وداعاً مبدعة المسرح الريفي\ لا

2010-04-26

زكية خليفة، فنانة وناشطة نسوية عراقية، من مواليد ثلاثينيات القرن الماضي، مثلت في عدد من المسرحيات والا//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/5395cf89-7d8e-4c21-8a00-ef5b18b9d4ab.jpeg عمال الدرامية، وانخرطت في النشاط السياسي منذ أكثر من خمسين عاما، ترأست عددا من المنظمات النسوية منها رابطة المرأة ومنظمة نهضة المرأة.

نشأت الفنانة المناضلة زكية خليفة، في عائلة متنورة تعليمياً، وسط بيئة ريفية في احدى قرى العمارة التي يكلكل عليها الاقطاع بتخلفه المتعمد. ابنة الملا خليفة.. كاتب شيوخ آل ازيرج التي تمردت على ذاك العالم وتبنت الطروحات التقدمية، انتماءً تنويرياً جسدته في ممارسات شعبية اخذت طريقها الى (صرايف) الطين التي جمعت المهاجرين من ضنك الاقطاع في الجنوب الى رحاب بغداد التي حصرتهم بين قوسين (الشروكية) عملاً في ابسط درجات قاع المجتمع البغدادي ابان الاربعينيات والخمسينيات.


ناضلت الفنانة زكية خليفة من خلال فرقة(المسرح الفني الحديث) ومن خلال التعبئة الجماهيرية كناشطة سياسية متميزة،  والسيدة زكية خليفة  مناضلة عراقية معروفة افنت احلى سني العمر في النضال من اجل حرية وإسعاد وتحرير الشعب العراقي من هيمنة الاقطاع والاستعمار البغيض وقد امضت عشر اعوام في السجن واطلق سراحها بعد قيام ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 التي اطاحت بالحكم الملكي الرجعي.
وهي واحدة من المناضلات المدافعات دوما عن حقوق الانسان في اقطار العالم عملت دون كلل او ملل رغم ماصادفها من عقبات لتحقيق العدالة وليس بهدف تحريم العنف ضد المرأة فقط وانما لتغيير كل البنى الاجتماعية التي تؤدي الى تهميش المرأة . وهي فنانة متألقة من جيل الرواد عملت في المسرح العراقي بعد ثورة تموز ووظّفت فنّها من اجل قضيتها والرسالة التي حملتها و( النخلة والجيران ) باقية في الاذهان .

وعملت في وزارة الإصلاح الزراعي، لتساهم في تحرير الفلاحين الفقراء من استعباد الإقطاعيين، وواصلت مسارها الإبداعي حين تألقت كفنانة مسرحية في العديد من الأعمال منها (تمثيلية غيده وحمد) ومسرحيتا البستوكة والنخلة والجيران.

في حديث لها تقول: ان حاضر أي إنسان هو امتداد طبيعي لماضيه، ومن اجل ان يكون لهذا الماضي عمق في النفس، يجب ان يستوعب الأماني والأهداف التي يعمل من اجلها، خاصة إذا كانت هذه الطموحات ذات منفعة عامة، بحيث تستحق حب واحترام الناس، وتتعلق بأماني الشعب وخدمة الوطن.

وعن بدايتها في المسرح تقول:

نشأت في قرية صغيرة تنعدم فيها كل اشكال التعليم وخاصة بالنسبة للفتيات . تمّ اعتقالي ولم يتجاوز عمري الخامسة عشرة وحكم علي بالسجن لمدة عشر سنوات . وفي السجن السياسي بذلت جهدي لأتعلم وأواصل تعليمي .
وبعد خروجي من السجن بعد ثورة 14 تموز المباركة عام 1958 ، بدأت ازاول نشاطي السياسي بكل طاقتي من اجل رفع وعي النساء وتعبئتهن للدفاع عن الثورة ومكتسباتها . بدأت مع الراحلة الدكتورة نزيهة الدليمي بعقد الندوات التي كانت تبث من التلفزيون بشكل مباشر وشاركتْ فيها العديد من النساء المثقفات والعاملات وربات البيوت ونالت إعجاب العديد من المشاهدين والمخرجين ومنهم الأستاذ يوسف العاني، الذي كان يشغل منصب مدير الإذاعة والتلفزيون . طلب مني الأستاذ يوسف العاني العمل في فرقة المسرح الحديث ، لكني رفضت لإنشغالي بالعمل السياسي . لكنه أصرّ على موقفه وقدم رسالة الى الحزب يطلب فيها الموافقة على إنضمامي الى الفرقة . وبعد موافقة الحزب باشرت العمل في الفرقة رغم إني لا امتلك خبرة كبيرة في التمثيل سوى حبي لشعبي ووطني .واتخذت من خبرة الفنانين الذين سبقوني في مجال المسرح مدرسة لأتعلم منها . تعلمت وعملت بتفان من اجل مسرح يخدم مصالح الشعب ويسهم في رفع وعي المرأة العراقية .وإضافة لعملي في فرقة المسرح الحديث ، كنت اقوم بتقديم برامج إذاعية يومية مع الراحل شمران الياسري ( ابو كاطع ) على سبيل المثال " برنامج الإصلاح الزراعي الذي كنا نتحدث فيه لأخواتنا الفلاحات وكذا برنامج خاص مع علي تايه وكان اسمي في البرنامج شنينة ، اتحدث فيه لأخواتنا في الريف ، كما كنت اقوم بتقديم برنامج للشعر الشعبي مع الدكتور زاهد محمد .

ونظرا لأهمية المسرح ودوره الفعّال في توعية الجماهير ، طلبت من اعضاء الفرقة أن نقدم عرضا خاصا للنساء في الساعة الخامسة لأن معظم النساء تخشى الخروج في وقت متأخر وتعهدت انا ببيع التذاكر ونجحت التجربة . أي كنا نقدم عرضين ، الأول في الساعة الخامسة للنساء والآخر الرئيسي في الساعة السابع مساءأ .

كانت ا//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/11028c99-4048-4864-b470-b2b183f713fd.jpeg هم اعمالي في فرقة المسرح الحديث مشاركتي مع الفنانة القديرة ناهدة الرماح والراحلة زينب في مسرحية " النخلة والجيران " للروائي الكبير غائب طعمة فرمان. وكان لهذه المسرحية تأثيرأ كبيرأ على المسرح العراقي لأنها عكست ما تعانيه المرأة العراقية من ظلم وإضطهاد .كنت اقوم بدور زوجة فراش المدير .كما شاركت في مسرحية " البستوكة " و" الخان " .وشاركت في مسرحية " البيت الجديد " لفرقة مسرح اليوم ومسرحية " رصيف الغضب " التي تتحدث عن المذبحة التي تعرض لها العمال في البصرة على ايدي قوات الأنكليز ، وكانت المسرحية لحساب نقابات العمال . كما شاركت بمسرحية " بغداد الأزل " والتي عرضت في الجزائر .

وعلى الرغم من كل تلك الآلام والتضحيات الجسام وظروف شظف العيش بسبب الملاحقة والعنف السياسي والاجتماعي، إلا أنها علَّمت نفسها وثقفتها وواظبت على القراءة  وتوسيع مداركها في أحلك ما حاق بتفاصيل حياتها.. فسجلت علامات إبداعية في مجالات الثقافة والفنون فكانت الشخصية المسرحية (والتلفزيونية والسينمائية) اللامعة بإبداعاتها وما قدمته على الخشبة وفي الدراما بعامة من أدوار متميزة مهمة سواء فنيا أم ثقافيا مضمونيا فكريا عبر الدلالات والمضامين المنتخبة..

ولقد تابعت جهودها حتى آخر لحظة في حياتها وعلى الرغم من آلام المرض التي رافقتها بسبب التعذيب والمعتقلات وظروفها.. فكان من بين آخر ما نهضت به من قيادة اعتصامات ومظاهرات وتجمعات وأنشطة من مثل قيادتها للجهود النسوية ضد القرار 137 المعادي لحقوق النسوة العراقيات الذي حاولت قوى طائفية للإسلام السياسي إصداره بعد العام 2003.. كما ساهمت في جولاتها بين عراقيي المهاجر في تنشيط الهمة وربط جمهور المنافي والمهاجر بالوطن فالتقت جمهور النساء والقوى الوطنية الديموقراطية وتابعت مناقشة همومهم ومتاعبهم ووسائل حلها..

إن مسيرة نضالية ضخمة في المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية الفنية المسرحية هي من الغنى ما يستوجب تسليط الضوء عليها ووضعها في مكانها ومكانتها الكبيرتين.. فالراحلة من طراز الشخصيات المهمة على صعيد الحركة الوطنية والحركة النسوية والحركة الثقافية الفنية وكانت قد قدمت تجربة ثرة غنية وعطاء متصلا سيبقى أثره المميز في أذهان العراقيين والحركة النسوية في المنطقة بأكملها..



كانت//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/3302e9d4-750b-4695-a053-f8eae80740ef.jpeg مشاركتها في اعمال فرقة المسرح الحديث قليلة نسبيا لانشغالاتها الكثيرة الاخرى ، تركت مهنة التمريض وأنتقلت للعمل في لجنة اعلام الاصلاح الزراعي ، وشاركت واسست مع شمران الياسري وعلي تايه والدكتور زاهد محمد اكبر حملة اعلامية شهدها العراق لترويج واسناد تطبيق قانون الاصلاح الزراعي ، الذي كان يهدف الى تحرير الفلاح من براثن الاقطاع ، وتقليم اظافرهم من الاراضي الفائضة التي كانوا مستحوذين عليها ، واعادة توزيعها على فقراء الفلاحين . كانت حركة الاصلاح الزراعي انذاك كما هو معروف من اهم واخطر الحركات الاجتماعية الثورية التي جاءت بها ثورة تموز، والتي تكتل المتضررين عنها لاحقا في اكبر جبهة رجعية باسناد من الشركات النفطية واسقطت تجربة جمهورية العراق الشعبية الاولى في 1963 .

.

يقول عنها المسرحي الكبير يوسف العاني

الحديث عن هذه الانسانة الفنانة المناضلة لا يمكن ان يكون حديثا تقليدياً شأن الحديث عن كثيرات من النساء العراقيات الطيبات الاصيلات اللاتي يعتز بهن العراق على مدى سنوات طويلة وعبر اكثر من مكان وزمان . انها تحمل خصوصية ربما تجمع - او جمعت - كثيرات ممن عرفن خلال زمن متغير تراكمت فيه احداث واحداث . و"زكية خليفة" هي النموذج العالمي والمثل النزيه والنظيف للمرأة العراقية التي لا تستطيع إلا ان تنظر اليها باحترام كبير وبتقدير يمتزج باعجاب لن يغيب عنها وأن اختلفت الازمان والمواقع . يكفي ان الجميع لايجرؤون ان ينادونها او يسمونها باسمها "زكية" حتى من هم اكبر منها عمراً بسنوات ليست بالقليلة، لابد وأن نقول لها "عمة زكية"، انها "العمة" الراعية والحنونة والرقيقة حتى في عتابها او لومها لمن يحتاج الى عتاب او لوم ، بل قد يستمع لنصحها وتوجيهها ليشعر براحة نفسيه أولا لانها التفتت اليه بمحبة واعتزاز كي لا يقع في خطأ مقصود او غير مقصود ، ولانها ثانياً تبعث الدعة والامل في النفس كي تحول الظروف الصعبة الى "سهولة" يمكن تجاوزها بل والتغلب عليها بالثقة والايمان والادراك الواعي لحقيقة الاشياء. و"عمة زكية" لايمكن ان ينساها من عرفها او تعرف عليها ، حتى الذين يلتقون بها على عجل فهي تظل في البال ذاك "الحضور" المحترم و المؤثر.

في مسار الحركة الوطنية كنت واحداً من الباحثين عن كثيرين تأتينا اخبارهم دون ان نلتقي بهم، فجدران السجون قد عزلتهم عنا، ولكنني كنت ابحث بفضول كبير لمعرفة المناضلات الباسلات الامهات والاخوات حتى صغيرات السن اللاتي يواجهن السجن وهن في بداية اعمارهن، وكنت اسمع باسمها حسب، لكن إحساسا عميقا يدفعني لان اعرفها ذات يوم بل اسعد بوجودها رفيقة واختاً كريمة، بعد ثورة 14 تموز 1958، نشطت فرقتنا "المسرح الحديث" واتسع نشاطها لتكون الاذاعة واحدة من المنابر التي نستطيع من خلالها الوصول الى "المستمع" وليس المشاهد فحسب وان يكون المجال او ميدان العمل لاوسع الجماهير، وعرفنا ان شرائح كبيرة من الشعب العراقي لاسيما المناطق البعيدة عن المدن "المسرح" من حيث الظرف الذي يكون فيه المتلقي، وان فرقتنا المسرحية بحاجة الى كادر هو من ذاك الوسط الذي نبغي الاقتراب منه وان عدداً منهم مبدعون لديهم امكانيات فنية وفكرية كي تصل اصواتهم ونوصل الرسالة التي نريدها لهم.

بالصدفة كنت في اذاعة بغداد وكانت هناك مجموعة من الفتيات يقدمن برنامج عن المرأة ، وقفت على طرف استمع اليهن واراقبهن بحمية واعتزاز واذا بزكية امامي واحدة منهن تقف امام المايكروفون ، وهي تضحك لانها هكذا وبعد سنوات طويلة من العزلة والبعد تجد نفسها تخاطب "الجماهير" الواسعة عبر قطعة الحديد هذه. "المايكروفون"، انتهى تسجيل البرنامج واذا بي اتقدم اليها واناديها "زكية هاي انتي وين؟" التفتت الي وقالت بفرح "يا....هذا استاذ يوسف "، ولم يطل اللقاء الا دقائق معدودة لتكون زكية عضوة في فرقتنا تشارك المجموعة التي تقدم التمثيليات الاذاعية الموجهة الى الفلاحين والمنتزعة من مشاكلهم وقضاياهم المتعددة، بل راحت تكتب نصوصاً لهم مع المجموعة التي معها وتندمج معنا في الفرقة لتصبح وبكل جدارة عنصراً قيادياً في فرقة المسرح الحديث ثم فرقة المسرح الفني الحديث .

زكية خليفة التي صارت ممثلة في الفرقة تستمع لما يقال لها من ملاحظات وهي تردد باعتزاز انها تريد ان تتعلم، وكانت في ذات الوقت تعلم الاخريات والاخرين، انموذجا للإخلاص والحرص ونسياناً للمنافع الذاتية المجردة بل كانت قدوة وعنصراً قياديا عبر العمل وليس بالحديث وحده الذي كثيرا ما يردده غيرها دون دليل او تطبيق . منطلق زكية مصلحة الفرقة ودورها في تقديم ما يأخذ بيد الناس نحو الخير والصدق وبناء الانسان ، وهكذا راحت تعمل في المسرح ثم السينما وهي تحسب بل تؤكد على ان الفن واجهة نضالية مؤثرة لكن بصيغة تبعد عن الصيغ السياسية المباشرة، وهذه المسؤولية هي التزام كبير وصعب لكنه مفخرة لمن يستطيع ان يثبت جدارة وابداعاً، وفي هذا المعنى راحت زكية تعمل بجد متحملة اعباءً ومجهوداً بتعب يتجاوز قدراتها الصحية وظروفها الخاصة لتثبت للاخرين ان المعاناة هنا سعادة لايمكن الحصول عليها الا بالإبداع والإجادة، وراحت ايضا "تربي" من هن اصغر منها سناً منطلقة اولا وقبل كل شيء من تقديس العمل وتعميق الاحساس بالمسؤولية وتادية دورها كانسانة ثم رائدة ومناضلة في كل موقع تكون.

"عمة زكية" اكتسبت هذا اللقب لا بأمر اداري او منحة من فوق بل من اعماق ومشاعر الذين عرفوها صغاراً وشباباً وكباراً من اللاتي عرفنها او اللذين عملوا معها او تعرفوا عليها ، وهي رغم ذالك القرب الحميمي للناس تضل او ضلت في الضل الا حين يتطلب عملها الظهور المناسب او الحضور الحيوي الذي لا تستطيع إلا ان تعجب به وتتأمله بمحبة حد العشق. عمة زكية يطول الحديث عنها انسانة ومناضلة وفنانة وما هذه الكلمات التي جاءت مني متاخرة الا لون من الوفاء لها عبر خمسين عاماً كنا معاً عن قرب وعن بعد اصدقاء محبة وعمل ورفاق درب سعدنا بمعاناته وصعوباته ورسمنا للغير صوراً تستأهل الاعتزاز منا اولا ثم من قبل الاخرين و"عمة زكية" هي الوجه والكيان الكبير فيه، اطال الله عمرها وابقاها ذخراً للعراق كله.

 إن الفنانة المسرحية والناشطة النسوية زكية خليفة توفيت، الخميس (18/2/2010)، في أحد مشافي المدن السويدية/ كريستيانستاد، وبموتها تطوى صفحة معبأة بكل الوفاء، بكل الحب، بكل التفاني، بكل التضحية،  بكل النقاء، بكل الإبداع ... ... ...

/

عالية كريم

رئيسة تحرير "معكم"

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved