أجرت ألمانيا تعديلات في القوانين الخاصة بالزواج بشكل يسمح مستقبلا بالاكتفاء بمراسم الزواج الكنسي دون الحاجة إلى إجراءات أخرى في مكتب التوثيق المدني. وبالرغم من أن هذا التجديد لقوانين الأحوال الشخصية قد أدخل في نهاية عام 2006، إلا أنه مر آنذاك دون ملاحظة. الجدير بالذكر، أن القوانين المعمول بها حتى الآن في ألمانيا تعود إلى عصر بسمارك، أي حوالي عام 1875، حيث تقرر آنذاك إعطاء الأولوية والأهمية الأكبر للزواج المدني على حساب الزواج الديني.
وبدأت ردود الفعل على هذا القرار في الظهور مع اقتراب دخوله حيز التنفيذ في مطلع كانون الثاني/يناير 2009. حيث ثارت انتقادات من مختلف الاتجاهات السياسية والدينية محذرة من التداعيات السلبية للقانون الجديد، خاصة فيما يتعلق بالحقوق المدنية للزوجين. ديتر شفاب، الأستاذ المختص في قانون الأسرة، يرى أن الاكتفاء بالزواج الكنسي يحرم الزوجين من الحقوق التي يضمنها الزواج المدني، فالقانون ينظر إلى المتزوجين في الكنيسة دون توثيق مدني كأنهم يعيشون في علاقة خارج نطاق الزواج، مما يترتب على ذلك عدم وجود حق للميراث أو النفقات وكذلك عدم وجود قواعد لتوفير الحماية للطرف الضعيف حال فشل الزواج.
القانون يسمح بإجراء الزواج القسري "بسماح من الدولة"
الزواج الديني لا يضمن أية حقوق للطرف الأضعف في حال الانفصال ومن ناحية أخرى، حذرت منظمة "تير دي فام"، المدافعة عن حقوق النساء في ألمانيا من أن هذا القانون قد يؤدي إلى تزايد حالات الزواج القسري. وقال المسئول البارز في المنظمة راهيل فولتس في حديث مع صحيفة "فيست دويتشه ألجماينه تسايتونج":"يساورنا قلق كبير على النساء المسلمات من احتمال إجبارهن مستقبلا على الزواج من خلال عقده بشكل ديني ، كما أن هناك قوى من المسيحيين الأصوليين، الذين لا يجوز الاستهانة بهم".
وأيدت المحامية الألمانية تركية الأصل سيران أتيس هذا الرأي، مؤكدة أن الزواج المدني مرتبط بحقوق وواجبات لا يكفلها الزواج الديني. ووافقت المدافعين عن حقوق المرأة مؤكدة أنها تخشى أيضاً أن يصبح الزواج القسري أسهل كثيراً، قائلة: "سيمكن جراء هذا القانون إجراء الزواج القسري (بسماح من الدولة)، لأنه سيصبح من الأسهل الذهاب إلى الإمام وتزويج الأطفال دون رغبتهم، دون أية رقابة".
"القانون يهمل وجود أديان أخرى في ألمانيا"
وانتقدت أتيس هذا القانون بشدة معتبرة أنه يهمل حقيقة وجود أديان غير المسيحية بألمانيا، وقالت في هذا الإطار: "هذا التعديل يسمح للمجتمع الإسلامي مثلاً، والذي يقبل تعدد الزوجات، بإجراء هذه الزيجات بشكل قانوني، ومشكلة تعدد الزوجات هو أنه دائماً ما يأتي على حساب المرأة". وأضافت أنها تؤمن بالاختلافات الثقافية، لكنها تؤمن بحقوق الإنسان بشكل عام، والتي يدخل في إطارها إلغاء تعدد الزوجات لأنها لا تجلب سوى الضرر للمرأة، على حد قولها.
"تركيا تتقدم وألمانيا تتراجع"
القانون الحالي يحتم إجراء زواج مدني قبل الزواج الكنسي ترى أتيس أيضاًَ أن هذا القانون يعد تراجعاً مشيرة إلى أن تركيا قد انتقلت من الزواج الديني للزواج المدني، وجعلته شرطاً أساسياً للاعتراف بالزواج، في إطار الإصلاحات التي تقوم بها لدخول الاتحاد الأوروبي. بينما اتخذت ألمانيا الطريق العكسية منتقلة من الخطوة الأكثر تقدماً إلى الخطوة الرجعية، مشيرة إلى أن المرأة الألمانية بذلك تكون قد فقدت الكثير مما حققته من ضمانات لحقوقها.
ومن جانبه انتقد يواخيم هيرمان، وزير الداخلية بولاية بافاريا، من الاتحاد المسيحي الاشتراكي، هذا القانون المزمع أن يدخل حيز التنفيذ العام القادم، واعتبره خطأ ورجوعاً للعصور الوسطى. وقال في حديث لجريدة "مونشنر ميركر": "لم تفكر الحكومة الاتحادية في عواقب هذا القانون. والنتيجة سيصبح الزواج بامرأة ثالثة ورابعة دون عقاب. وهذا ليس تقدماً، لكنه يعتبر تراجعاً للعصور الوسطى، خاصة فيما يتعلق بالاندماج والمساواة بين المرأة والرجل". وأضاف أن الزواج المدني ضرورة منذ نحو مائة عام، وليست هناك حاجة لتغييره.
الزواج المدني ضمان للحقوق والمساواة
وشاركته سيران أتيس هذه المخاوف، مؤكدة أن هناك تجاوزات ومحاولات حالية للتحايل على القانون والزواج بأكثر من امرأة، وأن هذا القانون لن يؤدي إلا إلى مزيد من التجاوزات. وقالت في هذا الإطار إن هذا القانون سيسهل عملية تعدد الزوجات وزواج الفتيات الأصغر عمراً من السن القانوني، دون إشراف الحكومة مؤكدة على ضرورة إيجاد حل موحد للبلد ككل ويكمن هذا الحل في رأيها في الزواج المدني، تحت إشراف الدولة.
ومن جانبه، أعلن الاتحاد التركي الإسلامي تأييده للزواج المدني، وقال رئيس الاتحاد سادي أرسلان في رده على القانون الجديد،: "الزيجة التي تقام فقط بشكل ديني دون اعتراف مدني لا توفر الأمان للرباط الزوجي أو للأطفال، ولذلك فأئمة الاتحاد لن يتمموا أية زيجة دينية دون وثيقة الزواج المدني".
"القانون لن يغير الكثير"
الاتحاد التركي الإسلامي يؤكد إصراره على الزواج المدني قبل إجراء الزواج الديني لكن الألماني ميشائيل محمد عبده بفاف، رئيس المجلس الإسلامي الألماني يرى أنه يجب عدم المبالغة في ردود الفعل تجاه هذا القانون، مشيراً إلى أنه لا يعد تغييراً كبيراً، حيث أنه لا ينظر للزواج الكنسي كزواج كامل الشروط، ولا يوفر بالتالي أية حقوق مدنية أو تسهيلات ضريبية مترتبة عليه. ومن ناحية أخرى، أكد بفاف، الذي يشارك في مشروع مع المنظمات النسوية لمساعدة الفتيات المهددات بالزواج القسري، أن هذه الظاهرة ليست مقتصرة على المسلمين، حيث تأتيهم الكثير من مكالمات الاستغاثة من فتيات إيطاليات من عائلات متشددة، يردن تزويج فتياتهن دون رغبتهن. ورداً على قضية تعدد الزوجات، قال بفاف: "تعدد الزوجات أمر مختلف عليه في الأوساط الإسلامية المثقفة، وهو غير مقبول حتى في عدد من الدول الإسلامية".
في رأي بفاف، يكمن الحل الرئيسي لمكافحة ظاهرتي الزواج القسري وتعدد الزوجات في التوعية، وتشاركه الرأي المحامية سيران أتيس، التي ترى أن للتوعية دوراً لا يستهان به، وتقول في هذا الإطار: "هذا هو دور المسلمين والأئمة من أتراك وأكراد وعرب، التوعية ودعم الأعضاء ليصحبوا أكثر اندماجاً في المجتمع الألماني والأوروبي ويلتزموا بقواعده"