عندما توالت على مدينة اربيل الغزوات وخضعت للعديد من الامبراطوريات، كاليونانية والمقدونية والفارسية والتركية فكر اهاليها في انشاء مدينتهم على تلة اصطناعية تحميهم من هذه الغزوات خاصة بعد افتقارهم لوسائل الدفاع الطبيعية من الانهار والجبال وبذلك انشات قلعة اربيل على تل اصطناعي عالي وقد احيطت القلعة بجدار مرتفع ومنيع مع حفر خندق ماء عميق حول القلعة في اسفلها وعمل سكانها على تامين الاكتفاء الذاتي لاحتياجاتهم اليومية عبر حفر بئر عميق من سطح القلعة حتى منبع المياه في الاسفل كما أمّنوا الغذاء وبقية مستلزمات الحياة من المسجد والحمام والمدرسة وغيرها.
تقع قلعة أربيل في وسط مدينة أربيل شمال العراق، ويعود تاريخها إلى عصر الاشوريين والى حوالي الالف الأول قبل الميلاد ، وكانت في باديء الامر وعند انشائها تضم المدينة بأكملها...
يتحدث ياقوت الحموي في كتابه (معجم البلدان)، عن اربيل وقلعتها فيقول: ان اربيل هي قلعة ومدينة كبيرة في فضاء واسع من الأرض. ثم أصبحت القلعة مقرا للامير الاتابكي سنة 539هـ. يبلغ ارتفاع القلعة 415 م عن مستوى سطح البحر وعن سطح المدينة يبلغ ارتفاعها حوالي 26 م اما مساحتها فتبلغ 102.190 متر مربع.
تعتبر مدينة اربيل اقدم مدينة في العالم من حيث بقائها مأهولة منذ نشأتها حتى الان، لذا لا يعرف بالضبط كيفية انشاءها ومن الذين ساهموا في بنائها وتطويرها.واصبحت القلعة مأهولة عبر التاريخ الموغل في القدم ودون انقطاع المياه فيها وحافظت على خصائصها . ولا يشير التاريخ الى تمكن الغزاة من اقتحامها عسكريا بل وتجاوزتها حملات الغزاة وتركتها او دخلت مع سكانها في حوار سلمي لضمان سلامتهم وبذلك سلمت القلعة من الغزاة ومن الدمار والزوال.
بعد الحرب العالمية الاولى استقرت الامور للاحتلال الانكليزي في العراق ومدينة اربيل من ضمنها. واسس المحتل الانكليزي الادارة المدنية واقدم على خطوات في سبيل توفير المعلومات الاساسية التي تساهم في تطوير المستلزمات والتقدم نحو الحضارة الاوروبية في فتح المدارس وانشاء المستشفيات وغيرها. لذلك قام باجراء احصاء سكاني لقلعة اربيل عبر موظفين هنود وعراقيين في ظروف امنة بعيدة عن التطرف القومي والتغيير الديموغرافي. وشمل الاحصاء 521 دارا موزعة على محلات (طوبخانة 133، والتكية 212 والسراي 176دارا). وقد ظلت نتائج هذا الاحصاء محفوظة في سجلات مديرية النفوس العامة ببغداد الى ان قام السيد برهان يارالى بنشرها في كتابه (قلعة اربيل بين الماضي والحاضر ) في عام 2004 وبذلك قدم لمدينته خدمة كبيرة .
قلعةا ربيل اقدم المعالم التاريخية
لعل من ابرز المعالم التاريخية في اربيل قلعتها،التي احتفظت بشكلها وبكونها آهلة بالسكان الى يومنا هذا، وليس غريبا أن يسمي الآثاريون اربيل اقدم المدن الحية في العالم، ويرجّع المؤرخون تاريخها إلى 6000 سنة، وتعاقبت على القلعة الحضارات السومرية والبابلية والآشورية إضافة إلى الإسلامية وهي حضارات تناوبت في بلاد الرافدين، قال في وصفها ياقوت الحموي أن اربيل قلعة ومدينة كبيرة في فضاء واسع من الأرض، ومحاطة بخندق عميق، كانت مدينة كاملة فيها أسوار ومنازل للآهلين.
تقع القلعة على بعد300 كيلومترا عن العاصمة بغداد، وتبلغ مساحتها أكثر من عشرة كيلومترات مربعة ويبلغ ارتفاعها العام عن سطح الأرض (26) متراً. وماالقلعة إلا بقايا مدينة آشورية مهمة تعرف بأسم (أربا_ إيلو) مشيدة على تل أثري أقدم عهدا، و (أربا_ إيلو) تعني الآلهة الأربعة. وتحول اسمها الى إربل أو إربلا حسب الجغرافيين العرب، تحريفاً أو تصحيفاً الى أرويل وأوريل على لسان العامة، ونتيجة للقلب والبدل في الأسماء اللغوية تحولت أوريل إلى هولير. ويقول اللغوي العراقي الكبير الأب انستاس ماري الكرملي إن اسم هولير مصحف من اربيل وقد اشار الاستاذ المرحوم زبير بلال اسماعيل الى هذا في كتابه (اربيل في أدوارها التاريخية) حيث يذكر أن هولير من أربيل.
كانت قلعة إربل من أهم المدن الآشورية الثلاث كالح، ونينوى، وإربل. وخلال جميع عهود الممالك الآشورية اتخذت إربل عاصمة الملك الحاكم، لقد كانت إربل العاصمة الدينية دوماً. ففي بلاد آشور كان الملك بالنسبة لدين آشور، هو الكاهن الأعظم، غير المنازع. ومن المحتمل أن (عشتار) قد نقلت معبدها شمالاً عندما قامت بلاد آشور منفردة، واختارت لذلك (أربا_ إيلو)، وبذلك فأن إربل كانت الكرسي الثاني للألهة عشتار، التي عرفت بـ (عشتار أربيلا) وكانت مصدر الظفر في المعركة، فحملت عشتار عند الآشوريين طبيعتان إذ كان لها معبد في نينوى وآخر في إربل. وعشتار نينوى كانت أصلاً، إلهة الحب والترف، تحكم كوكب الزهرة، ولكن عشتار إربل كانت مصدر الظفر في المعركة. ويذكر أن الملك سنحاريب حج الى مدينة (اربا_ ايلو) سنة 692 ق.م ليصلي فيها الى الألهة عشتار فيصيب ظفراً في حملة قادمة من حروبه. إلاّ أن كان لأربل إلاهُها الخاص واسمه شربل، وهو ابن الألهة عشتار.
ومن أهم الأحداث التي مرت على القلعة احتفال اشور ناصر بال (885_ 860 ق.م) بإعدام الملك (كيرخي) وتعليق جثته على أسوارها وقيام (سنحاريب) سنة (681 ق.م) بإيصال الماء أليها خلال قناة تمتد من وادي باستورة لمسافة (20كيلومتراً). كما اشتهرت قلعة إربل بالمعركة التي وقعت بين الاسكندر المقدوني وادار ملك الفرس بالقرب منها، تلك المعركة التي عرفت في التاريخ القديم (بمعركة كوكاميلا) كانت نهايتها سيطرة الاسكندر المقدوني على المدينة.
في القرنين الأخيرين قبل الميلاد، والقرنين الأولين بعد الميلاد كانت إربل إمارة شبه مستقلة باسم "حدياب" وكانت تضم أحيانا اقليم آشور _ نينوى.
وعندما انتشرت المسيحية في بلاد وادي الرافدين كانت إربل من أولى المدن التي انتشرت فيها المسيحية فمنذ القرن الميلادي الأول كانت هناك جماعات مسيحية في إربل ونعرف من تاريخ إربل لمشيحا زخا أسماء أساقفة مسيحيين منذ منتصف القرن الثالث كـ (شحلوفا) الذي درّس وبنى عدة مدارس في أطراف البلاد، وفي عهد الجاثليق (فافا) رفعت إربل الى المقام المطراني وقد أعطت هذه الأبرشية القسم الأكبر من الشهداء أثناء الاضطهاد الفارسي حيث قتل تسع راهبات ومائة وأحد عشر كاهناً دفعة واحدة وكانت سيدة اربيلية تدعى (يزدان دوخت) قد مدت لهم يد العون دون جدوى وسعت صباح موتهم الى القيام بدفنهم. وبالرغم من الاضطهادات ضد المسيحيين بقيت إربل تحتفظ بغالبية مسيحية حتى احتلالها من قبل المغول، وكانت عامرة بالكنائس والأديرة وأصبحت غير مرة مركزاً للكرسي البطريركي
وفي العهود الإسلامية بقيت القلعة مسورة وكانت تضم مركزاً للسكنى وحصناً للدفاع وعليها الأبراج ومكامن الدفاع وبقيت القلعة آهلة بالسُكان طيلة العهود التالية التي تلت الاحتلال المغولي الأخير في القرن الثالث عشر وآخر ذكر لها كمركز دفاع عسكري نسمعه عند احتلال نادر شاه لإربل سنة (1736م) حيث حاصرها مدة ستين يوما قبل أن يفتحها.
لقد مرت القلعة بثلاثة أدوار مكانية حيث كانت المدينة بكاملها، ومن ثم أصبحت القسم الأكبر من المدينة، وأخيراً أصبحت جزءاً صغيراً من المدينة. ويبقى الدور الأخير للقلعة والذي مازال مستمرا حتى ألان يشير الى كثافتها السكانية في الفترة الحديثة.
إما الصعود للقلعة فلا يمكن أن يتم إلا من خلال بابين قديمين الباب الجنوبي المواجه لسوق المدينة والباب الشمالي باب عمكو المواجه لعنكاوا والذي يقال بأن اسم عنكاوا جاء منه، وكان الباب الرئيسي للقلعة الواقع في الجهة الجنوبية منها يمثل برجاً عظيماً كان منظره يدل على أنه كان حصناً للقلعة، وقد هدم هذا الباب خوفاً من انهياره.
تقع قلعة اربيل التي يَسكنها الاكراد في الوقت الحاضر في قلب المدينة، وتتألف من ثلاث محلات سكنية وهي السراي التي تقع في الجهة الشرقية، والطوبخانة في الجهة الجنوبية الغربية، والتكية تقع في الجهة الشمالية الغربية، وتتألف القلعة في وضعها الحالي من الدور القديمة والمتهدمة فهي صحنية الشكل وقد شيد اقدم هذه الدور في حدود نهاية القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين فوق أنقاض بيوت أخرى.
وهكذا حافظت القلعة على استمرار بقاء مدينة اربيل في هذه البقعة، واستمرار الحياة فيها، بل وبقاء المدينة محتفظة بأسمها القديم.
وتُعَد القلعة اليوم رمزاً اثرياً وتاريخياً للمدينة من حيث نسيجها الحضاري والتراثي وتنتظر االمزيد من الاهتمام لتكون نموذجاً حياً يجمع ما بين التراث والحضارة، ومما يؤسف له أنه لم تجد للآن تنقيبات جدية في القلعة لتكشف لنا تاريخها وحضارات الشعوب التي سكنتها وتعاقبت عليها.
يقول المعمرون من الأهالي إن مدينة أربيل التي يزيد تعداد سكانها الآن عن مليون نسمة كانت عبارة عن هذه القلعة فقط إلى عشرينيات القرن الماضي، ثم بدأ الناس ترك القلعة والسكن في ضواحيها، وهكذا امتدت المدينة هذا الامتداد الواسع تاركة القلعة مركزا للمدينة، أو بالأحرى قرية في قلب عاصمة.