كتبت في ما مضى، سلسلة من المقالات تحت عنوان (نساء في مهب الريح)، لرسم بعض ملامح صورة المرأة العراقية وما تعيشه من معاناة في مجتمعنا.
وصمتُ – حين من الدهر – صمت التأمل لا صمت العجز.
وها أنا أعود لأكتب عن ذلك الوجع الازلي الذي يتشنج في كينونة المرأة بعنف وقسوة، لا لشيء سوى إنها أنثى!!
كانت في مقتبل العمر، حسناء في السادسة عشر من عمرها.. تحمل حقيبتها يوميا لتحلم كغيرها من الفتيات بعالم جميل يمكن ان يكون مستقبلها.
وفي لحظة غفلة من الزمن، تأتي أحداهن تمشي على جهلٍ لتقنع الام الفقيرة المسكينة بان خير فتاتها وخيرها يكمن في تزويجها من (فلان) فهو قادر على تأمين حياة كريمة لها فما فائدة العلم والمدرسة، والبنت خلقت للزواج (وحديث يطول تبرع فيه النسوة كثيرا).
وتزوجت تلك الفتاة الصغيرة من رجل يكبرها بعشرين عاما!! لان الزواج فرصة لا تعوض!!
تمرّ الأيام سريعا.. بعد 10 أشهر، يتصل الزوج بالام ليخبرها بان ابنتها في المشفى تموت!! يبدو ان الفتاة قد عمدت الى شرب (سم الفأر)!!
لم تمت (حسنائنا)، بل اصيبت خلايا دماغها بالشلل، وتحولت الى كائن مشلول، ضعيف مختل الحواس، فاقدٌ لها!!
يا ترى، ما الذي دفع الفتاة الحسناء وهي في مقتبل العمر على تناول (سم الفأر)؟!
وكيف عرف الزوج وأهله بانها تناولت سم الفأر؟!
ما هي الحالة التي كانت تعيشها المسكينة حتى أقدمت على هذا الفعل؟! او دعوني اتساءل بجرأة أكثر: ما الذي حدث لكي تقدم على هذا الفعل؟ إن أقدمت فعلا هي عليه؟!
تتساقط دموع الام وهي تتحدث – أثناء لقاء باحثات المنظمة معها اثناء زيارتها الى مركز الاستماع -: (اخبروني الجيران بانهم كانوا يضعون الملح في عيونها.. وانهم كانوا يضربونها، هو وأهله.. ولكن هي لم تكن تخبرني بذلك، والجيران بعد المصيبة فقط بدأوا يتحدثون بهذا الامر)!!
الجيران.. كانوا يعلمون بمعاناة هذه الفتاة المسكينة.
وجيران آخرون في مكان آخر، كانوا يعلمون بان جارهم الرجل يضرب زوجته باستمرار وانه فقأ عينها ذات مرة، كانوا يعلمون بذلك، وقد سمعوا صراخها وهو يضربها بالسلسلة الحديدية.. ولكن احد منهم لم يحرك ساكنا.. حتى قتلها ذات يوم أمام سمع الجيران ومرمى أعينهم!!
وعندما سألناهم: لماذا لم تحركوا ساكنا.. لماذا لم تفعلوا شيئا؟
كانت الاجابة: هو يملك رشاشة ونخاف ان يرمي علينا اذا تدخلنا!!
لا يظن احدكم بأني أروي له حكاية من حكايا شهرزاد في (ألف ليلة وليلة)، ولم آتي بها من ملفات شرطة المريخ.. انها حكايا الوجع في أزقة مدينتي، وحواريها الضيقة المتعبة، المغمسة بالنسيان والعوز والجهل والخوف.. الخوف الذي يحاصر كل ما حولنا فيحليه الى صمت مخيف.. صمت شريك في الجريمة!
نعم، صمت مجتمعنا على ما يرى من ظلم وعنف ضد المرأة، هو أكبر جريمة يجب ان تعرض أمام القضاء ويُحاكم عليها.
الصمت، أقبح صوت يمكن ان يُعزف ليصم آذان الآخرين!!
يا ترى كم بالصمت، صمتنا كمجتمع، تسببنا في قتل الآخرين وخاصة قتل الفتيات والنساء.. قتل الحرية والكرامة.. قتل الحياة في نفوس بريئة طاهرة لم يكن لها ذنب سوى أنها خلقت (أنثى)!!
ان صمت المجتمع، وما يشكل من اعراف وعادات وتقاليد من أكبر العوامل التي تساهم في زيادة العنف ضد المرأة، وتسهيل عملية الاعتداء عليها وعلى حقوقها او الاستهانة بتلك الحقوق.
فلا فائدة من قوانين او قضاء او اي سلطة يمكن ان تشرع لحماية المراة، في وسط مجتمع يسكت على الظلم، ولا يرفض الجريمة بل يبررها، ويساعد على انتهاك حقوق افراده بناءا على التمييز في النوع الاجتماعي حسب ميزان القوى التي تتحكم في مصائرنا.
عندما يصمت المجتمع... ترتفع نسبة انتهاك حقوق المرأة وتضيع كرامتها وتصادر حياتها.
في حين ان إسلامنا العظيم، علمنا أن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، واي منكر أعظم وأكبر من انتهاك حقوق الانسان، وخاصة حقوق المرأة باعتبارها المخلوق الرقيق والجميل.. المخلوق الذي يصنع الحياة، فمن يعتدي على حقوقها فكأنما اعتدى على صانع الحياة.. ومن لا يحترم حق اهل الارض، فكأنما اعتدى على ربَّ الارض.
فأي عقوبة ننتظر من ربّ الارض وواهب الحياة؟!