي وكذلك قاعة المسرح بعد تزويده بأحدث المعدات والتقنيات ومن اهم مهام معهد الفنون الشعبية هي تأهيل جيل حرفي يؤمن بتراثه ويعتز باصوله المشرفة ...
يعتبر معهد الحرف والفنون الشعبية من المعاهد المتميزة والمهمة، ليس في العراق فقط بل حتى على الصعيد الإقليمي لما يقدمه من دراسة الحرفة الشعبية
* اهم حدث عاشه المشاركون بمشاعرهم واحاسيسهم هو حضورهم عودة الحياة الى اهم قاعات العرض العراقية " كولبنكيان " بعد صمت دام اكثر من عشرة سنين، ان اعمار واعادة تأهيل متحف كولبنكيان للفن الحديث يعد اهم حدث عربي وعالمي لما يحمله من ذاكرة فنية مهمة احتضنت بواكير اعمال الرموز الفنية العراقية المعاصرة بالاضافة الى مكانته بين مثيلاته من المتاحف العالمية .
ومضات
استطاع ملتقى بغداد للفن التشكيلي ان يحيلنا الى عبق حضارات ازدهرت يوماً على ارض وادي الرافدين متمثلاً بفنانين يعود امتدادهم الى بلاد سومر وحضارة اكد وبابل وعظمة آشور ... لكن هذا الملتقى رغم نتائجه الكبيرة الا انه لا يعفى من بعض الهنات التي نتمنى ان يتلافاها في المرات القادمة .
* كان الختام ضعيفاً ولا يتناسب مع قيمة الملتقى الكبيرة .
* تأخير الدعوة ادّى الى ارباك المدعوين واعتذار البعض .
* افتقر الملتقى الى الحوارات الهادفة الى تقريب وجهات النظر وتعميق الصلات .
* المدة القصيرة المخصصة لم تكن كافية لإنجاز الكثير من الفقرات المهمة .
* بدل ان توزع شهادات تقدير لكل الفنانين المشاركين كان من المفترض ان تخصص لجنة تحكيم لاختيار احسن الأعمال في الرسم والنحت والسيراميك .
* كثير من الفناتين العرب المشاركين لم يكونوا بالمستوى الذي يتناسب مع قيمة الملتقى *
وأخيراً، هل استطاع ملتقى بغداد للفنون التشكيلية، حين جمّل وجه بغداد بالوان وابداعات فنانيها، ان يساهم في اعانة بغداد على ان تضمد جراحها ؟... وهل استطاع ان يساهم في دفع عجلة إعادة امجاد، بغداد جواد سليم، وخالد الجادر، وفايق حسن ... وكل مبدعيها عبر التاريخ ؟ ... لكن ... يكفي ان نقول، دائماً مسافة الألف ميل تبدأ بخطوة ...
اضغط على الصورة للتكبير