حتى يكون الموت عادلا لابد للحياة ان تكون عادلة
(إذا بقيت سالما سأكتب على الجدران وفوق الأرصفة في الساحات العامة اشعاري وسأعزف على الكمان في ليالي العيد لمن يبقون من المعركة الأخيرة وكذلك سأعزف على الأرصفة المغمورة بضياء ليلة رائعة للذين يغنون أغاني جديدة للناس الجدد والخطوات الجدد)
* ولد ناظم حكمت في 20 يناير من عام 1902 في سولينيكي المدينة التي كانت عثمانية وتقع في شمال اليونان، ولد لعائلة ثرية ومتنفذة، مع هذا فإنه عارض الإقطاعية التركية وشارك في حركة أتاتورك التجديدية ولكن بعدها عارض النظام الذي أنشأه اتاتورك وسجن في السجون التركية حتى 1950 ، ثم فر إلى الإتحاد السوفييتي، وكانت أشعاره ممنوعة في تركيا إلى أن أعيد الاعتبار له في بلده.
يقول ناظم حكمت في إحدى قصائده إنه عندما كان في الثالثة كانت وظيفته في الحياة هي أن يكون حفيد ناظم باشا عمدة حلب، فهو ولد وتربى في احضان الإرستقراطية، أمه أرستقراطية أيضا والدها أنور باشا شخصية عثمانية لامعة، أبوه دبلوماسي، وأمه رسامة وعازفة بيانو، في صباه تشبّع ناظم حكمت بحب الأناشيد الصوفية، عرف الإيقاع والشعر من أفواه الطرق المولوية، شعت أناشيد التكايا والأوراد وحلقات الذكر في وجدانه وشكلّت وعيا شعريا ذا نكهة لم تفارقه وأن اغترب وتغرب وصار شيوعيا، ولذا لا يمكن الاّ ان نلمّس ما صدحت به أناشيد الدراويش في شعره؟
* لأجل عدالة الحياة لأجل غد الإنسانية المشرق يعزف ناظم ألحانه ويكتب أشعاره بعد ان تخلع الإنسانية رداء الحروب والاستغلال والعبودية حيث الخلاص وتجاوز وحشية الرأسمالية بالغد الاشتراكي السعيد حتى يرى الإنسان مالم يراه ويقول مالم يقوله :
( أجمل البحار: ذلك الذي لم يزره احد بعد
أجمل الأطفال: ذلك الذي لم يكبر بعد
أجمل أيامنا: تلك التي لم نعشها بعد
أجمل الكلمات: التي وددت قولها لك
هي تلك التي لم اقلها بعد)
وتنفيذا لمقولة أمنا الطبيعة ودع ناظم حكمت الحياة وتوقف قلبه عن الخفقان في 3\6\1963، توقف قلب الشاعر الذي قال عنه حنا مينة(يكفي ان نقول ناظم حتى نقول الإنسان) وفي سبب موته يقول حنامينة( الذين يقرؤون رسائل ناظم حكمت وهو في السجن أو قصائده المكتوبة في تلك الحقبة، رسائله المكتوبة الى كل واحد منا وكذلك قصائده المكتوبة من اجل كل واحد منا لن يتساءلوا مم مات ناظم بعد ذلك في الثالث من حزيران 1963 انه لم يمت إلا من الحب حب الإنسانية العظيم)
(أمنا الطبيعة ستعلن ساعة الانصراف ذات يوم
قائلة:-
لقد انتهى الضحك والبكاء ياولدي
وستعاود الحياة التي لاترى ولاتتكلم ولاتفكر دورتها اللامحدودة)
وتميز شعرناظم ببساطة ساحرة ومواقف واضحة. جرب في شعره كل الأشكال الممكنة الحديث منها والموروث وغذى تجربته بكل الثقافات من حوله خاصة، وأن له علاقات شخصية مع أبرز الشخصيات الأدبية الروسية والأوربية والأمريكية والعربية. ولناظم حكمت بصمته في الشعر العربي اذ نجد أصداءً من طريقته الشعرية في أثر العديد من الشعراء كصديقهِ عبد الوهاب البياتي وبلند الحيدري ونزار قباني والعديد من شعراء العامية حيث تقتحم الأشياء البسيطة فخامة العالم الشعري وتعطيه أبعادا أخرى لم تكن بارزة من قبل.
* كم تصعب قراءة شاعر في حجم ناظم حكمت، شاعر لم يعش حياته إلا شاعراً، في الوطن كما في السجن كما في المنفي. شاعر الحداثة والشعب، شاعر الثورة والغنائية، شاعر الجدلية المادية والماوراء، شاعر التاريخ والواقع، في إحدى قصائده الأخيرة كتب ناظم حكمت قائلاً:
إنني أحلّق هذا المساء
أحلّق في الأعالي
إنني في مرتبة اسمى
من مرتبة ذلك الذي يسمع اصواتاً من اللانهاية... .
تقنية جديدة
لقد أحدث ناظم حكمت ثورة في الشعر التركي منذ ديوانه ( المدينة التي فقدت صوتها ) وهو يعتبر بمثابة الديوان الأول (1931) على الرغم من ان الشاعر كان قد أصدر قبله كتيباً شعرياً في العام 1929 .
أسس الشاعر الشاب حينذاك شعراً جديداً قائماً علي تقنية شعرية جديدة وروح جديدة، منفتحة على الإيديولوجيا الثورية والوعي الاشتراكي. حملت قصائده هذه رؤية مختلفة الى العالم انطلاقاً من الصدمة التي أحدثتها الحياة المدينية الحديثة والمجتمع الصناعي. وحملت القصائد الى الناس رؤية مأساوية أفرادا وجماعات، رؤية لا تخلو من الأمل او الرجاء الذي غذته الثورة الاشتراكية.
ان ناطم حكمت شاعراً أُقتُلعَ من أرضه الأولي وعاش منفياً وأحس إنه ينتمي الى العالم على غرار المنفيين والمقتلعين جميعاً، وحفزته أحوال القهر والبؤس والحنين الى أن يكون مواطناً من العالم ولكن بجذور تضرب في أديم الوجدان التركي.واختصر احساسه ذلك في قصيدة موجهة الى كتّاب آسيا وأفريقيا حيث يقول:
إخوتي
لا تنظروا الى شعري الأشقر
فأنا آسيوي
لا تنظروا الى عينيّ الزرقاوين
فأنا أفريقي.
هذه النبرة سرعان ما شاعت في قصائد عالمية كثيرة كتبها شعراء اميركيون هامشيون وغنتها فرق من أميركا اللاتينية وأدّاها مغنّون كثر في ساحات أوروبا. وقد تُمثّل طوباوية ناظم حكمت الوجه الإنساني المفترض لمّا يمكن أن يُسمي الآن العولمة الإنسانية ولكن في معناها الحقيقي لا الأميركي المعلّب. أما صفة المسافر التي يطلقها ناظم حكمت على الشاعر (قصيدة الرحلة) مثلاً فهي تلزم استدعاء أسطورة عوليس ومدينة ايثاكا في التراث الإغريقي وتسبغ على الطابع الأممي بعداً شعرياً تتقاطع فيه حال الغربة او الترحال ومقام الانتظار وحلم العودة.
* أثّر ناظم حكمت في الأدب العربي وفي الأدباء العرب كما لم يؤثر شاعر غير عربي آخر لقرون، وشهد ناظم حكمت الولادة الحقيقية لذلك القرن العجيب، (القرون لا تبتدئ بالسنين ذات الصفرين أو أكثر، فذاك حساب الفلك والترقيم، أما حساب الإنسان والحدث وتقلبات الحياة والوجدان والمزاج فقرنها الجديد كانت بدايته الحقيقية بين 1917 و1918، حيث كانت هنالك حرب كونية تنتمي إلى القرن التاسع عشر قد اندلعت عام 1914 لينتج عن محرقتها قرن جديد .)
ولعلّ ما كتبه ناظم حكمت قبيل منفاه الروسي يمثل ذروة شعريته لا في الثورة اللغوية والشكلية التي أحدثها ولا في المضمون الذي استوحاه من الوجدان العام والذاكرة العامة فقط، بل في المفهوم الشعري الذي أرساه جامعاً بين الشعر والحياة كما لم يُجمَعْ بينهما سابقاً وجاعلاً من القصيدة مرآة للشعب في أمانيه وآلامه. مرآة لهذا الشعب الذي أصبح شعوباً فيما بعد والشاعر التركيّ الذي خاطب المزارعين والعمّال الفقراء والمهمّشين أصبح شاعر الأمم حيث خاطب شعوب الأرض قاطبة:
أيتها الشعوب العزيزة
من كل الأجناس والجنسيات
أيها الأندونيسيون، أيها الألمان، أيها الإسكيمو
يا من جئتم من السودان، من الصين، من تركيا، من أرمينيا
أيها اليهود، أيها العرب، أيها البولونيون، أيها الروس
يا من أتيتم من المكسيك، من النرويج، من قرغيزيا... أيها الهنود أيها الأكراد، أيها الفرنسيون... أيها الأميركيون: بيضاً، زنوجاً، حمراً... أحييكم جميعاً... .
هكذا كتب الشاعر حين كان مقيماً في فرصوفيا.
* لم يصطنع ناظم حكمت نزعته الأممية ولا هو استعارها من التيار البولشفي والثقافة الاشتراكية. فهذا الشاعر الذي لم يستطع ان يُعجب بالزعيم ستالين والذي رفض صورة المتسلط مصطفي كمال (اتاتورك) كان يؤمن بالإنسان مرجعاً أولاً وأخيراً، هذا الإنسان الذي لا بد من ان يصبح العالم تحت إمرته كما يعبّر، بعيداً من نفوذ الدولة او المال. وعندما كتب ناظم حكمت عن صديقه منصور في بورسعيد او عن ضحايا هيروشيما أو عن المرأة السوفياتية أو الثورة الفرنسية أو حتى عن الحزب الشيوعي التركي فإنما كان يكتب انطلاقاً من موقف أو رؤية إنسانية شاملة وعميقة. وما يصف به نفسه في إحدى مقدمات كتبه يعبّر تماماً عن هذه الأممية التي لا تنفصل عن الهوية الأولي او الانتماء الأول كأن يقول:
إنني شاعر تركي عادي يعتزّ بأنه أعطى قلبه وعقله وقلمه وعمره كلّه لشعبه...ودأب عبر الشعر على تمجيد كل نضالات الشعوب... في سبيل الاستقلال القومي والعدالة الاجتماعية والسلم... .
وما يميّز انتماءه الاشتراكي كونه انتماءاً إنسانياً وثقافياً في الحين عينه. فهو يعتبر الاشتراكية وارثة كل الثقافة الإنسانية التي يستحيل حصرها في أوروبا واليونان القديمة وروما وعصر النهضة بل يجب ان تشمل العالم كله: آسيا وأفريقيا وأميركا القديمة والجديدة.
* لا يخلو شعر ناظم حكمت في معظم مراحله من مبدأ الصنعة. حتى قصائده المباشرة والتعليمية التي كتبها في أوج نضاله لم تخل من الصنعة او المتانة. لكن الصنعة هنا يجب ألا تكون بمثابة المأخذ على الشعر بل هي التي تتيح للشاعر ان يحقق ما يسمّيه ولعاً بجعل الشكل متطابقاً مع المضمون. فالشكل في نظره ينبغي له ان يمنح المضمون مزيداً من الوضوح شرط ألا يطفو هو على السطح كما يقول. وليس من المستهجن ان ينأى ناظم حكمت عن إغراءات الزخرف (او الباروك) والحذلقة والافتعال وأن يمعن في الإيجاز والاختصار حتى وإن كتب الكثير من الشعر الدرامي والملحمي.
* قد لا يصمد شعر ناظم حكمت كله ولا نثره كلّه أمام حكم الزمن، وقد تسقط من نتاجه قصائد كثيرة ونصوص كثيرة وخصوصاً تلك التي كتبها تحت وطأة المنفي والنضال والالتزام وهي في معظمها لا تخلو من النفس التعليمي الذي يتوجّه الى الشعب. ومقولته الشهيرة (ما أريد قوله للشعب) ساعدت ربما علي جعل بعض القصائد والنصوص غاية في المباشرة وخلواً من الفنّ الشعري أو الملحمي الذي كثيراً ما برع فيه.
ما قاله فيه النُقاد
* قد تكون قراءة ناظم حكمت في سياق الحركة الشعرية التركية مختلفة عن قراءته عالمياً، وكذلك قراءته باللغة التركية تختلف عن قراءته مترجماً. فالناقد نعمت ارزيك يضعه في مستهل تيار الشعر التركي الحر في الأنطولوجيا التي صدرت بالفرنسية عن دار غاليمار ويسمّيه واحداً من رواد القصيدة الحرة، مشيراً الى أن أعماله الأولي أثرت في جيل كامل من الشعراء.
ويجمع النقاد الأتراك والأجانب علي أن ناظم حكمت نجح في توسيع آفاق الشعر التركي وفي تجديده او تثويره بعدما رزح ردحاً طويلاً في ظلال شعر الديوان الكلاسيكي والشعر الموزون والمقفى. واستطاع ناظم حكمت، كما يقول الناقد غوزين دينو ان يكسر القواعد العروضية وأن يتخطى الموضوعات الثابتة والجماليات اللغوية والشكلية التي رسّخها الشعراء الذين سبقوه عبر إذكائه نار التحديث في الهشيم الشعري. وساعده تأثره بالشعر المستقبلي الروسي وسواه في ان يكتسب مواصفات جديدة تجمع بين الطرافة والأصالة كونها تنطلق من تراث الشعر الشعبي المكتوب والمحكيّ. وتمكن ناظم حكمت انطلاقاً من مرجعيته المحلية او التراثية ومرجعيته الثقافية ان ينشئ جدلية شعرية فريدة جعلته في مصاف الشعراء الثوريين في العالم. ولعلّ هذا ما عبّر عنه تريستان تزارا حين قال في تقديمه لناظم حكمت:
اهتدى ناظم حكمت وخصوصاً من خلال تعميقه المنابت التي كانت تمده بها تقاليد بلاده وأساليبها وقد تبنّي بعض صيغها في التعبير بُعيد منحها طابعها الحاضر والحديث، اهتدى الى احتواء مضمون هذا الشعر الذي تعصف فيه تلك الحرارة الإنسانية وحيث النداءات الى العدالة والى الانتفاض على الاستبداد تحمل نكهة الحياة نفسها.
لم يكن ناظم حكمت يميل كثيراً الى بناء نظرية شعرية كما يعبّر الناقد الروسي اكبر باباييف. لكنه لم يتوان عن كتابة بعض النصوص التي تعبّر عن رؤيته الى الشعر وعن فنّه الشعري. فالشاعر كما يعبّر كان يحس ان ثمة حاجة في قرارته للتعبير شعراً عن أمور لم تكن قيلت قبلاً. وبعدما عاش هموم الناس عن كثب وخصوصاً في الأرياف والمناطق وبعد إطلاعه على مجريات الثورة الروسية بدأت تشغله مسألة البحث عن شكل شعري جديد يلائم المضمون الجديد. ويشير ناظم حكمت الى أنه بدأ العمل على القافية ثم حاول ان يضع القوافي في ختام الأبيات مرة ومرة في بدايتها. ويعترف هو نفسه بالأثر الذي تركه فيه شكل القصيدة التي كان يكتبها ماياكوفسكي موزّعاً أبياتها علي الصفحة البيضاء وكأن الأبيات موجات إيقاعية تتسرح وتتردد. إلا ان ثورة ناظم حكمت الشعرية لن تقتصر علي الشعر الحر فهو دعا انطلاقاً من وعيه الثوري، الى حرية التعبير اياً كان شكل هذا التعبير.
في هذا الصدد يقول:
الشعر يمكن ان يكتب بالقافية ومن دونها، بالوزن ومن دونه، ويمكن ان يكون مفعماً بالصور أو من دون صور إطلاقاً، صارخاً بصوت مرتفع حيناً أو عبر الهمس حيناً. أما أبرز ما سعي إليه ناظم حكمت فهو ان يجعل الشعر شاهداً على المراحل التاريخية المتعاقبة شكلاً ومضموناً. فالشعر باعتقاده يجب ان يكتسب الشكل المنسجم مع هذه المرحلة التاريخية او تلك وعليه تالياً أن يأخذ بأكثر الأساليب مهارة.
وقال فيه الشاعر الكبير الراحل رسول حمزاتوف في حتمية الموت وخلود مايتركه من اثر بعده:
( كلنا سنموت لن نعيش الى الأبد
وذلك معروف وهو ليس بجديد لكننا نحيى ليبقى بعدنا اثر
بيت أو شجرة أو كلمة اوممر)
* قد يبدو الكلام الآن عن جدلية المضمون والشكل من إرث الماضي بعدما حررت الحداثة الشعر من مثل هذه الجدليات، جاعلة الشكل والمضمون جوهراً واحداً أو بوتقة واحدة. لكنّ ناظم حكمت لم يثر هذه الجدلية (التي كانت رائجة حينذاك) إلا ليؤكد تخطّيه إياها، فهو لم يكتب إلا ما يسمّيه شعراً حياً وعارياً. وأصرّ علي أن الشاعر الحقيقي لا يخضع لأي قاعدة فنية مطلقة وثابتة. التحول صفة أساس من صفات الشاعر، والشاعر - كل شاعر - إنما يظلّ يبحث حتى نهاية عمره. والخطأ هو من حقه فإن لم يخطئ يراوح مكانه. قد يكون في كلام ناظم حكمت هذا دليل واضح على معني الثورة التي أحدثها لا في الشعر التركي ولا في الشعر الاشتراكي أو الأممي فحسب، بل في الشعر العالمي أيضاً. ومثلما كتب عن الحبّ والحلم واليأس والأمل والشقاء والسلام والمنفى والحنين .
* كتب ناظم حكمت قصائد قصيرة وقصائد ذات نفس ملحميّ ودراميّ. على أن هذين النوعين اللذين خاضهما كانا مختلفين ظاهراً وليس في جوهرهما. علماً أن بعض قصائده القصيرة كانت تكتفي بأسطر قليلة أحياناً فيما تصل قصائده الملحمية والدرامية الى آلاف الأبيات. ومن تلك القصائد - الملاحم (مناظر إنسانية) التي ضمت أكثر من جزء (ملحمة حرب الاستقلال، في العام1941 )وكذلك قصيدته الملحمية: ملحمة الشيخ بدر الدين وسواها...
قصائد وأغراض
وناظم يعرف تماما هدفه وكذلك يعرف عدوه وعدو الفقراء والمعدمين الذين تبنى قضيتهم حيث يدعوا لوحدة وتماسك وتكافل قوى البناء والكفاح من اجل الحرية والعدالة والسلام حيث يقول:
(البرجوازية قتلت اثنين منا
أماتت اثنين لن يموتا منا
البرجوازية دعتنا للمعركة
وقد قبلنا الدعوة
فنحن كما نعرف ان نضحك بفم واحد
نعرف ان نحيا ونموت كواحد
كلنا من اجل واحدنا
واحدنا من اجل كلنا)
وهو يصف أعداء الحياة لحبيبته ولزوجته ويدعوها للتفاؤل والكبرياء والعنفوان الإنساني والأمل والثقة بالنصر حيث يقول:
( أنهم أعداء الأمل ياحبيبتي
نعم أعداء
المياه الجارية
والأشجار المثمرة اليانعة
والحياة المتدفقة المتطورة ذلك لان الموت طبع بصماته
على جباههم:-هم مثل الأسنان المنخورة هم مثل اللحم المتهرئ
إنهم محكومون بالانهيار الى غير رجعة
عندئذ ياحبيبتي سوف ترين بكل تأكيد
ملائكة الحرية تحوم في أجواء
بلادنا
مرتدية أحلى ازيائهامتلفعة ثياب العمال)
كان يدعو كافة نساء العالم وخصوصا نساء المناضلين والمكافحين من اجل غد الحرية والسلام، ان يكن رايات للثورة فخورات فرحات غير حزينات ولا منكسرات متفائلات وجميلات بجمال بيرق الثورة والمبادئ السامية التي من اجلها عذب وسجن وتشرد أزواجهن وأحبائهن حيث يقول مخاطبا زوجته بأرق وأسمى وأكثر العبارات وثوقا بالنصر وتحدي قوى الظلم والظلام :-
(اخرجي من الصندوق ذلك الفستان
الذي كنت ترتدينه حيث التقينا أول مرة
ارتديه ومري كوني مثل أشجار الربيع
أشكلي القرنفلة التي أرسلتها في الرسالة من السجن
في شعرك
ارفعي جبهتك العريضة
تلك الجبهة البيضاء المختلطة بالتجاعيد الجاذبة
للقبل
في مثل هذا اليوم
لايجوز لزوجة ناظم حكمت ان تكون حزينة مهيضة
الجناح
لذلك مستحيل
في مثل هذا اليوم
ينبغي لزوجة ناظم حكمت ان تكون رائعة الجمال
كواحدة من بيارق الثورة)
وهو يخاطب الإنسان في كل مكان وكل زمان مبشرا وواعدا ومؤكدا بزوال الظلم والاستبداد كما سينقضي فصل الخريف وإمكانية ان يخلق الإنسان الواعي ربيع الحرية والرفاه والسلام الدائم للبشر:-
( الخريف سينقضي مرة بعد مرة
والربيع سيعود مرة بعد مرة
ونحن سنقضي شتاءا أخر
متدفئين بنار غضبنا الاكبر
ورجائنا الأقدس)
وكان يدعو المكافحين والمناضلين من اجل الحرية ان يتحصنوا بوعيهم وعدالة قضيتهم وسمو مبادئهم ضد كل أساليب القهر والحرمان الموصوف بقساوة وشح الشتاء فليتحصن بدفء مبادئه وعدالة قضيته مما يتدفأ الإنسان بالنار ليتقي أذى البرد ألشتائي القارس حيث تخلد الحياة للسكون.
(عصافير الدوري على أسلاك الهاتف
يالهامن مخلوقات مسكينة لاتعرف شيئا عن الهاتف
ليتني أرى أجسادكم ملفوفة كلاكفان
فقد جعلتم أبناء قومي
مكفوفين وعيونهم مفتوحة)
( وددت معانقة العمال المبدعين بمعاطفهم المزفتة
وعيونهم السود
وان اجثوا على ركبتي
فوق ثرى باكو المقدس
واحتضن النفط براحتي
واشربه
كخمر اسود)
وإلى كتّاب آسيا وإفريقيا
إخوتي..
لا يغرنكم شعري الأشقر.. فأنا آسيوي
ولا تلتفتوا إلى زرقة عيناي.. فأنا إفريقي
في بلدي لا تلقي الأشجار بظلالها على جذورها
كما في بلادكم أيضا
الخبز بين أنياب الأسد في موطني
والتنين يرقد بجانب ينابيع الماء
كما في بلادكم أيضا
ونحن نموت قبل أن نصل لسن الخمسين
كما في بلادكم أيضا
فلا يغرنكم شعري الأشقر.. فأنا آسيوي
ولا تلتفتوا إلى زرقة عيناي.. فأنا إفريقي
قومي لا يعرف ثمانون منهم لا القراءة ولا الكتابة
وأشعارنا تنتقل من فم إلى فم كي تغدو غنوة
فالشعر يتحول إلى أعلام في بلادي
وكذلك في بلادكم
إخوتي..
لنسير بجوار ثور الحرث النحيل كي نحرث تربتنا بأشعارنا
وليغمر وحل مزارع الأرز حتى ركبنا
ولنسأل جميع الأسئلة
ولنجمع كل الأشعة
ولنقف في مدخل كل طريق
ولنصفّ من أشعارنا طريقا لكيلومترات طويلة
ولنكون أول من يتبين عدونا المقترب
ثم لنضرب بطبولنا
كي لا يبقى بلد أسير أو إنسان
ولا غيوم ذرية
ولنهب كل ما نملك من مال ومُلك وفكر وروح
ولتغدو أشعارنا طريق حريتنا الكبيرة
مراسم الجنازة
جنازتي
هل ستخرج من باحة الدار ؟
و كيف ستنزلوني من الطابق الثالث
فالمصعد لا يسع التابوت
و الدرج ضيق ؟
ربما كانت الشمس تغمر الباحة
و الحمام , فيها , كثير
و ربما كان الثلج يتساقط
و الأطفال يهللون
و قد يكون المطر مدراراً
على الأسفلت المبلل
و في باحة الدار
صناديق القمامة
كما كل يوم
و إذا ما حمل جثماني , حسب العادة
مكشوف الوجه فوق شاحنة
فقد يسقط على شيء من الحمام الطائر
فيكون ذلك بشارة خير
و سواء جاءت الموسيقى أم لا
فالأطفال سيأتون
إنهم مولعون بالجنازات
و حين يمضون بي
سترنو إلى نافذة المطبخ من وراء
و من الشرفات
حيث الغسيل
ستودعني النساء
لقد عشت سعيداً في هذه الباحة
إلى درجة لا تتصورونها
فيا جيراني
أتمنى لكم , من بعدي
طول البقاء
1963