( وأين قرطبة دار العلوم فكم من عالم قد سمى فيها له شان )
يقول العالم الأسباني الكبير فندث بيدال :
«وصلت الخلافة الأندلسية في عصر حاكمها الحكم إلى أوج روعتها وبسطت سيادتها السلمية على سائر إسبانيا وكفلت بذلك السكينة العامة». وتوفي الحكم في (2 صفر 366هـ = 30سبتمبر 976م) .
* موقع مدينة قرطبة
قرطبة (بالإسبانية:Córdoba) مدينة وعاصمة مقاطعة تحمل اسمها بمنطقة الأندلس في جنوب إسبانيا وتقع على ضفة نهر الوادي الكبير، على دائرة عرض (38ْ) شمال خط الاستواء يبلغ عدد سكانها حوالي 310,000 نسمة. اشتهرت أيام الحكم الإسلامي لإسبانيا حيث كانت عاصمة الدولة الأموية هناك . ومن أهم معالمها مسجد قرطبة.
قرطبةالحاضر المستتر في ثوب الماضي
وأنت تمر في شوارع قرطبة، تتذكر بلاد الأندلس القديمة ، فهي إحدى بقاعها، ويأسرك تاريخ المدينة، لا لشئ إلا لأن الماضي يختبئ في عباءة الحاضر ونتذكر كذلك تاريخ فتح هذه المدينة حينما جاءها ليلاً قائد أرسله طارق بن زياد اسمه مغيث الرومي وكانت حامية قرطبة إلتي فاجأها المطر والبرد القارص قد أغفلت حراسه سور المدينة فلم يفيقوا إلا وهي تحت إمرة العرب ولتصبح المدينة بعد ذلك وفي عام 138 هجرية حاضرة دولة الإسلام في الأندلس، حيث أسس الأمير عبد الرحمن بن معاوية - عبد الرحمن الداخل - دولة بني أمية في الأندلس ولتصل في عصر الخلافة بين عامي 316 - 400 هجرية إلى مستوى من الرخاء لم تشهده العصور السابقة .
متاحف قرطبة
لعل البعض يُهيأ له أن قرطبة بتاريخها وعظمتها تمتلك في متاحفها آيات من الجمال والكنوز المنقوش عليها تاريخ المدينة ولكن هذا غير صحيح تماماً، و لعل أشهر متاحف قرطبة هو متحف الفنون الجميلة الذي لا يضم سوى لوحات للكنائس و تماثيل دينية للسيدة مريم العذراء وسيدنا عيسى عليه السلام وأسماء بعض الأساقفة وسجاد عتيق مما جعلنا نضرب كف على الآخر لعدم استغلال وزارة الثقافة والسياحة لكم المعالم التي تزخر بها قرطبة وتزيين هذه المتاحف بنماذج منها ومن تاريخها العريق .
بيوت قرطبة
تقع بيوت قرطبة في حارات ضيقة وتتميز هذه البيوت بأن لا تزيد عن طابقين، وتُطلق على هذه البيوت أسماء عربية أشهرها (نزل بغداد - فندق أمية - مطعم البيت الأندلس ) ... هذا و هنالك من الأبواب ممن تميزت بأسماء أعلام عرب أندلسيين مثل أبن رشيد - الناصر - وهذه الكلمات و الأسماء تتميز بأنها كتبت بحروف لاتينية وجرافيكية بصرية كوفية .
وعلى جدران المنازل توضع الورود لتزيينها ولا يهم إذا كانت هذه الورود طبيعية أو مرسومة ، و كل ما يهم هو أن توضع على الجدران أو الأسقف والأرضيات والطاولات أيضاً، .تتميز كذلك منازلهم ببساطتها وتخليها عن عقد التصميمات و البهرجة ، فالمياه تأتيهم من الآبار والغلال لديهم والثمار يأكلونها من المزارع.
كذلك تتميز منازلهم بأنها متراصة جنباً إلى جنب، وكأنها تحمي نفسها بنفسها، واذاكانت هناك مساحة من فناء خارج البيوت فلا يضيعونها القرطبيين هباءا، بل يتم استغلالها في مشاريع تجارية شرط الحفاظ على بنائها الأصلي، ولحماية الفناء يتم تغطيته بزراعة كروم العنب، والمنزل يتكون من جزأين الأول منحدر مغطى بمادة القرميد لتحميه من المطر و الجزء الآخر يسمى سطح ، ويستخدم لتجفيف الملابس ولنباتات الزينة ...
يغلب لون الطلاء الأبيض على المنزل سواء من الداخل أو من الخارج ، ومن الداخل يستخدم الفخار والصيني في تزيين جميع الغرف عداغرفة النوم التي تصنع من سقف مرتفع يسمى ( القبة ) وشئ أساسي أن يوجد في غرفة الإستقبال مقعد كبير مزين بالحواشى، والأثاث لابد وأن يكون مريحاً للضيوف .
صناعات قرطبة الحرفية
لعل أكثر ما يميز الصناعات في قرطبة هو وجود أعظم الآلات لإنتاج الورق في العالم الغربي بأكمله، وأهم الصناعات التقليدية لديهم هي السيراميك والخشب والرخام والفخار والجلود ، فكلها مصممة بحس أندلسي مميز، وأكثر من يمتهنون هذه المهن هم متوارثوها عن الأجداد و الآباء . .
شوارع قرطبة
في شوارع قرطبة لقطات لابد ان يصادفها المارة، فنجد رجل عجوز ينادي على اليانصيب قائلاً بالأسبانية ( لوتاريا ) و عرافة تقرأ الكف وتحدد لنا عملنا وقصة حبنا وطريقنا ومستقبلنا ... و فجأة تسمع نغمات عازفو الجيتار اللذين يتسكعون في الشوراع يغنون وقد وضعوا صورتهم بجانب صورة شهيد يخيل لك أنه والده أو جده أو أحد ورثته وبجانب الصورة توجد قبعة توضع فيها أموال المستمعين من المارة وهذه القبعات مكسيكية يتم تأجيرها لمن هو من هواة إلتقاط الصور الفوتوغرافية وهو يرتديها .
بين الشارع الآخر نجد تماثيل عديدة من الفلاسفة كابن رشد و أبن حزم و للعلماء مثل الغافقي و غيرهم ممن أثروا في نهضة قرطبة وزادوها علماً، و ما يلفت النظر في الشوارع أيضاً نصب تذكاري لأشهر عاشقَين في مدينة قرطبة وهما إبن زيدون وولادهة بنت المستكفي ، لكن الشئ الغريب أن هذا النصب قد وضع في إحدى الشوارع دون الإشارة إلى من هو و دون حديقة حوله كأن هذه النصب التذكارية أقل شأناً من ابن ميمون الذي يحتفل به اليهود على مدار العام.
تاريخ قرطبة
العصر الأموي
لم يعلُ شأن قرطبة إلا مع قدوم الأمير الأموي عبدالرحمن الداخل إلى الأندلس فاراً من العباسيين، فاستولى على مقاليد الأمور في الأندلس الإسلامية وجعل قرطبة عاصمة له عام 756 م. وقد كان هذا بداية لعصر قرطبة الذهبي، حيث أصبحت عاصمة الأندلس الإسلامية بأكملها وأهم مدينة في شبه الجزيرة، وفي عهد الداخل بدأ العمل على جامع قرطبة الكبير الذي لا زال قائماً في المدينة اليوم. واستمر الحكم بيد الأمويين من سلالة عبدالرحمن الداخل في هذه الفترة.
وقد تعرضت الدولة الأموية لعدد من الثورات المتعاقبة وفقد أمراؤها مقاليد الأمور حتى تمكن أحد أحفاد الداخل، عبدالرحمن الثالث الملقّب بالناصر، من إعادة توطيد ملك الأمويين وإخضاع معظم الأندلس لسلطته في قرطبة، وذلك في القرن العاشر الميلادي (الرابع الهجري). وقد بلغت به القوة إلى أن اتخذ لنفسه لقب خليفة المسلمين، مستنداً إلى ما اعتبره حق أسرته القديم في الخلافة السابق لحق بني العباس. وقام الناصر بنقل حكومته إلى مدينة جديدة اختطها على بعد أميال من قرطبة أسماها الزهراء، إلا أن قرطبة ظلت المدينة الرئيسية في البلاد. ووصلت المدينة لأوج مجدها في عهد الخليفة عبد الرحمن الناصر (912 - 961) ، وابنه الحكم الثاني (961 -976)، ثم تلاهم الحاجب المنصور بن أبي عامر (981 - 1002)، الذي استولى على مقاليد السلطة في قرطبة وصيّر الخليفة الأموي سجيناً في قصوره في الزهراء وابتنى له قصراً للحكم في طرف قرطبة أسماه بالمدينة الزاهرة. وقد كانت دولة قرطبة من أهم الدول الأوروبية في القرن العاشر، كما كانت منارة للعلم والثقافة في أوروبا، وعاصمة من عواصم الأدب والثقافة العربية والإسلامية، وأنجبت المدينة في هذه الفترة الشاعر ابن زيدون، و الشاعرة الأموية ولادة بنت المستكفي، والفقيه ابن حزم، والعالم عباس بن فرناس، كما انتقل إليها من العراق الموسيقي زرياب.
في عصر الخلافة الأموية بلغت قرطبة أوج عظمتها ، وتألقها الحضاري وخاصة بعد أن أعلنها عبد الرحمن الداخل عاصمة له وجعلها مركزًا للعلم والثقافة والفنون والآداب في أوروبا كلها، وقام بدعوة الفقهاء والعلماء والفلاسفة والشعراء إليها ، في حين كانت أوروبا ما تزال غارقة في أعماق التأخر والجهل والانحطاط
قرطبة في عهد الناصر والمستنصر
وفي عهد الخليفة عبد الرحمن الناصر وابنه الحكم المستنصر من بعده أصبحت قرطبة في أوج تألقها الحضاري والثقافي ، فنافست قرطبة آنذاك بغداد عاصمة العباسيين والقسطنطينية عاصمة البيزنطيين والقاهرة عاصمة الفاطميين، ووصل سفراء البلاط القرطبي بلادًا بعيدة جدًا كالهند والصين، وتقاطر على قرطبة مبعوثون ومندوبون عن أباطرة البيزنطيين وألمانيا وملوك كل من فرنسا وإيطاليا والممالك الأخرى في أوروبا وشمال أسبانيا، وزعماء البربر ورؤساء القبائل الأفريقية.
لقد امتاز عصرالحَكَمْ بن عبد الرحمن الناصر بازدهار العلوم والآداب في قرطبة بصورة كبيرة ، فقد كان أكثر خلفاء بني أمية حبًّا للكتب، وكان يبعث رجالا بأموال طائلة لاستجلاب نفائس الكتب إلى الأندلس، وأنشأ مكتبة قرطبة التي وصلت محتوياتها إلى أربعمائة ألف مجلد.
وقد شهد التعليم في عهد الحَكَمْ نهضة عظيمة، فانتشرت بين أفراد الشعب معرفة القراءة والكتابة، بينما كان لا يعرفها أرفع الناس في أوربا باستثناء رجال الدين، وقد بَنَى الحكم مدرسة لتعليم الفقراء مجانًا، كما أسس جامعة قرطبة أشهر جامعات العالم آنذاك، وكان مركزها المسجد الجامع، وتدرس في حلقاتها كل العلوم ويختار لها أعظم الأساتذة.
وقد احتلت حلقات الدرس أكثر من نصف المسجد، وتم تحديد مرتبات للشيوخ ليتفرغوا للدرس والتأليف، كما خصصت أموال للطلاب ومكافآت ومعونات للمحتاجين، ووصل الأمر بنفر من الأساتذة إلى ما يشبه منصب الأستاذية اليوم في مجالات علوم القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف والنحو، وعهد الحكم المستنصر إلى أخيه المنذر بالإشراف على جامعة قرطبة، كما عهد بمهمة الإشراف على المكتبة الأموية إلى أخيه عبد العزيز.
وقد أخرجت لنا قرطبة الكثير من العلماء في جميع المجالات، أمثال: ابن عبد البر، وابن حزم الظاهري، وابن رشد، والزهراوي، والإدريسي، والعباس بن فرناس، والقرطبي وغيرهم.
ظلت قرطبة تنعم بهذا التفوق على سائر مدن أسبانيا زمنًا إلى أن سقطت الخلافة الأموية عام (404 هـ/1013م) ، حين ثار جند البربر على الخلافة ودمروا قصور الخلفاء فيها وهدموا آثار المدينة وسلبوا محاسنها ومنذ ذلك الحين انطفأت شعلة تفوقها وانتقلت مكانتها السامية إلى أشبيلية.
ويعد المسجد الجامع أهم تحفة معمارية أنشئت في عهد عبد الرحمن الداخل ، ولا يزال مسجد قرطبة الجامع باقيًا حتى اليوم بكل أروقته الإسلامية ومحاريبه، وقد تحول إلى كاتدرائية بعد الاستيلاء على قرطبة، بعد إزالة كثير من قباب المسجد وزخارفه الإسلامية.
ورغم هذه الظروف التي مرت بها إلا أنها استطاعت أن تحتفظ ببعض من تفوقها، حتى سقطت بيد فرناندوا الثالث في يوم 23 شوال سنة 633هـ، وحزن المسلمون لسقوطها حزنًا عظيمًا، وتحول مسجدها الجامع الكبير إلى كنيسة، وهجرها عدد كبير من المسلمين، وطويت صفحة حضارية عظيمة للمسلمين امتدت أكثر من خمسة قرون في هذه المدينة .
* اذا عدناالى تاريخ قرطبة قبل سيطرة الخلافة الإسلامية نجد انها كانت تحت سيطرة رومانية، وتأسست قرطبة كمستوطنة رومانية على الجانب الشمالي لنهر الوادي الكبير (نهر بيتيس قديماً) في عصر جمهورية روما سنة 206 قبل الميلاد، ثم صارت عاصمة لولاية بيتيكا (جنوب إسبانيا) ضمن الإمبراطورية الرومانية. وقد ظلت قرطبة مدينة رومانية لمدة تزيد عن سبعة قرون، ولذلك ما زالت في قرطبة آثار من الحكم الروماني، أبرزها الجسر الروماني ("بوينتي رومانو") الذي يقطع الوادي الكبير، وأطلال معبد روماني، بالإضافة إلى ضريح روماني مكتشف حديثاً. وظهر في قرطبة، في تلك الفترة الفيلسوف سينيكا.
بعد سقوط الدولة الرومانية على يد الغزوات المتتابعة من قبل القبائل الجرمانية ("البرابرة")، انحدرت على شبه الجزيرة الأيبيرية (إسبانيا و البرتغال حالياً) بعض هذه القبائل كالوندال والآلان، وتبعهم القوط الغربيون الذين كان أمر الجزيرة بأكملها، بما فيها قرطبة، قد آل إليهم وقت وصول المسلمين في القرن الثامن الميلادي (الأول الهجري)، بعد صراع مع الروم البيزنطيين.
عصر ملوك الطوائف والمرابطين
في العقدين 1020، 1030 سقطت الخلافة بسبب ثورة البربر ونشوء ملوك الطوائف الذين قسموا الدولة إلى أكثر من 12 دويلة، منها غرناطة وإشبيلية والمرية وبلنسية وطليطلة وسرقسطة والبرازين وبطليوس. وتنازع حكام إشبيلية وطليطلة المسلمين على قرطبة حتى استقرت المدينة بيد ملك إشبيلية الطموح المعتمد بن عباد سنة 1078 م، ففقدت قرطبة مكانتها كعاصمة لدولة، وبزغ نجم إشبيلية المجاورة لها بدلاً منها.
وبينما ورثت دويلات الطوائف ثراء الخلافة، إلا أن عدم استقرار الحكم فيها والتناحر المستمر بين بعضها البعض جعل منهم فريسة لمسيحيي الشمال. إلى أن أفتى الفقهاء وأهل الشورى من المغرب والأندلس ليوسف بن تاشفين، زعيم دولة المرابطين في المغرب بخلعهم وانتزاع الأمر من أيديهم وصارت إليه بذلك فتاوى أهل الشرق الأعلام مثل : الغزالي و الطرطوشي فاقتحم عامة الأندلس من أيدي ملوك الطوائف وانتظمت بلاد الأندلس، بما فيها قرطبة، في مملكة يوسف بن تاشفين، وذلك عام 1091 م.
عصر الموحدين
سقطت دولة المرابطين على يد حركة إسلامية أخرى هي حركة الموحدين، فصارت قرطبة وباقي الأندلس الإسلامية بأيديهم في منتصف القرن الثاني عشر. وقام الموحدون بإعادة عاصمة الأندلس إلى قرطبة، فاستعادت شيئاً من مكانتها السابقة. وفي هذه الفترة ظهر في قرطبة الفيلسوف المسلم ابن رشد، بالإضافة إلى العالم الديني اليهودي ابن ميمون، أشهر فلاسفة اليهودية في العصور الوسطى.
و لم يصمد الموحدون طويلاً بعد ذلك، فقد انهزموا هزيمة كبيرة في معركة العقاب ("لوس ناباس دي تولوزا" بالإسبانية) عام 1212 م، فتهاوت بعد ذلك معظم المدن الإسلامية في الأندلس في أيدي مملكة قشتالة المسيحية، فسقطت قرطبة عام 1236 م على يد فرناندو الثالث بعد ما يزيد على خمسة قرون من الحكم الإسلامي للمدينة.
قرطبة الإسبانية
فرغت قرطبة سريعاً بعد ذلك من معظم سكانها المسلمين، وسمح الملوك الإٍسبان لمن تبقى منهم بالبقاءعلى الإسلام بعد استيلائهم على المدينة، أسوة بباقي المسلمين في الأندلس، واستخدموا العمال والمهندسين المسلمين في تصميم مباني وقصور وكنائس لهم على الطراز الأندلسي، وسمي المسلمون الباقون تحت حكم الإسبان بالمدجّنين ("مديخار" بالإسبانية)، ولكن ذلك لم يستمر طويلاً، إذ بدؤوا بعد ذلك بالتضييق عليهم ثم إجبارهم على اعتناق المسيحية من خلال محاكم التفتيش، إلى أن قرّرت إسبانيا طرد المسلمين وأحفادهم ممن اعتنق المسيحية من سائر البلاد، كما تم طرد اليهود منها أيضاً، وذلك في بداية القرن السابع عشر، و تم توزيع الأراضي والإقطاعيات على مهاجرين مسيحيين من الشمال أعادوا توطين المدن مثل قرطبة.
ولا يزال الحيّان الإسلامي واليهودي القديمان معروفين في قرطبة الحالية، كما بقي مسجدها الضخم قائماً في وسطها، إلا أنه تم بناء كنيسة في قلب المسجد في القرن السادس عشر، ويستخدم الجامع الآن ككاتدرائية تتبع الكنيسة الكاثوليكية. وقد جعلت اليونيسكو وسط مدينة قرطبة (أي الحي القديم بما فيه المسجد والحي اليهودي) موقعاً من مواقع التراث العالمي، بالإضافة إلى مدينة الزهراء المجاورة لقرطبة.
وقد مرت جنوب إسبانيا ("أندلسيا" كما أسماها الإسبان) بفترة من الانحدار الاقتصادي والثقافي بعد ذلك مقارنة بباقي إسبانيا، وازدهرت إشبيلية على حساب قرطبة بسبب استخدامها كميناء يربط إسبانيا بالعالم الجديد، إلا أن المنطقة بأسرها باتت تعيش رخاء اقتصادياً في الوقت الحالي بفعل تنشيط السياحة وتهافت السواح للتمتع بمرءآ التراث الأسلامي وقمة الإبداع المعماري، وإنشاء منطقة أندلسيا ذات الحكم الذاتي. وتشكّل قرطبة مقر محافظة قرطبة داخل هذه المنطقة، وسكانها يتجاوزون الثلاثمائة ألف نسمة. وقرطبة هي المدينة الوحيدة في إسبانيا التي ما زال يحكمها الحزب الشيوعي الإسباني.
مواقع أثرية
أهم معالم قرطبة الرومانية
الجسر الروماني، الذي يقطع نهر الوادي الكبير، وقد تم ترميمه في العصر الإسلامي، ولا يزال مستخدماً اليوم.
المعبد الروماني، إلى الشمال من المدينة القديمة.
الضريح الروماني
أهم معالم قرطبة في العصر الإسلامي
مسجدها الجامع من أجمل ما أبدعه المسلمون في الأندلس، وقد صنفه اليونسكو كموقع تراث عالمي.
مدينة الزهراء التي أنشأها عبد الرحمن الناصر بإسم زوجته. وقد احترقت تماماً خلال ثورة البربر عام 1020. ويجري حاليا ترميمها، إلا أن مجرّد 10% فقط من إجمالي مساحتها قد تم التنقيب عنه حتى الآن. وتقع في قلبه دار الروضة، وهى قصر "عبد الرحمن الناصر"، وجلب إليه الماء من الجبل.
*الحمامات العربية
الحي اليهودي بقرطبة، ويسمى في الإسبانية بالخوديريا أي "مكان اليهود"، رغم أن اليهود قد طردوا من قرطبة منذ القرن السابع عشر.
*قلعة "كالاهورا"، وهي قلعة إسلامية تقع على الجانب الآخر (الجنوبي) للوادي الكبير عند نهاية الجسر الروماني، أجرى عليها الملوك الإسبان إضافات فيما بعد، وتحتوي الآن متحفاً.
*بقايا أسوار المدينة وبعض بواباتها، خصوصاً في الجانب الغربي.
*الناعورة، وتقع بجوار الجسر الروماني.
*قصر قرطبة (Alcazar) وهو قصر ابتناه حكام قرطبة المسيحيون بعد استيلائهم عليها على موقع قصر قرطبة القديم، ومنه تم السماح لكريستوفر كولمبوس عام 1492 بالسفر بحثاً عن طريق جديد إلى الهند.
*جامع قرطبة
يسمى (باللغة الأسبانية Mezquita) (وتنطق: مـِسكيتا) وتعني مسجد باللغة الإسبانية. واحد من أروع ما أنشأ المسلمون من الأعمال المعمارية ، ويوجد في قرطبة، ويقع هذا المسجد بالقرب من نهر الوادي الكبير، وتحيط به ومن جوانبه الأربعة أزقة ضيّقة، وهو باعتراف مؤرخي العمارة الأوروبية قمة من قمم الفن المعماري العالمي على مر العصور، ودليل قاطع على براعة الاموين والعرب في فن الهندسة والمعمار. وقد تحول اليوم إلى كنيسة.
تاريخ الجامع
لقد تم بناء هذا الجامع خلال قرنين ونصف قرن تقريباً، ويرجع تأسيس المسجد إلى سنة (92 هـ) عندما اتخذ بنو أمية قرطبة حاضرة للخلافة الأموية في الأندلس ، حيث شاطر المسلمون المسيحيون قرطبة كنيستهم العظمى، فبنوا في شطرهم مسجداً وبقي الشطر الآخر للروم، و حينما ازدحمت المدينة بالمسلمين وجيوشهم اشترى عبدالرحمن الداخل شطر الكنيسة العائد للروم مقابل أن يُعيد بناء ما تـمّ هدمه من كنائسهم وقت الغزو، وقد أمر بإنشائه ((عبدالرحمن الداخل)) سنة 785 ميلادي وقد كانت مساحته آنذاك (4875 متراً مربعاً) وكان المسجد قديماً يُسمى بـ (جامع الحضرة) أي جامع الخليفة أمّا اليوم فيُسمى بـ (مسجد الكاتدرائية) بعد أن حوله الأسبان كاتدرائية مسيحية. وأهم ما يعطي هذا الجامع الفريد مكانة في تاريخ الفن المعماري أن كل الإضافات والتعديلات وأعمال الزينة، كانت تسير في اتجاه واحد وعلى وتيرة واحدة، بحيث يتسق مع شكله الأساسي .
مميزات الجامع
ايوان جامع قرطبة كان الشكل الأصلي لمسجد عبدالرحمن في عام 170 ﻫ يتألف من حرم عرضه 73.5 متر ، و عمقه 36.8 متر ، مقسم إلى 11 رواقاً ، بواسطة 10 صفوف من الأقواس ، يضم كل منها 12 قوس ترتكز على أعمدة رخامية وتمتد عمودياً على الجدار الخلفي. وهذه الصفوف تتألف من طبقتين من الاقواس، الأقواس السفلية منها على شكل حدوة الفرس، والعلوية تنقص قليلاً عن نصف دائرة، وهي تحمل سقفاً منبسطاً، يرتفع مقدار 9.8 متر عن الأرضية و فوقهم 11 سقفاً جمالونياً متوازياً، بينها أقنية عميقة مبطنة بالرصاص. والحرم ينفتح على الصحن بواسطة 11 قوس حدوي، ترتكز على عضائد على شكل T. والصحن عرضه 73.21 متر و عمقه 60.7 متر. و يوجد له باب غربي و باب شمالي على المحور الشمالي الجنوبي ، كما له على الأرجح باب شرقي متوافق مع الأول. و كان للحرم باب واحد يعرف اليوم باسم (بوير تادي سان استيبان) ، وللحرم أيضاً 3 دعائم للشرق و الغرب ، تبرز 1.5 متر ، و دعامتان ركنتيان و على الأرجح 10 في الجانب الجنوبي ، لتتحمل ضغط صفوف الأقواس. و سمك الجدران قدره 1.14 متر. والصحن لم يكن محاطاً بأروقة ، و الكتابات التى تزين واجهة المحراب يصعب فهمها ، ومما كتب الآية السادسة من سورة السجدة (ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم) و مما كتب أيضا : موقف الإمام المستنصر بالله عبدالله الحكم. كما كتبت الآية 23 من سورة الحشر : (هو الله لا اله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون) ، و من أعمال الحكم في جامع قرطبة مد قنوات المياه إلى السقايات. والميضآت التى أحدثها ، و قد أوصل الماء إلى المسجد عبر قناة مدها من سفح جبل العروس قرب قرطبة كما أنشا الحكم عدداً من المقاصير ، منها مقصورة "دار الصدفة" غربي الجامع ، وقد جعلها مركزاً لتوزيع الصدقات ، و مقصورة أخرى أمام الباب الغربي كان الفقراء يتخذونها مسكناً لهم.
كانت مقاييس الجامع الأول (75 م × 65 م) بالإضافة إلى صحن الجامع ، وفي عهد الامير الأموي الأندلسي (عبد الرحمن الأوسط) توسع فيه أكثر ، ثم المحراب والقنطرة الموجودة فوق الشارع الرئيسي الذي يمر غرب الجامع ، والهدف منها انتقال الأمير عليها من قصره دون أن يمر في الشارع. في سنة (951 ميلادي) أنشأ ((عبد الرحمن الناصر)) ، مئذنة جديدة في أقصى صحن الجامع جهة الشمال ، وهي على هيئة برج ضخم له شرفتان للأذان يصعد إليها بسلم داخلي ، وهذه المئذنة لا تزال موجودة ، وقد حولت إلى برج أجراس. وفي عهد ((محمد بن أبي عامر المنصور)) في عصر الأمير هاشم المؤيد عام 987 ميلادي زُيد في الجامع فأصبحت مقاييسه (125 متر × 180 متر) لتكون مساحته 22500 م2 أي خمسة أفدنة.
وتعرّض المسجد في سنة 400 هجرية للنهب ، بعد أن ترك الناس قرطبة ، نتيجة القتال الذي نشب بين المهدي وبين سليمان بن الحكم. واجتاح قساوسة قرطبة سنة 633هـ / 1236 ميلادي، ما في قرطبة من مساجد وقصور، وتعرّضوا للمسجد وخربوه.
ويعد صحن المسجد قطعة فنية فهو محاط بسور تتخلله سبعة أبواب ، وفي جهته الشمالية توجد المئذنة ، وقد زرع الناس أشجار النارنج ، وأشجار الليمون فيه ، و لهذا يسمى صحن النارنج.
لتكبير الصورة اضغط مرتين